سادخل إلى موضوع المقالة مباشرة وبكل وضوح وموضوعية وصدقية لأقول منذ البداية أن لا شرعية لأى حكومة أو سلطة قائمة ، فالتفويض الشرعى الذي منحه الفلسطينيون في إنتخابات 2006التشريعية وقبلها الرئاسية بعام لم يعد قائما ، وهذه حقيقة ينبغى ألا تغضب أحدا. الفلسطينيون هم اشد الشعوب حاجة دائما إلى دعم وتقوية شرعيتهم السياسية ، وبناء نظامهم الديموقراطى وتقديم نموذجا سياسيا في الممارسة الديموقراطية . لقناعتى أن الديموقراطية أحد أهم الوسائل السياسية والسلمية لتعرية إسرائيل من ناحية ، ولكسب التاييد الدولى من ناحية أخرى ، ومن ثم ألأقتراب اكثر إلى تحقيق الأهداف الفلسطينية المشروعة في قيام الدولة الفلسطينية الكاملة . وعندما تغيب الشرعية السياسية يكون البديل بالإعتماد على شرعية القوة ، وخلق مؤسسات أمنية قمعية وظيفتها فقط دعم الحكومة القائمة . وفقدان الشرعية السياسية يعطى لصاحب هذه الشرعية حق رفض الإنصياع لأى أوامر وقرارات تصدر من أى حكومة ، بل وألأخطر من ذلك إن فقدان هذه الشرعية يعنى بطلان لكل القرارات والسياسات التي تصدر. ولقد تعمقت حالة فقدان الشرعية السياسية بإنقسام الوطن الفلسطينى إلى شطرين ، وتشكيل حكومتان فلسطينيتان واحده في غزة ، والأخرى في الضفة الغربية ، وبدأنا مرحلة من التشكيك الشرعى ، ومرحلة تمسك كل طرف بانه يمثل الشرعية الفلسطينية ، وهذا يتعارض كما أشرت مع مبدأ التفويض التمثيلى إستنادا على مقولة النائب يمثل الشعب يريد ما يريده الناس الذي لم يعد قائما .ومن حق الشعب العصيان المدني وليست هذه دعوة على التحريض أو التمرد ، لكن من حق الشعب الفلسطينى إن يعبر عن رايه ، ويعلن رغبته في التغيير السياسى السلمى الديموقراطى ، وقد يكون الشعب الفلسطينى أكثر تاهيلا على ممارسة هذا الحق ، فالشعب الذي يخضع تحت الأحتلال ويعانى من ظلم الأحتلال ،وبسببه يحرم عليه ممارسة حقه في تقرير مصيره ، أجدر بهذا الشعب إن يرفض اى شكل من أشكال الحرمان السياسى من ابناء جلده ن وممن قام بإختيارهم في إنتخابات نزيهة وفوضهم مسؤولية الحكم والسلطة . ولذلك أعتقد إن هذا الشعب يستحق كل التقدير من سياسيه وحكامه ، لأنه يدرك ويصر على التغيير السلمى ، ويدرك إن الثورة الحقيقية ينبغى أن تكون ضد انهاء الإحتلال وألإنقسام ، ولا اعتقد إن احدا يعارض ذلك إلا إذا كان يعمل ضد مصلحة شعبه . ولا احد يختلف على أن ألأولويات الفلسطينية في هذه المرحلة وبالترتيب الزمنى القابل للتحقيق هى أولا إنهاء ألإنقسام السياسى وتحقيق المصالحة الفلسطينية ، وثانيا إجراء الإنتخابات السياسية لتجديد وتفعيل شرعية كل مؤسسات السلطة ،بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطنى الفلسطينى بهدف قيام نظام سياسى ديموقراطى يمكنه من التعامل والتكيف مع الثورة الديموقراطية التي تجتاح الدول العربية من حولنا ، وثالثا إنهاء ألأحتلال بكل الوسائل المشروعة وقيام الدولة الفلسطينية الواحده والمستقلة والمتكاملة ، وهذه ألأولوية الأخيرة لا يمكن إن تتحقق وألإنقسام مستمر ، والمصالحة بعيده ، ولا يمكن إن تقوم وليس لدينا مؤسسات ديموقراطية تمثيلية حقيقية . هذا هو المطلوب في هذه المرحلة ، وأضيف إلى ذلك إن وجود حكومتين منفصلتين فيه إهدار للمال والدعم الفلسطينى ، فنحن لسنا في حاجة إلى حكوميتن ، وإثنتين من كل مؤسسة أو وزارة ، من نحن حتى نقوم بذلك ، ومن اين لنا بالموارد المالية ، فنحن في النهاية شعب فقير في موارده ولكنه غني بعقول أبنائه وقدرتهم على مواكبة الثورة العلمية والتكنولوجية ، وبقدرتهم على بناء مؤسسات دولتهم ، وبقدرتهم على ألأستثمار الذاتى . وأمران قد يحولان دون ذلك ألإحتلال والإنقسام ، وألأمران يلتقيان في شأن واحد وهو القدرة على هدر أموال وعقول أبناء الشعب الفلسطينى . وفى هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها القضية الفلسطينية ، وفى أعقاب وصول المفاوضات إلى فشل بسبب التعنت الأسرائيلى وحتى ألأمريكى الذي قد تجسد في الفيتو ألأمريكى ضد إدانة الإستيطان الإسرائيلى في مجلس ألأمن، وحتى خيار المقاومة يواجه معوقات وتحديات كبيرة بسبب الإنقسام . وفى زمن التحول الديموقراطى الذي نشهد إرهاصاته في الدول العربية المحيطة بنا ، ألأجدر بهذا التحول هم الفلسطينيون ، وعليه الأولوية في هذه المرحلة هى في التفكير في تجديد وتأكيد الشرعية السياسية لمؤسساتنا السياسية ، وتجديد الشرعية لا يتم إلا عبر الإنتخابات النزيهة في كل مكان وفى كل مستوى ، ولا أعتقد أن هناك أى مبرر لعدم إجراء الإنتخابات إلا في حالة واحدة وهى قيام إسرائيل بالإحتلال الكامل لكل الأراضى الفلسطينية ، وهو ما يعنى حل كل مؤسسات السلطة الفلسطينية ، وتحولها إلى مؤسسات كفاحية . وطالما لدينا مؤسسات سلطوية وحكومة ، فهذه المؤسسات في حاجة إلى تجديد شرعيتها ، ومن هذا المنظور يصبح أى تغيير حكومى يتعارض مع مبدأ الشرعية . وقد يتساءل البعض ماذا نفعل وما هى الخيارات البديلة مع إستمرار الإنقسام ، هل نبقى بدون حكومة ؟ والإجابة القاطعة أنه لا بد من إنهاء الإنقسام بكل الوسائل ، والإنتخابات والشرعية وسيلة من وسائل إنهاء الإنقسام السياسى ، ولا مبرر إن نبقى بإنقسام وبدون شرعية .والبديل الأسوأ لذلك إنتخابات وشرعية حتى مع الإنقسام .!! أستاذ العلوم السياسية غزهdrnagish@gmail.com