ثورة اللوتس وثورة الجمال ، وثورة شباب مصر العظيم وثورة ام الدنيا مصر ، وثورة ألأهرامات كل هذه تسميات أطلقت على ثورة مصر التي أرى انها تستحق إن تكون ثورة كل الثورات في العالم . فقد فاقت هذه الثورة كل ثورات العالم بما فيها الثورة الفرنسية التي كانت ثورة طبقية ، وثورة جياع ومحرومين من الشعب الفرنسى ، واتسمت بالدموية وكانت بداية لثورات أخرى ، ودساتير متعدده وتنوعه ، وتحولت في بعض مراحلها إلى أنقلاب ، والثورة الروسية والصينية وغيرها من ثورات العالم الكبيرة. أما ثورة مصر هذه المرة ثورة كل الشعب المصرى ، وصحيح إن قوة الدفع فيها هي شباب مصر ، ولكنها سرعان ما أحتضنت كل قوى الشعب المصرى بما فيه اطفاله. ولم تكن ثورة دموية على ألأطلاق ، بل إن أعمال العنف والتخريب لم يكن سببها الشباب ، وليسوا هم من قاموا بها ، وهى ثورة سلمية قامت من أجل أهداف سلمية وديموقراطية في التغيير. فهي ليست أنقلابا عسكريا ، لأن الشباب لا يملكون أدوات ألأنقلاب.وبمقاييس الثورات هي ثورة غير مسبوقة في كل ثورات العالم من حيث عددها الذي لا يحصى بالملايين ، فعادة الثورات التي عرفها التاريخ البشرى قد تكون ثورات محدوده ، وقد تكون نخبوية ، ام الثورة المصرية هي ثورة كل الشعب المصرى ، ولعل العلامة البارزة في هذه الثورة أنها جاءت عفوية تلقائية تراكمية ، وحركة واعية وناضجة من قبل شباب يعرفون ماذا يريدون ، وما هي أهدافهم ، وصحيح إن هذه الثورة لم تكن لها قيادة واضحة ، لكن القائد الرئيس لها هو مصر ، وهذا هو الدرس العميق لهذه الثورة ، هي ثورة من اجل مصر ولمصر . ولذلك شكلت مصر صمام الأمان والضامن الرئيس لنجاحها وأستمرارها . لقد أظهرت هذه الثورة كم هي مصر عظيمة في قلوب أبنائها ، واظهرت حبا وأنتماءا وولاءا لمصر لم يظهر من قبل ، ولذلك شاركت فيها كل مكونات الشعب المصرى ، ولا تمييز بين مسلم ومسيحى ، ويسارى وليبرالى ، وألى آخر هذه التوصيفات ، الكل في هذه الثورة هو مصرى . ولذلك لم ينجح أي تنظيم سياسي أن يسلب هؤلاء الشباب ثورتهم ، كل القوى السياسية صارت خلف هؤلاء الشباب ، وأعظم ما فيها أن الشعب المصرى بكل شرائحه فنانيه ، واساتذة جامعات ، ومحامين ، وعسكر ورجال شرطة ، وعمال ونساء ورجال كبار وصغار الكل يسارع لأن يأخذ دوره في ميدان التحرير ، وكأن بميدان التحرير قد تحول ألي سجل وطنى يحاول كل مواطن مصرى إن يسجل أسمه فيه ، ولذلك تحول ميدان التحرير إلى ميدان سياسي وطنى وقد يحمل أسم هذه الثورة . وهذه الثورة لم تأتى من فراغ ، ومن يعتقد ذلك لم يقرأ تاريخ مصر بكل مراحله ، قد يكون عنصر المفاجأة وحجم التغيير وسرعته هو الذي يقف وراء هذا التفكير ، بل العكس تماما الشباب المصرى هم جزء ومكون أساس من تاريخ هذا الشعب ،وشعب قارئ وناضج ومنفتح على تاريخه ، ولذلك في هذه الثورة نجد روح ثورة 1919 التي قادها سعد زغلول ، وفيها أيضا روح ثورة اكتوبر ، وفيها كذلك روح الشباب في القدرة على التغيير والتاثير . ومن العلامات البارزة في هذه الثورة والتي تجعل منها ثورة الثورات هذا الدور الذي لعبه