خبر : ثورة يناير‏..‏ وأغاني الوطن والحرية .. بقلم: د. وحيد عبدالمجيد

الثلاثاء 15 فبراير 2011 12:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
ثورة يناير‏..‏ وأغاني الوطن والحرية .. بقلم: د. وحيد عبدالمجيد



لم يمهل القدر د‏.‏ احمد عبدالله رزة ليري ثورة الشباب التي حلم بها طويلا الي أن أصابه اليأس‏.‏ فقد رحل عن عالمنا معتقدا ان شباب مصر سلبي خانع‏,‏ وان شعبها بات كما مهملا‏.‏ كانت تجربته في انتخابات مجلس الشعب عام2005‏ محبطة ومؤلمة‏. .‏ خاض هذه الانتخابات في دائرة كان قد ملأها نشاط مع الشباب ومن أجلهم لسنوات طويلة‏.‏ ولكن سطوة المال الانتخابي وقوة التزوير هزمتاه‏.‏ فكانت صدمته هائلة بحجم النتائج التي افصحت عنها صناديق اقتراع لايمكن أن تنطق لغة الحق في ظل التسلط والظلم والفساد‏.‏لم يستوعب رزة ان يخذله الشباب مهما كانت الظروف‏,‏ وهو الذي قاد ثورة طلابهم عامي‏2791‏ و‏3791‏ من أجل تحرير الوطن والمواطن‏,‏ وآمن بقدرتهم علي ان يحققوا مثل ما أنجزه جيل أواخر الستينات وبداية السبعينات في الجامعات المصرية‏.‏وبالرغم من أنه رحل متشائما ومستبعدا إمكان نشوب ثورة‏52‏ يناير ناهيك عن انتصارها‏,‏ فقد كان هو احد صانعي التراكم الثوري الذي سبقها‏.‏لم يكن د‏.‏ احمد رزة وحده الذي ساهم في صنع هذا التراكم ولم يقدر له أن يشهد ثورة‏52‏ يناير التي ساهم في صنع تراكم ادي اليها‏.‏ آخرون في جيله واجيال اسبق رحلوا ايضا قبل نشوبها‏,‏ بينما اسعد الحظ بعضهم مثل الشاعر المناضل احمد فؤاد نجم الذي ملأت اغانيه التي انشدها رفيق دربه الشيخ إمام عيسي ليالي الثورة في ميادين التحرير والاربعين والمنشية وغيرها نورا وحماسا‏.‏حلم الشاعر والشيخ كثيرا بهذا اليوم الذي اشرقت شمسه في‏52‏ ينايرغني الشيخ لاحمد رزة ورفاقه امام أبواب سجن القلعة‏.‏أنا شفت شباب الجامعة الزينأحمـــد وبهــــاء ولطفــــــي وزيـــــن‏.‏وظل الشباب محورا رئيسيا في اعمال هذا الثنائي الثوري‏(‏ نجم وإمام‏)‏ إلي أن افترقا في مرحلة كان اليأس قد غلبهما وغيرهما فيها‏.‏كان الفاجومي يبحث عن الولد الذي كشفت ثورة‏52‏ يناير ان مصر مليئة بمثله‏.‏ ولكنهم لايظهرون إلا في اللحظة التي تكتمل فيها مقومات التغيير‏.‏ فقد كتب‏:‏مصر الحبيبة الطيبة أم البنية والبنينإيش حالها في عز الصبا إيش حال ولادها المخلصينالبلد عاوزة ولد ياخد بتار المظلومينولد يعوض اللي راح ويعلا فوق كل الجراحوربما يكون معني الارتفاع فوق الجراح اختلف الآن‏,‏ في لحظة تشهد روحا جديدة يمكن ان تنتشر في ظلها ثقافة قبول الآخر بغض النظر عن الخلاف معه‏,‏ والحوار الحر والتسامح‏,‏ وان تفرز تقاليد المساءلة والمحاسبة وتغيير الحكام وتداول السلطة‏.‏كان الفاجومي ينادي الولد الذي ملأ ملايين منه أرجاء مصر في الأيام الماضية ويقول‏:‏فيكم ولد ياسامعينطيب هو فين وهو مينياابن البلد‏..