تصريحات كثيرة صدرت من جهة إخواننا في السلطة الفلسطينية باتجاه التعاطي مع الظروف التي حملتها رياح التغيير بالمنطقة، والكل في الشارع الفلسطيني – وخاصة الشباب - متأهب للتحرك من أجل الضغط على فتح وحماس لإنهاء الانقسام، وهذه حقيقة تأخذ طريقها للظهور على السطح شيئاً فشيئاً على شكل فعاليات في الضفة الغربية وقطاع غزة. لم يعد شعبنا يتقبل أعذار أحد في تأخير عملية المصالحة، فالوطن أضحى على شفير الهاوية، إذ لا تتوقف عمليات التهويد والاستيطان في كافة أرجاء الضفة الغربية، كما أن مسلسل الإهانات والتهميش لشعبنا هناك لا يتوقف، مع تضييق سبل العيش الكريم على أهلنا في قطاع غزة، فيما نحن – صُنّاع السياسة - غير قادرين على حشد العُصيِّ التي نرهب بها عدونا. إن طلب إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ليس طوق نجاة (Life Preserver) لطرف دون الآخر، فنخن جميعاً مأزومون، ومركبنا في عرض البحر تتلاعب به رياح عاتية، وإمكانية السلامة مهددة لأن طوق النجاة نطلبه جميعاً، فإما أن ندير عملية الإفلات من عاتية البحر بتفاهم وحنكة أو يخرج علينا هذا الجيل ليطالبنا بالرحيل، حتى لا يبتلعنا البحر جميعاً. إن علينا أن نفقه حقائق المتغيرات حولنا، قبل أن يفاجئنا الشارع برداته الموجعة، لنحفظ كرامة هذا الوطن ودماء شهدائه ومحنة أسراه وأوجاع جرحاه بسرعة نشر الأشرعة لنحمي مركبنا من الغرق، ونتمكن من الوصول جميعاً إلى شاطئ الأمان. إن ذهاب عافية إخواننا في فتح، لا يعني كسب جرعة قوة لحماس، نحن في حقيقة مواطنتنا "غطاءٌ وسترٌ" لبعضنا البعض، وعلى أصحاب الحكمة والرشاد في وطني أن يعملوا على تأثيث ذهنية أبناء هذا الوطن على ثقافة التعايش والتآخي والعمل المشترك.. فنحن يمكن أن نتفق على قيام شراكة سياسية يحترم كلٌّ منّا فيها رؤية الآخر، وأن نقضي أمرنا بالتوافق في كل شؤننا "إذ ليس من الضروري أن نتفق في كل شيء، ولكن بالإمكان التفاهم والتوافق على كلِّ شيء". هذا هو عالم السياسة، مليءٌ بالمطبات والخيارات، ويمكن لحماس أن تطرح وجهة نظرها في شكل العلاقة مع فتح في ضوء التحولات الجارية في المنطقة، ولفتح كذلك أن تقدم ما تراه شأناً جامعاً لوحدة الوطن وقيام الشراكة السياسية.. إن الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس تحدث عن مبادرات جديدة تنسجم وروح الوقائع القائمة في المنطقة، وستظهر معطياتها في الأيام القادمة، وكذلك تحدث القيادي في حركة فتح د. نبيل شعت عن رغبة لدى حركته في العمل مع حماس من خلال حكومة وحدة وطنية، وكذلك د. سلام فياض لم يغب عن مشهد طرح المبادرات من أجل الخروج من الورطة السياسية التي أشغلتنا جميعاً، وأخذت الكثير من عافيتنا. إن الأحداث تفرض علينا أن نتفهمها ونجاريها، وأن نتحدث لغة واعدة تحمل البشرى لشعبنا، وأن تكون طبيعتها إيجابية تبعث الأمل في النفوس، وتحملنا للعمل معاً داخل رؤية يتم التوافق عليها لتعزيز قدرات مشروعنا الوطني، ودفع الجميع باتجاه حماية المصالح العليا للشعب الفلسطيني.أتمنى أن تكون نسمات ما هو قادم من رياح التغيير حميدة علينا وقوة دافعة لقضيتنا، فنحن نستحق بعد كل هذا العناء الذي عشناه من المهد إلى عمرٍ يقترب بنا إلى اللحد أن نجد طلّةً ترتاح إليها عيوننا، وتمنحنا بسمةً نودع فيها عالمنا بأحاسيس مطمئنة على مستقبل جيل الأبناء، الجيل الذي سيأتي – إن شاء الله - بالنصر والتمكين لقضيتنا وشعبنا. لقد جمعتني خلال اليومين الماضيين عدة لقاءات بكوادر من كل فصائل العمل الوطني والإسلامي، والسؤال الذي يطرحه الجميع متى ينتهي الانقسام وتتحقق المصالحة؟ هذا هو السؤل المركزي الذي يبحث الجميع عن إجابة صادقة وصريحة له. لقد ملَّ الجميع اتهامات كل طرف للطرف الآخر بأنه هو الذي يعطل المصالحة، لأن المشاهدات الحاصلة على الأرض هي أن الكل يعمل على مأسسة الانقسام وإحكام قبضة رجاله على مقاليد الأمور ونواصيها. القضية اليوم ليس اقتناعك وحدك، بل أين هي - أيضاً - من اقتناع الناس.. إن علينا جميعاً أن نحترم رغبات المجتمع، ووقائع ما هو حاصل اليوم في ليبيا واليمن تشي بأن الشارع لا يمكن أن يؤخذ عنوة أو رهبة، فقد كسر الناس هناك حاجز الخوف، ولم يعد منطق "إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها" يخيف أحد. اليوم شارعنا الفلسطيني يقول: نعم للمصالحة.. لا للانقسام، فهل نُعجّل بتحقيق أمنياته؟! أم ننتظر خروجه للشارع لفرضها علينا بقوة حناجره الهادرة وقبضة شعاراته المجلجلة؟!!إن التصدي لمطالب إنهاء الانقسام هي إحراج كبير لأي جهة أمنية، وبالتالي علينا جميعاً أن نتعاطي مع هذه النداءات ذات المضامين الأخلاقية العالية، وأن نُثمن جهد كل من يتحرك في هذا الاتجاه لممارسة بعض الضغط على جهة اتخاذ القرار في الساحة الفلسطينية. طوق نجاة للجميع: لإخواني في حركة حماس أقول: لا تنظروا لمأزق فتح بمنطق الغريق الذي يتعلق بأي شيء طلباً للنجاة، إن علينا - إذا كان الحال كذلك فعلاً - أن نوفر لهم طوق النجاة، فهم قطعة غالية من جسد هذا الوطن؛ لهم تاريخهم ونضالاتهم وشهداؤهم وجرحاهم وأسراهم، وهذه صفحات يجب ألا تغيب عنّا، وتجليتها فيها جلاء لما في الصدور، حتى وإن اعتقد البعض أنهم قد بغوا علينا. إن قادم الأيام - إذا أحسنَّا تلقف عطاءاته - فإن فيه الكثير من الخير لشعبنا وقضيتنا، ولكن علينا أن نجمع شتات هذا الوطن وأشلائه أولاً، وأن نعيد لصورتنا التي أشرقت في العالمين وضاءتها ثانياً، ولتاريخنا قداسته وأمجاده ثالثاً. إنني أتوجه لأخي الحبيب إسماعيل هنية (أبو العبد) رئيس الوزراء بنداء ينسجم مع طبيعة المرحلة التي تمّر بها أمتنا، ويلتقي كذلك مع مناشدة الكثيرين من أبناء هذا الوطن، بمبادرة يتم فيها "إعلان العفو العام عن إخواننا في حركة فتح"، أولئك الذين غادروا أرض الوطن إلى مصر بعد الأحداث الدامية في يونيو 2007. كما أتوجه للرئيس محمود عباس (أبو مازن) وللدكتور سلام فياض (أبو خالد) بإطلاق سراح المعتقلين من قيادات حركة حماس وكوادرها من سجون السلطة في الضفة الغربية، أولئك الذين تمَّ احتجازهم على خلفيات سياسية وأمنية لا تغيب دوافعها عن شعبنا بشكل عام. أتمنى أن يتحرك كلُّ طرفٍ منّا خطوة أو خطوتين باتجاه الطرف الآخر كي تتشابك الأيدي وتتجاذب القلوب وتتحات الذنوب، فليس لنا ولقضيتنا إلا أن نكون على قلب رجل واحد، يحمل الراية ويطلق لسيفه وفرسه العنان. إن علينا أن نتذكر الحكمة القائلة: "إن السياسي الناجح يفكر دوماً كيف يُشكل حاجة للآخرين كي يتمكن من التأثير فيهم"، وهذا يعني النجاح في استمالتهم أو تحييدهم، أي إخراجهم من دائرة العداوة والمكر إلى رحابة فضاء الشراكة والعمل المشترك.نفقٌ في نهاية الضوء.!!يكثر في هذه الأيام الحديث عن الانتخابات سواء المحلية أو الرئاسية والتشريعية، وإذا كانت الأولى قابلة للنقاش ويمكن التفاهم حولها، فإن الثانية بالغة التعقيد ومن الصعوبة ضمان إجرائها، لأن ذلك سيشكل قفزاً فوق المطالب والإصلاحات المطلوبة في العديد من الملفات، مثل: إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة هيكلتها لتناسب الواقع الفلسطيني الجديد، وبناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ووطنية، وتعزيز الشراكة السياسية. إن الانتخابات قبل تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام هي حرثٌ في البحر أو خرط قتاد، ويجب أن تعطى الأولوية - الآن - لتركيز الجهود لخلق فضاءات لحرية التعبير والاجتماع، وتهيئة النفوس للتصافي حتى يعود الجميع للوطن صفاً واحداً. باختصار.. إن تغيير الحكومات - في ظل ما هو قائم من انشطار وتشظٍّ - ليست هي لحظة الفرج التي ننتظرها للخروج من نفق الأزمة، بل قد يبدو للبعض بأن هذا الأمر – مع افتراض حُسن النيّة لدى الجميع - هو تحرك استفزازي، حيث تظهر الخارطة السياسية لشعبنا أننا – في نهاية الأمر - أمام واقعٍ أليم وبصائر قاصرة. أَيُعقل بعد ثلاث سنوات من جلسات الحوار - لإنهاء الانقسام الفلسطيني - أن نصل إلى حائط مسدود..!! وتكون المفاجأة لشعبنا هي: أننا – وأسفاه - مازلنا نراوح في نفس المكان.