تختلف الأنظمة السياسية فيما بينها، على أسس تتعلق ببناء مؤسساتها وطريقة عملها ومدى الالتزام بدساتيرها وطبيعة هذه الدساتير، وتختلف من حيث درجة اعتمادها الديمقراطية كمكون أساسي لعلاقاتها الداخلية والخارجية، هناك العديد من النظم السياسية حتى في اطار الشكل الواحد، فهناك أشكال من النظام البرلماني وكذلك في النظام الرئاسي او نظام "الجمعية" كما هو بالنسبة لسويسرا، او حتى النظم المختلطة، في كل شكل من هذه الاشكال انواع وأصناف مختلفة، ولكن يجمع ما بين كل الأنظمة السياسية، على اختلافها ومدى ديمقراطيتها، عنصر واحد وحيد، وهو ان كل نظام، بحاجة في وقت من الاوقات الى "فزاعة" تهيئ له تسويق نفسه وحشد الجماهير من خلفه. بعد الحرب العالمية الاولى، كانت هناك فزاعة الشيوعية، واستخدمتها أميركا للبطش بالمعارضة الداخلية، على سبيل المثال، وبعد سقوط النظام الشيوعي الرسمي، كانت فزاعة الإرهاب الدولي، وهي فزاعة ما تزال ماثلة في العلاقات الدولية حتى الآن.النظام العربي، ليس استثناء، فقد اعتمد على "فزاعة" اسرائيل، لتبرير كل سياساته القمعية والاستبدادية ضد الشعوب العربية، وهنا تلعب "الفزاعة" دور المبرر الدائم لكل السلوكيات المعادية للشعوب، التي ما عادت هذه الفزاعة تقنعها كمبرر لما ترتكبه الطغم الحاكمة ضد المحكومين، ومع ذلك ما تزال هذه الفزاعة تستخدم لتبرير التخلف والقمع والفقر وكل أوبئة العصر.في مصر السادات، استخدمت فزاعة "الإخوان المسلمين" بشكل مزدوج، مرة في مواجهة التيارات اليسارية في الحكم وخارجه، ومرة اخرى لتخويف الغرب من وصول هذه الجماعة الى السلطة، خاصة بعد عقده اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل، واستخدم الرئيس المخلوع حسني مبارك، لجني المنح والقروض التسهيلية والدعم المالي والتسليحي والاقتصادي لمواجهة هذه الفزاعة التي اسمها جماعة الإخوان المسلمين.ثورة شباب مصر، 25 يناير 2011، سيكون لها تداعيات هائلة، وهي ثورة عابرة الى المحيط العربي، واذا كانت هذه الثورة هي قائمة الديمقراطية في منطقة عانت طويلاً من الاستبداد والقمع، فإنها وأيضاً، قضت على الاستخدام التبريري لهذه الفزاعات، خاصة فزاعة الإخوان المسلمين، التي انكشفت على حقيقتها من حيث أنها لا تشكل خطراً داهماً، بقدر ما هي، أقدم "الأحزاب" في المنطقة، وأكثرها تنظيماً، ولكن وأيضاً أحرصها على المرونة والتلون عندما يستلزم الأمر، وهي في النهاية، أقل شعبية مما كان يظن، وكما حاول نظام حسني مبارك تسويقها، لابتزاز مواقف غربية داعمة لنظامه، باعتبار انه الأقدر على الحد من قدرتها على الوصول للسلطة.