‏ ياابن البلدأجدع ولدابن البلدالوقت وقتك ياولدولعله فوجئ بأن هذا الولد ينتمي الآن إلي مختلف فئات المجتمع وشرائحه‏,‏ وليس فقط تلميذا من التلامذة الذين كانوا هم الاولاد الجدعان في بداية سبعينات القرن الماضي عندما كتب اغنية رجعوا التلامذة عام‏2791:‏رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تأنييامصر انتي اللي باقية وانتي قطف الأمانيوقد وصف التلامذة بانهم ورد الجناين الذي ألقي عليه السلام قائلا‏:‏صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصرصباح الخير علي ولادك صباح الياسمين والفلتعيشي ويفنوا حسادك ويسقوهم كاسات الذلوهكذا كان الشباب هم رهان الفاجومي في قصائده التي دبت فيها الحياة من خلال الحان واداء الشيخ إمام وحماس الطلاب وغيرهم ممن تفاعلوا معها‏,‏ وكان الشباب هم الذين غني لهم‏:‏قال الشباب المداوي شقشق يانور الصباحتظهر اصول البلاوي تظهر عيون الجراحيخضر عود الاغاني يسري العبير في الجراحوفي هذه الاغنية‏(‏ غنوة للشباب‏)‏ يقول ايضا ما ينطبق علي اللحظة الراهنة‏,‏ وكأنه كتب من قلب ثورة يناير وتعبيرا عنها‏:‏هلي ياشمس البشاير طابت وآن الأوانطلي وحلي الستايرمصر الشباب العزيزة قامت وكان اللي كانوفي الاتجاه نفسه‏,‏ كان الشاعر الكبير سمير عبدالباقي يكتب والفنان الراحل عدلي فخري ينشد كلماته سعيا الي مصر الفتية أو الشابة التي تولد الآن‏:‏إملي قلبك بالشجاعةوارجعي مصر الفتيةواصرخي بصوت الجواعيلا مصـــر بـــدون الحــــــريةيامصـــــــــــــر الحـــــــــــــــــــريـــــــــةيـــــا مصــــــــــر الحــــــــريــــــــــــــــةكان حلم عبدالباقي وفخري مرتبطين بالشباب فتيانا وصبايا‏,‏ وإن بدرجة اقل من حلم الفاجومي والشيخ امام الذي راهن علي الاجيال الجديدة‏.‏ولذلك كتب عبدالباقي في قصيدة‏(‏ باحلم بك يابكرة‏):‏باحلــــــم بك يابكــــــرة في عــيـــــــــون الصـــــــباياتمســـــح دمع عينـــــــي وتغســـــــــــــل آســـــــــــــــــــايافالشباب في شعر عبدالباقي وفن فـخري يتقدمون الصفوف دائما وفق ما يشي به نبض السنين‏:‏أنا الـــولاد أنا البنــــات أنا التلامذة‏..‏ التلميداتأنا الرجال السـهرانين عـــالمكــــن والمـــــوتـــــــوراتأنا تاريخ نبض السنين عمري ما يغلبني اـلوتوهكذا كان للاغنية الوطنية الديمقراطية الاجتماعية التي نشرت الحلم بمصر جديدة يصنعها شباب حر مقدام أثر مهم في التراكم الثوري الذي تتوجه الآن ثورة‏52‏ يناير‏.‏ تبدو هذه الثورة كما لو انها اخر الصبر الطويل الذي تساءل الفاجومي عنه قائلا‏:‏إيه اخر الصــبر ياشــــــيخ ايــوبلامـتـــــــــي الحـــر يبات مغلــــــوبكانت هذه الاغاني هي عيون الكلام التي تضرب جذورها في اعماق تاريخ المصريين عبر الفيات عدة تعيدنا إلي مواقف الفلاح الفصيح في الالف الثالثة قبل الميلاد‏.‏ لم تكن عيون كلام الفلاح الفصيح مجرد شكاوي‏,‏ بل كان فيها تعبير حر باللغة الهيراطيقية عن مغبة الظلم وغياب العدل واحتكار الثروة وشيوع القهر‏.‏وقد يستهين كثير منا بعيون الكلام التي لايبقي غيرها حين ينتشر الظلام‏.‏ولكن الفاجومي لم يستهن بها حين كتب‏:‏إذا الشمس غرقت في بحر الغمامومدت علي الدنيا نور الظلامومات البصر في العيون والبصايرمافيش لك دليل غير عيون الكلاموقد ساهمت عيون الكلام فعلا في التراكم الذي انتج في النهاية ثورة‏52‏ يناير التي أثبتت مرة أخري ان مصر تظل شابة مهما شاب الزمن‏:‏مصـــــــر يامـــــة يابهـيـــــــــــة ياأم طرحـة وجــلابيـــةالزمن شــاب وانتي شـابة هو رايح وانتي جايةجاية فوق الصعب ماشية فات عليكي ليل وميةيابهية