في ظل رياح التغيير الحاصل في المنطقة العربية (والمرشح للانتقال إقليميا وعالميا إلى كل الشعوب المضطهدة في الأرض) كان هناك غيابا واضحا للأحزاب الكلاسيكية المعروفة والتي تفاجأت هي نفسها بحجم التغيير الحاصل وطبيعته ومن يقف خلفه.حتى إن الكثير منها وقف عاجزا أمام تحديد الأسباب الحقيقية لهذا الزلزال الذي أصاب المنطقة لدرجة أنهم أطلقوا عليها ثورات الشباب والفيس بوك وثورات الـ اي تي رغم إن ذلك بدا واضحا انه مجافي للحقيقة إذا ما نظرنا إلى الوجوه المشاركة والفئات التي التحقت بهذه الثورة العارمة حيث كبار السن والنساء والشباب والأطفال المسلمين والمسيحيين والاشتراكيين الثوريين والمستقلين الفنانين والصحافيين المحامين والأطباء والسياسيين السابقين وكل ذلك كان بلا رأس في بداية الأمر ورغم محاولة الكثيرين الادعاء إنهم رأس الثورة أو ذراعها أو جسدها أو أباها الروحي إلا أن كل ذلك باء بالفشل ....لان ما يحدث جاء نتيجة طبيعية للقانون الذي يقول إن التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي بالمعني الايجابي أو السلبي وهنا يظهر دور القوى المؤطرة والمنظمة لتوجيه التغيير الجماهيري الحاصل في الاتجاه الايجابي والمحافظة على مكتسبات هذا التغيير وحمايته من ردات الفعل المعاكسة وهنا يظهر سؤال آخر هل القوى الموجودة قادرة على ذلك خاصة وأنها ما زالت تكرر الأسلوب القديم وطرق العمل القديمة أم أن رياح التغيير أصابت هذه الأحزاب بحمى التغيير الجارية وبدأت تعيد مراجعة برامجها وشعاراتها لكي تتماشي مع رياح التغيير التي أخذت الطابع الليبرالي التحرري ورفض القديم بكل أشكاله مع ضبابية في رؤية المستقبل وغياب الدور الفاعل للقوى التقدمية ؟؟؟......و الجواب نعم. وهنا سنركز على التغيير الحاصل في داخل أحزاب الإسلام السياسي في المنطقة والذي بدأ في مصر إذا جاز التعبير بالإعلان عن تشكيل حزب سياسي يحمل اسما علمانيا الحرية والعدالة.... لان الحرية تعني فتح المجال أمام الجميع للانعتاق من رواسب الماضي ومن الظلم والقهر والاضطهاد والفساد والتمييز العنصري والطائفي والعرقي أما العدالة فتعني المساواة في الحقوق والقتال السلمي والقانوني من اجلها والنضال من اجل أن نأخذ حقوقنا وإعطاء الآخر حقه حتى لو اختلفت معه سياسيا أو أيدلوجيا ...أي بالمعني البسيط النضال من اجل بناء الدولة المدنية وليس الدولة الدينية التي تخضع لقدسية النصوص وفرض الشرائع الدينية على المجتمع ككل ولكن هذا لا ينفي حق الأفراد والجماعات داخل المجتمع من ممارسة حقوقهم الدينية وممارسة شعائرهم وعدم المساس بحق الأخريين أو التشهير بهم أو التحريض عليهم دينيا أي بالمعني الآخر العلمانية الأخلاقية والتي تفصل الدين عن الدولة ولكنها ليست علمانية مطلقة تنفي الدين وتحاربه بالمعنى الايدولوجي. هذا الشرح لاسم الحزب الجدبد بالمفهوم العام وليس بالضرورة فهم الإخوان لهذا المسمي ولكن في كل الأحوال لن يكون هناك شعار الإسلام هو الحل لان ذلك يتنافي مع الاسم والشرح ومع الواقع والمتغيرات الجديدة. إذا هناك منحى جديد يدخله الإسلام السياسي في المنطقة وهذا سينعكس على فصائل المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان وغيرهم وكذلك تيمنا بالتجربة التركية... أي العلمانية بروح الإسلام خاصة وان ثقافة الجميع لها جذور إسلامية ..يمينيين ويساريين ومستقلين وأحزاب الوسط.... حتى المسيحيين في العالم العربي .كل ما سبق سيضع تلك الأحزاب الإسلامية في مواجهة مع التطرف الإسلامي والتنصل من أصحابه خاصة القاعدة والسلفية الجهادية وكل أشكال التطرف الديني الفري والجماعي.