خبر : هل حقاً هي إرادة الشعوب؟ .. وائل المبحوح

الأربعاء 16 فبراير 2011 02:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل حقاً هي إرادة الشعوب؟ .. وائل المبحوح



  منذ انطلقت انتفاضة الشعب التونسي في السابع عشر من ديسمبر 2010م إلى أن توجت بعد أقل من شهر بخروج الرئيس التونسي زين العابدين بن علي مطروداً من البلاد بعد 23 عاماً من سيطرته المطلقة على السلطة في تونس، مروراً بثورة الشباب في جمهورية مصر العربية التي آلت بعد ثمانية عشر يوماً إلى تنحي الرئيس مبارك وتخليه عن منصبه لصالح الجيش بعد ثلاثين عاماً من توليه زمام الأمور في مصر، وحتى هذه اللحظات بتنا نشاهد في بلادنا العربية ما لم نكن نشاهده من قبل إلا قليلاً، فخناك حراك شعبي جماهيري ثوري في العديد من البلدان العربية، وكلها تطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية وأيضاً دستورية، وعلى رأس هذه الإصلاحات والمطالب بالطبع إسقاط الأنظمة، ومدينة الدولة، وإتاحة كافة الحريات وإجراء الانتخابات النزيهة والحرة، وتعزيز دور السلطة القضائية والصحافة والإعلام، وغيرها من المطالب التي تعد بالأساس مشروعة وحيوية وضرورية أيضاً. هي حمى التغيير إذن تجتاح المنطقة وتحديداً المنطقة العربية، وبغض النظر عن النتائج التي آلت إليها أحداث تونس وأحداث مصر، وما ستؤول إليه أحداث الحراك الجماهيري الشعبي في بعض الدول الأخرى، وبعيداً عن مشاعر التفاؤل والتشاؤم التي لا تعترف بها السياسة، فإن من حقنا أن نتساءل هنا، لماذا منطقتنا العربية بالتحديد ولماذا الآن بالذات؟؟!!! إن الذي يدعو إلى هذا التساؤل هو أولاً سرعة رد فعل الجماهير العربية على الأحداث دون سابق إنذار، فهل حقاً تحولت الجماهير العربية من ثقافة الاستحمار التي عبر عنها الدكتور أحمد عكاشة إلى ثقافة الثوار فجأة وبدون مقدمات، وثانياً حالة الارتباك والتوتر التي انتابت الحكومات والأنظمة العربية التي كانت وعلى مدار عشرات السنين تحكم قبضتها جيداً على شعوبها في جميع الاتجاهات، بل إنها كانت تحصي على أفرادها أنفاسهم، وتراقب جميع تحركاتهم وتعبث بحياتهم، فلماذا الآن؟؟!! هل آن أوان التغيير؟ تغيير الأنظمة تحديداً بعد أن هرم رؤسائها وشاخوا ولم يعودوا قادرين على الضلوع بالمهام التي أوكلت إليهم على مدار العقود السابقة، وتغيير ثقافات المجتمعات العربية ثانياً عبر الثورة على الأنظمة والتحدث بصوت مسموع في مدى الحاجة إلى تغيير الأنظمة دون اللجوء إلى صناديق الاقتراع التي بات الشك يدور حولها دائماً، والتي ستأتي إذا ما أتيح المجال للنزاهة والحرية والشفافية بما لا ترغب به الحكام ولا من خلفهم من دعاة الدمقرطة. هل آن أوان التغيير لا على أساس محاولات التحول الديمقراطي التي بدأت منذ عقدين من الزمان بما فيها من شوائب وأخطاء وخطايا؟ وهل هو زمن الفوضى الخلاقة التي ستنتج أنظمة لها نفس الولاء الخارجي وتحمل نفس أفكار وقيم ومبادئ الأنظمة المخلوعة ولكنها هذه المرة ترتدي رداء الشرعية وتتحصن بلباس المطالب الجماهيرية وإرادات الشعوب، أم هي حقاً إرادة الشعوب التي انتفضت على الظلم والاستحمار والعبث بمقدراتها. هل ما يجري هو تغيير للأنظمة برمتها أم هو فقط إطاحة بالرؤساء والزعماء مع المحافظة على أسس وأركان وقيم النظم السائدة، مع إجراء بعض التعديلات التجميلية هنا وهناك. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا يتعلق بالجيوش العربية التي وجدت أصلاً لحماية الأنظمة وتعزيز مكانتها، وعادة ما كانت العصا أو الفزاعة التي تلوح بها الأنظمة في وجوه شعوبها بأن الجيش سينزل إلى الشوارع لضبط الأمن وتفريق المظاهرات أو الهبات الشعبية القليلة والصغيرة التي كانت تطالب في الأغلب الأعم عن إصلاحات في الأمور الحياتية كثورة الخبز أو الطحين والأرز وغلاء المعيشة وزيادة الأجور، السؤال، ما الذي منع هذه الجيوش من القيام بواجبها تجاه أنظمتها، لماذا لم تحم الجيوش تلك الأنظمة وهي التي أوجدتها وكبرتها وسمنتها لمثل هذا اليوم؟؟!!! إن أعظم ما أفرزته تلك الهبات أو الثورات في مصر وتونس وما قد يحدث في بلدان أخرى إضافة إلى كسر الحاجز النفسي لدى أولئك المظلومين المقهورين هو كشف وفضح ما تسمى بأحزاب المعارضة في بلادنا العربية وعدم جاهزيتها للقيام بدورها في مثل هذه الظروف، وعدم مقدرتها على تسلم مقادير الأمور في بلادها، فهي لا تمتلك من الرؤى والخطط والمناهج والاستعدادات ما يصلح أن تكون بديلاً جاهزاً عن تلك النظم المستبدة الطاغية في بلادنا والواضح أنها كانت في ظل الأنظمة تعارض كلاماً فقط و الآن بعد انهيار تلك الزعامات واهتزاز تلك الأنظمة لا نسمع إلا كلاماً أيضاً، وأخشى ما أخشاه أن تتداعى تلك الأحزاب إلى تلك القصعة لتأخذ منها حصتها، وتنال نصيبها، ولا عزاء للشهداء ولا عزاء للثوار ولا للثورة ولا للشعوب.   باحث في دراسات الشرق الأوسط