وأول من أدرك "فزاعة هذه الفزاعة" الاميركان وليس غيرهم، فقد تذكروا، كنتيجة لتداعيات ثورة شباب مصر، ان انضواء هذه الجماعة في النظام السياسي، هو خدمة للمصالح الاميركية، وان هذه الجماعة، ومن خلال مشاركتها في النظام السياسي ستكون اكثر قدرة على التعاطي بمرونة مع استحقاقات هذه المصالح الاميركية، التزام هذه الجماعة علناً بما تم التوقيع عليه من معاهدات واتفاقات دولية واقليمية، والمقصود هنا بطبيعة الحال، اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، هو دليل على مرونة تطالب بها واشنطن، كما ان اعلان الجماعة عدم التقدم بمرشح رئاسي، او عدم الاستيلاء على مجلس الشعب – البرلمان في الانتخابات القادمة، هي مرونة اضافية واستجابة للمتطلبات الاميركية بالدرجة الاولى، علماً ان الإعلانين الأخيرين حول الرئاسة ومجلس الشعب، لهما علاقة ايضاً بإدراك الجماعة لتراجع شعبيتها او الوصول الى حقيقة انها لم تكن يوماً تشكل هذه الاغلبية التي تؤهلها للفوز الساحق في انتخاباتها تصل بها الى الرئاسة والبرلمان، واذا كان الامر كذلك، فإن الامر ليس مجرد استجابة للمتطلبات الاميركية بقدر ما هو – ايضاً – استجابة لما كشفته وقائع الثورة المصرية الجديدة.احتفالات الشعب المصري بانتصار الثورة، في الجمعة التي تلت سقوط مبارك، تشير الى ان هذه الثورة لم تقع ضحية انتصار والتوقف عند إنجازها الاول، بل انها تتابع وبدقة متطلبات النظام السياسي الجديد، استدعاء القرضاوي من قبل جماعة الإخوان المسلمين، مع ان الجماعة نفت ذلك، يشير الى انها تحاول الاستيلاء على هذا النصر، ومنع احد اهم زعماء الثورة، وائل غنيم من اعتلاء المنصة من قبل حراسات وأزلام القرضاوي والجماعة، هو التعبير المعلن عن صدام بين تيارين، احدهما ديمقراطي ليبرالي، وآخر ديني وإن كرر كلمات الديمقراطية وحرية الرأي بمناسبة وغير مناسبة، وانسحاب وائل غنيم من ميدان التحرير إثر هذا التصرف الارعن، ليس انسحاباً من الثورة بل اعلان ضمني ان الثورة لن تسمح لأحد بسرقة انتصارها. ومن الطبيعي ان تحاول الجماعة استثمار القرضاوي، من دون ان تعلن ارتباطه بها، لتسهيل مهمته ومهمتها في الاستيلاء على ما تم انجازه.وقد ادركت واشنطن كل ذلك، فقد تذكرت في غفلة من الزمن، ان جماعة الإخوان المسلمين، يشكلون درعاً في مواجهة "القاعدة" في اطار المنافسة على استرضاء سنة المسلمين، كما انها – الجماعة – تقف من حيث الايديولوجيا ضد تصدير الثورة الإيرانية، وربما بعد وقت، ضد نصر الله وحزب الله في لبنان على أسس ايديولوجية دينية، كما تذكرت ادارة اوباما، ان هناك جيلاً جديداً لدى الجماعة، اكثر اقتراباً من المفاهيم الديمقراطية، هو جيل شاب متدين، لكنه اكثر مرونة وتطلعاً نحو المستقبل وأكثر ابتعاداً عن الوصفات السلفية الجاهزة لكل زمان ومكان.احتواء هذه الجماعة، هو هدف اميركي بامتياز، ذلك ان هذا الاحتواء سيمكن واشنطن من أن تستثمر المرونة المرتقبة لصالح سياستها في الشرق الاوسط، وعلى مختلف الملفات، الصراع العربي – الاسرائيلي، وتأثيرات ايران في هذه المنطقة، وربما الحفاظ على مصالحها في منطقة الخليج، الذي يصفه العرب بالعربي، بينما تصفه ايران بالفارسي، مع انه ليس هذا ولا ذاك من حيث الواقع، بل هو خليج أميركي بامتياز!!.www.hanihabib.net – hanihabib272@hotmail.com هاني حبيب