وهذا سيجعل الإسلام المعتدل يتماهي مع القوي الليبرالية في الداخل والخارج وظهور شبكة علاقات جديدة قديمة.. يكون عنوانها تبادل المصالح والوصول إلي السلطة لحماية تلك المصالح وتطويرها وهذا ما حصل بالفعل مع التجربة التركية حيث الإسلام السياسي المعتدل الذي فضل العلاقات مع السوق الأوروبية المشتركة والدخول في الاتحاد الأوروبي وتوفير كل المتطلبات لذلك (حتي تم التصويت علي تشريع البغاء في البرلمان ونجح ذلك) وتوقف حملة القوي السياسية والمؤسسات الدينية علي معارضي الحجاب في بعض الدول الأوروبية حتي خرجت فتوي تجيز عدم لبس الحجاب (لاضرر ولا ضرار ) ونفي (درء المفاسد خير من جلب المنافع ).إذا نحن أمام تغيرا دراماتيكي في طبيعة التفكير والممارسة في المرحلة القادمة التي بدأت بوادرها في الظهور في كافة الدول العربية وحتي في إيران والتي تميزت بالحكم الإسلامي بأدوات علمانية وهذا سيمهد لحقبة جديدة من العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة واستخدام لعبة الالفاظ للتحايل علي هذه التغيرات كموقف الإخوان المسلمين مثلا.. في مصر أو حزب الحرية والعدالة من احترام الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل تماشيا مع موقف حماس والتي أكدت في السابق علي احترام الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل.. وليس الالتزام.. الذي جاء في ملحق ورقة التكليف للسيد اسماعيل هنية في الحكومة العاشرة ... هذا نموذج للتذكير فقط وستظهر في المستقبل نماذج جديدة علي النمط السابق طالما أن هناك اعترافا دوليا ومحليا بدور الإسلام السياسي المعتدل في الحياة السياسية في المنطقة والعالم اجمع والذي قد يرتقي إلي السماح لهم بالوصول إلي السلطة من خلال صناديق الاقتراع ضمن سياسة البحث عن القواسم المشتركة والمصالح المشتركة والتوافق علي النقاط الخلافية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل ونبذ الإرهاب وقبول الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل وهذا سيعيدنا إلي المبادرة العربية والتي شكلت تراجعا واضحا في المواقف التاريخية من الصراع العربي الصهيوني والتحايل علي حق العودة بحل يتفق عليه بدلا من تطبيق القرار 194 إلي جانب التطبيع علي كل المستويات حتي الوصول إلي مرحلة التعاون ووقف كل أشكال التحريض خاصة بعد القبول السابق بالعلمانية الأخلاقية التي تمنع التحريض ضد الأديان ليصبح الصراع من صراع وجود إلي صراع حدود يمكن حله والاتفاق عليه وحمايته من خلال تغير المناهج التعليمية والدساتير والمواثيق الوطنية وما إلي ذلك .وفي الختام ... هل سينجح الإسلام السياسي في كل ذلك أم انه سيعيد التجربة من جديد التي خاضها العلمانيون القدامي والقوميون وبعض اليساريين الذين حلموا بتلك الأهداف بغرض التحرر وانتهوا بأوسلو وتوابعه ومن ثم خرجوا بخفي حنين لان حركة التاريخ عادت لتؤكد علي طبيعة الصراع بأنه صراع وجود بين مشروعين مشروع الاحتلال والاستيطان المدعوم من القوي الامبريالية والمشروع الوطني الفلسطيني و القومي العربي الذي يتناقض مع ذلك المشروع الذي استهدف الأرض والثروات والإنسان .حتى وصل أصحاب مشروع أوسلو إلى هذه النتيجة والتي تعلن صراحة وفاة تلك الاتفاقيات سريريا على الأقل.وأخيرا من الجيد إن يتجه الإسلام السياسي نحو الإسلام الليبرالي ولكن حذار من الوقوع في شباك نظام العولمة الجديد والذي سيحول الجميع إلى عبيد في خدمة المصالح الامبريالية العليا وترك الفتات إلى الجماهير الفقيرة في كافة بقاع الأرض ونمو شرائح سلطوية مستفيدة تعيد إنتاج الأزمة.