أحد الدروس التي شاهدناها خلال ثورة شباب 25 يناير ،أن الثورة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك فشل الأحزاب السياسية عن التأثير على مدار سنوات طويلة ،واكتفت أن تكون ديكورا لاستكمال النظام السياسي حتى تماهت مع الحكومات والسلطات والأنظمة فلم تعد تعبر عن ما تسجله من برامج وتتغنى به من شعارات ، وارتضت العيش في حالة من الحنين للماضي فيما قدمته في سنوات اثبات الذات ، بداية التأسيس والتكوين ، وقبلت أن تصنع أفرادا بل وأزلاما لعبادتها وتمجيدها ، ولا أقصد هنا الشهداء منهم ، بل الأحياء الذين أوصلوا مفهوما الى قواعدهم أنهم طابو مقدس ،وأن المساس بهم عبر الانتقاد او حديث يصل في الجرم الى المساس بالوطن والدين، ناهيك عن دورهم في محاولة اجهاض الثورة من خلال فتح قنوات حوارية مع رجالات النظام السابق مقابل حفنة من المكاسب الشخصية والتنظيمية. لقد أثبت شباب 25 يناير المصريين أن الأحزاب السياسية في العالم العربي ما هي الا مجرد كلاشيهات تدار من قبل قادة يمارسون الدجل على جماهير شعوبهم ، وكشفوا عورتهم حينما رأينا أن من خطط وتداعى وشعر بهموم الناس من الفقراء والغلابا ،ومن نزل للشارع يقود ثورة بشعار بسيط بعيد عن أي شعار سياسي ، وسقطوا شهداء وأضاءوا مصر بدمائهم ، كانوا من الشباب المنتمي وغير المنتمي بقيود التنظيمات والأحزاب ، شباب يعرف لغة العصر ويواكب ن حراك الشارع والجماهير ، ويتلمس هموم المواطن، تجاوزوا قيادات الأحزاب وصمموا على تحديد ساعة الصفر بينما كان موقف الأحزاب "أن اللحظة غير مناسبة وأن الظروف غير مهيئة ،في قراءة تقليدية غير واعية لزخم الرغبة في التغيير". مصر تثبت مرة أخرى فشلا ذريعا للأحزاب ، حيث أن ثورة 25 يوليو 1952 قادها مجموعة من الضباط الأحرار الذين لم يكونوا جزءا من الأحزاب السياسية ،في وقت كانت الأحزاب السياسية تتعايش مع نظام الملك ولم تستطع أن تقود الجماهير للتخلص من الظلم والاستعباد ،وللمرة الثانية تؤكد هذه الثورة أن لا فضل لأي حزب مهما بلغ عدد أعضاءه ومهما بلغت موزاناته ،ومهما قيل عن حجم تنظيمه وقوة نفوذه ، بل على العكس تماما ،كل الأحزاب المصرية مورس بحق أعضائها الظلم والملاحقة حتى أنهم تعايشوا مع الظلم والسجون وبعضهم انتبه للمحافظة على استمارات تنظيمه من خلال صمته وتفضيل كتم الصوت والمهادنة . كيف لنا أن نفهم قيمة حزب سياسي لا يعرف من لغة العصر أي جملة ، ويحكم أعضائه بنظام صاغه مجموعة من المؤسسين قبل عشرات السنين ليكون صالحا لكل زمان ومكان ، في وقت تدعي كل الأحزاب رفضها للتخلف والرجعية ؟كيف يمكن أن ينجح حزب لا يعرف قادته استخدام جهاز الكمبيوتر ؟ ولا يعرف كثير من قيادته الأولى أي لغة ثانية بجانب لغته الأم؟ كيف يمكن أن يؤثر حزب في جماهير وأجيال، في وقت لا يعيش حراك الجيل الجديد من خلال الفيس بوك والتويتر وبرامج التواصل الاجتماعي " ويعتبرها كثير من القادة أنها ألعاب أطفال ووسيلة للتدهور الأخلاقي ، وهي في حقيقة الأمر تشكل تيرمومتر لحراك حقيقي وحالة التطور الأجتماعي والسياسي والاقتصادي على مستوى العالم؟ كيف يمكن لحزب يرفع شعار التحرر والانعتاق من الظلم والديكتاتورية ويمارسها على أعضاءه ،أن يحرر شعبا وجماهيرا ؟ . ان عصر الأحزاب بكل ألون قزح "بهيكليتها القديمة وانظمتها الداخلية التي أخذت طابع النصوص المقدسة والتي لا تقبل النقد والتغيير" ، قد شارف على الانتهاء ، وان التعايش والتماهي مع الماضي والتاريخ القديم لا ينجح مع حركة التاريخ الحديث ، وان القادم هو عصر الثورة التكنولوجية التي لا تؤمن بتجربة القديم ، حيث أن تكنولوجيا العصر قد حرقت ودمرت مقولة "الاستفادة من التجارب السابقة" . اليوم ..هو لمن يدرك حقيقة الفترة التي يعيشها ، لمن تخلص من عبودية الفرد والجماعة والفئوية وترك عقله يفكر ليصل الى الحقيقة بتعبه وجهده ،وليس بما يقدمه له مجموعة من قيادات أحزاب فارغة المضامين عاجزة عن التأثير ، لا تسعى الا لمصالح مجموعة من قيادتها ،وتنظر لأعضائها على أنهم خدم لأنظمة صيغت للمحافظة على بقائهم أسياد حتى أخر رمق دون أن يحققوا انجازا لشعوبهم.تصبحون على خير أيها ألاحزاب ، وأنتم على موعد مع الاندثار ما لم تصحوا من سباتكم العميق لتعرفوا أننا نعيش في العام 2011 .