كان ينظر ومن بعيد إلى ذلك المشهد الجميل شكلاً .. نساء شقراوات وبشرة بيضاء ناعمة ورجال يرتدون ملابس جميلة ونظارات لم يحلم يوما أن يشتريها وكاميرات فاخرة وأصوات ناعمة ولغة غريبة .. كل شيء جميل من جاء بهؤلاء إلى بلادي وأين الوجوه السمراء ولماذا يغيب حرف الضاد ... آه إنهم جاؤوا من هناك .. من المكان الذي أحببت أهله يوماً .. ولكنهم رحلوا بل قتلوا نعم إنهم الغرباء الذين قتلوا أخي الصغير في بحر البقر .. نعم أنا أذكر أبي حين استشهد في معركة السويس وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قال لي إياك أن تنسى يا سلمان .. خاطري عندك ودم أخوك عبد الودود في رقبتك .. ادعس على الزناد ولا تتردد وأمك في البلد ناطرة وايدها على فومهاه وجاهزة تزغرد اضغط ولا يهمك أنت ابن مصر وصلاح الدين و قطز وعبد الناصر ما هم أحسن منك ايوة يا سلمان ... وفعلها سلمان خاطر وارتفعت الزغاريد في كل حواري مصر .... ومن حولها وتراقص صداها حتى وصل إلى آذان احمد ... نعم أحمد .. كان يسكن بعيدا عن تلك الحدود وعرف بأن إخوة كانوا لنا قد قتلوا سلمان وقالوا انتحر ولكن لماذا .. أحمد ؟ لقد عاد المشهد من جديد بيضاوات وشقراوات وعيون زرقاوات وملابس أشبه بالعراة وغاب أيضا حرف الضاد ... فانتفض الدقامسة وتذكر سلمان وعبد الودود وبحر البقر والكرامة والحرم الإبراهيمي ودير ياسين وحتى قانا التي لم يعرفها من قبل ولم تكن بعد دخلت صفحات الذاكرة ولا التاريخ ولكن هدى غالية جاءت له من المستقبل وصرخت في أذنيه اضغط على الزناد يا احمد ولا تتردد ومن خلفك امة سوف تنتفض وتصفق لك حتى يسمعك كل من على هذه الأرض ... اضغط واهتف لسلمان خاطر وكل الشهداء الذين سقطوا .. اهتف لهدى وأهلها وتذكر لميس والدرة وجنيين وغزة والأسرى المصريين الذين ذبحوا .. اضغط واهتف .. حتى لا ننسى ... عاشت فلسطين وعاشت الأمة ويسقط كل الخونة ... نعم إني أسمعك .. لقد وصل الصوت ووصل الرصاص وها أنا اشعر بعروشهم تهتز وتترنح ... سلمت يداك يا سلمان ويا أحمد .. إنهم يسقطون .. إنهم يسقطون .. بل سقطوا .. وأنت على ميعاد مع الحرية و قريباً سيسقط جدران سجنك مثلما سقطوا ..