الجيش المصرى . فلقد كان بمقدور هذا الجيش أن يقوم بأنقلابه العسكري منذ اليوم ألأول ويحسم ألأمور ، ولكنه أتخذ موقفا تاريخيا وطنيا أمتدادا للسجل الوطنى لهذا الجيش ، وانه جيش الأنجازات الوطنية ، وقد آثر الجيش أن ينحاز إلى موقف الشعب المصرى الذي يستمد منه شرعيته وقبوله ن وبدا هذا واضحا في بيان الجيش الذي أكد على أحترام الشرعية التي يريدها الشعب . وهذا ما يؤكد منذ البداية إن ليس للجيش تطلعا مباشرا في الحكم ، وعلى العكس سيقدم الجيش نموذجا لدور الجيش الداعم والحامى للديموقراطية في مصر . ولعل ما يجعل من هذه الثورة ثورة كل الثورات والتي لم نرى لها أي وجود في أى ثورة في العالم ، هو هذا التلاحم الكبير بين كل مؤسسات الشعب المصرى ، الكل قد أنحاز إلى هذه الثورة ، الأزهر الشريف والكنيسة ، إلى جانب ما ذكرناه من قوى ومؤسسات اخرى . وهنا تكمن قوة هذه الثورة وسر نجاحها ، وهذه هي الرسالة التي أدركها الرئيس مبارك متأخرا أن الشعب كله مع المطالب المشروعة لهذه الثورة . وعلى الرغم من اهمية كل هذه المعطيات في قوتها ، لكن المهم ألأن هو كيفية أستمرارية روح هذه الثورة في كل مناحى الحياة السياسية وألأقتصادية وألأجتماعية المصرية ، فكما يقال دائما العبرة بالنتائج ،وهذه الروح تحتاج إلى أستمرارية في العمل ، وتحتاج إلى آلية تضمن لها ألأستمرارية ، وتحتاج إلى تبنى روح مصر الواحده ، وليس المصالح التنظيمية وألأئتلافية والحركية الضيقة . مصر ليست كأى نموذج ، ليست تونس ، وليست و فرنسا أي دولة أخرى ، مصر لها خصوصيتها ، ولها تاريخها ، ودورها الحضارى ، ودورها ألأقليمى والمركزى ، وهذا ما أكده هذا ألأهتمام ألأقليمى والدولي من تطورات هذه الثورة ، وقد تكون للأخرين حساباتهم الأقليمية والدولية ، لكن ينبغي إن تبقى للثورة حساباتها المصرية ، وأولوياتها في هذه المرحلة المصرية والفارقة في تاريخ مصر . يراد من هذه الثورة أن تطوى صفحة الماضى بكل سلبياته ومآسيه ، صفحة تعيد التسامح والمحبة وقانون المحبة المصرية الذي يجمع كل المصريين حول مصر. ولا شك إن هذه الثورة هي بمثابة قوة الدفع التى تدفع بالطائرة إلى التحليق في السماء في مسارها الطبيعى ، لكن قوة الدفع تحتاج إلى أمرين أساسيين ألأول هو ضمان استمرارية مسار الطائرة في طريقها الصحيح، والثانى هو ضمان وصول الطائرة وهبوطها بسلامة وآمان . هذا ما تحتاجه الثورة في مصر ألأن ، أولا تكاتف كل القوى في مصر حتى توفر لهذه الثورة ألأستمرارية ، وهذا لا يتم ألا من خلال تفجير طاقات الأبداع والقوة وألأنتاج لدى هذا الشعب المصرى الذي يوجد فيه ما لايقل عن مائة ألف عالم ، وتحتاج ثانية إلى تلاحم بين القوى الشعبية والعسكرية للوصول إلى الهدف الرئيس بقيام نظام حكم ديموقراطى يعبر عن أرادة الشعب المصرى ، وعندها سنقول أن الثورة قد نجحت ، فالنجاح ليس بتغيير الحاكم ، ولكن بالوصول إلى مصر الدولة القوية في الداخل ، والدولة المركزية والمحورية في نظامها العربى ، والدولة ألأكثر فاعليةفي نظامها الدولي . استاذ العلوم السياسية /غزةDrnagish@gmail.com