خبر : كهنة يتقنون افساد قادتهم ..د. صائب عريقات

الجمعة 25 فبراير 2011 01:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كهنة يتقنون افساد قادتهم ..د. صائب عريقات



أنت استقلت وهذا دلالة على أنك مُتورط ومُدان، وإن ما قالتهُ قناة ’الجزيرة’ صحيح عن تنازلات في القدس واللاجئين وغيرها من قضايا الوضع النهائي.هكذا عقبت قناة ’الجزيرة’ على استقالتي ... إذا كُنت بريئاً فلماذا تصرخ، قالوا لي، ليصلوا إلى استنتاج أيضاً بأنني مُدان في كل ما قالته قناة ’الجزيرة’، وهذا دليل التوريط .تمت إقالة عريقات، ولم يُقدم استقالته، حتى الاستقالة كانت كثيرة بالتالي لا أستحقها، لذلك خرجت بعض التصريحات المنسوبة لاشخاص من دون إسماء ومن دون ضمير، وانطلقت لتقول: انه تمت إقالتي، وان الرئيس الفلسطيني يقوم بحل دائرة شؤون المفاوضات ووحدة دعم المفاوضات، قالوا التوقيت سيئ، فكان على عريقات انتظار ما بعد أحداث مصر ليوضح موقفه، إذاً أيضاً التوقيت كان ضدي.قِيل الكثير وسيُقال أكثر، ففي زمن القيل والقال، وفي زمن محاكم التفتيش الجديدة في عالمنا العربي، وفي زمن انحطاط غير مسبوق، أصبح فيه السباق يرتكز إلى إزهاق الحق وإرساء الباطل. ما هي الحقيقة لمن يُريدها؟ سُرقت 1200 وثيقة من دائرة شؤون المفاوضات، هذه حقيقة، وهناك أربعمئة وثيقة تتعلق بالأمن، لا علاقة لدائرة شؤون المفاوضات بها، ولا أعلم من أين حصلت عليها قناة ’الجزيرة’. فنحن لم نُشارك في يوم من الأيام في دائرة شؤون المفاوضات، ووحدة دعم المفاوضات في أي اجتماع لما اصطلح على تسميته باللقاءات الأمنية الثنائية أو الثلاثية التي شاركت فيها أمريكا مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.قُلتُ من البداية ان من حق أي صحافي السعي للحصول على سبق، وان حق قناة ’الجزيرة’ أن تنشر ما سرقه مُراسلها باللغة الانكليزية مسؤول الأمن والحماية السابق في وزارة الخارجية الأمريكية كلايتون سويشر، الذي لم يعمل في يوم من الأيام في دائرة المفاوضات، كما قال البعض. لو نشرت ’الجزيرة’ المحاضر كما هي، من دون انتقائية، وتحويل الكلام عن مواضعه، أو إضافة وتزوير بعض الأمور لما صرخنا في وجه الحملة الظالمة والظلامية التي قامت بها قناة ’الجزيرة’ بشكل غير مسبوق، فلم نعرف شعوراً أكبر من شعور أن يلحق بك الظلم زوراً وبهتاناً وافكاً.لم أكن في يوم من الأيام أكثر من جُندي فلسطيني، عمل بجهد وإخلاص مع كل أبناء الشعب الفلسطيني وفصائله ومكوناته، لإعادة فلسطين إلى خارطة الجغرافيا. فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً حاولت بكل ما أملك من إمكانات أن ادافع عن حقوقنا الثابتة غير القابلة للتصرف، منها اللاجئون والقدس والحدود وعدم شرعية المستوطنات، والإفراج عن الأسرى وإعادة رفات الشهداء والتعويضات.كُنتُ جُندياً على طاولة المفاوضات، وفي وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وفي كافة المنابر المحلية والإقليمية والدولية والسياسية والثقافية والاكاديمية والاقتصادية، التي أُتيحت لي فرصة التحدث أو الكتابة عن القضية الفلسطينية من خلالها.الحقيقة بالنسبة لقاموس ’الجزيرة’، هي كل ما يصدر عنها من إيحاءات وتحريفات وأكاذيب، فالدليل على صدق ما بثته هو أنني قدمتُ استقالتي، كيف ولماذا؟ وما هو المنطق؟ هذا غير مهم. فالمطلوب من الناس حسب قوانين ’الجزيرة’ ومن يقف وراءها هو أن على الناس أن تفكر باذانها وليس بعقولها. القاعدة عندهم اكذب، ثم اكذب ثم اكذب، وحرف واطرح ويلٌ للمُصلين وكررها فيصبح ذلك حقيقة. أما الحقيقة فلا حاجة لها في عصر الانحطاط. عندما قدمتُ استقالتي، اعتبرت ذلك عملاً أخلاقياً، وعملاً ترجم كل ما قلته خلال سنوات عملي بأن علينا أن نبني مؤسسات فلسطينية تقوم على المُساءلة والمُحاسبة والمُكاشفة، وأن يكون المسؤول قائماً على مظاهر المؤسسة التي يرأسها وليس صاحباً لها. لذلك أردتُ من خلال استقالتي أن أزرع بذور المُحاسبة والمُساءلة لكل مسؤول فلسطيني في المستقبل، وحتى لكل مسؤول عربي، وبأن سرقة المحاضر من مكتبي، جريمة كبيرة، أنا وحدي اتحمل مسؤوليتها، فكان علي أن استقيل، لأكرس أخلاقيات هذا العمل. ولكن وحسب صاحب ’الجزيرة’ وإرادته، فان هذه الاخلاقيات والشجاعة وان كرست ستعني أن تدمر قصور الأكاذيب والتحايل والشعارات التي ستبقى ما بقيت الأموال السخية تُنفق يميناً وشمالاً. وستبقى ما دام بإمكان القصور أن يكون لها كبير للكهنة، يقول ما يحب أصحاب الجزيرة سماعه، وأن يخفي أي حقائق، على اعتبار أن الحقيقة هي فقط ما يخدم ولي الأمر، وكل ما يوضح لولي الأمر إخفاقاته وأخطاءه فهذا يجب أن لا يكون. فنحنُ وعلى رأي كبير الكهنة في قصور السياسة العربية أمة يجب أن تُتقن إفساد قادتها، أمة يجب أن تسمع بإذن ولي الأمر وأن تتحدث بلسانه وأن ترى بعينيه.وإذا ما فشلت هذه السياسات، وانهارت حقائق أولياء الأمور، فإن كبار الكهنة يتحولون إلى جرذان، لأنها أول من يغادر السفينة قبل أن تغرق.قيل لي لا تُدافع عن نفسك، ولا تتحدث في الموضوع حتى ينتهي. الموضوع لن ينتهي فالسرقة حصلت وأنا المسؤول، ولذلك استقلت من دافع الاخلاق التي يتوجب على كل مسؤول فلسطيني التحلي بها.أما مضمون المحاضر، فانني أدعو الجميع إلى زيارة موقع Transparnacy.Aljazeera.net ، لقراءه المحاضر لمعرفة وإدراك حجم التحريف والانتقائية وأسلوب ’ويلٌ للمُصلين’ الذي استخدمته رئاسة تحرير ’الجزيرة’.ان الحقيقة لا تُخيفني، الذي يرعبني يتمثل بانصاف الحقائق التي تُعتبر في غالب الاحيان أخطر بكثير من غياب الحقيقة. ان ما يُقلقني هو ثقافة ’الجزيرة’ التي تُحاول إجبار الناس على التفكير بآذانها وليس بعقولها. ان ما يجعلني أبدو وكأنني أخوض معركة دفاع ليس عن نفسي، إنما دفاع عن آخر ذرة حقيقة بقيت لدينا، ألا وهي مُحاولة صد مُحاولات إزهاق الحق وإرساء الباطل.على صعيد مضمون المحاضر، فبالاضافة إلى زيارة موقع الجزيرة الذي تنشر عليه الوثائق، فانني أدعو الجامعة العربية، والأشقاء في الأردن ومصر وقطر، أن يقولوا للناس ان أوراق منظمة التحرير الفلسطينية الرسمية حول القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والمياه والأمن والإفـــراج عن الأسرى والتعويضات، وقبل أن يُقدمها الرئيس محمود عباس للأمريكيين والإسرائيليين، قد أودعت لديهم، وبامكانهم نشرها حتى يعرف الحقيقة كل من يريد الحقيقة، وكل من يُحارب الحقيقة، فعليه الاستمرار في تكريس قانون محاكم التفتيش. ولكن هؤلاء وان كانوا على دراية بسيطة بالفكر السياسي عبر التاريخ، أن أول من يدفع ثمن تغييب الحقيقة هم من يقومون بتغييبها، أولم يبدأ روبسبير بالمقصلة في ساحات باريس، أولم ينته هو رأساً مفصولاً عن جسده على ذات المقصلة.ويبقى الصدق أقرب إلى الأذن التي تسمع، ويبقى التضليل أقرب إلى الأذن التي تُفكر. فالأذن خلقها سبحانه وتعالى للسمع، وأما العقل فخلقه العلي القدير للتفكير.عرفت مُنذُ زمن بعيد لماذا بدأت رسالتنا الخالدة ’باقرأ’، فديننا الحنيف نبذ الثقافة السمعية وكرس الثقافة العلمية، لأنه جاء بالحق وازهق الباطل.أما من يحاولون تكريس الثقافة السمعية، أي أن يجعلوا الناس يفكرون بآذانهم، فانهم يعملون لإزهاق الحق وإرساء الباطل، وعبر التاريخ، كان هذا هو أساس عصور الانحطاط.