لنفترض أن الرئيس السابق حسني مبارك، رحل، وتنحى من دون أن يكلف الجيش تولي السلطة، فماذا كان سيحدث؟! الإجابة سهلة على ما أعتقد، سيتولى الجيش السلطة من دون تكليف من الرئيس المتخلي عن سلطته، فكما هذا الأخير اضطر إلى الرحيل، فإن الجيش، وليس غيره، في مثل هذه الظروف، سيكون مضطراً إلى تحمل مسؤولية البلاد وتولي السلطة فيها. الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، الذي اضطر إلى التخلي عن السلطة و"التنحي" في ٩ حزيران 1967، اضطر للعودة عن القرار بفضل المد الجماهيري الكاسح المطالب بعودته، نائب الرئيس السابق، عمر سليمان استخدم عبارة "التخلي" عن السلطة، علماً أن الدستور المصري ليس به أي نص أو مادة تتضمن التنحي أو التخلي، بل هناك فقط كلمة استقالة، وفي هذه الحالة، يفقد أي قدرة على تكليف أي أحد بأية مسؤولية، غاب الدستور في الحالتين من خلال استخدام عبارات غير دستورية في ظروف بالغة التعقيد.تولي الجيش المصري، يشير إلى أن خطة ما تم إعدادها بذكاء كبير، فقد نزل إلى الشارع بعد "تخلي" الأمن والشرطة عن مسؤوليتهما في حفظ النظام لسبب سيتم الكشف عنه بعد التحقيقات. وملأ الجيش الفراغ الأمني، بوسائله الخاصة، هذه المرة، ليس من خلال استخدام العنف، بل بلعب دور "الوسيط المحايد" فقد تغزل بالمتظاهرين معلناً إيمانه بمطالبهم المشروعة، ورغم كل دواعي الاحتكاك، إلا أنه ترفع عن إطلاق أية طلقة واكتفى بتفتيش الداخلين الى ساحة التظاهر في ميدان التحرير، منوهاً في بياناته قبل "التخلي" بالحرص على المتظاهرين، معدداً مآثر شهداء الثورة، الجيش المصري كان اللاعب الأساسي بين الفريقين، المتظاهرين والنظام السياسي، مع انه كان يحكم من خلف ستار على الأرجح، لكنه آثر أن يقوم بهذا الدور، حتى "لا يستولي" على السلطة، بل أن تقدم له على أذرع المتظاهرين أنفسهم، وكأمر واقع في ظل هذه الصورة، فإن الجيش بات هو خشبة الخلاص من المأزق، وصرخات بعض المتظاهرين وشعاراتهم "مدنية .. مدنية" لم تكن موجهة ضد عسكرة السلطة، بقدر ما هي موجهة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فالمتظاهرون يريدون سلطة مدنية، سيهيئ الجيش لها، بعيداً عن سلطة تدعي أنها إسلامية، سلطة المواطنة وليست سلطة سلفية وربما وهابية.وبالطبع، هناك من يرفض تسلم العسكر السلطة ولو مؤقتاً، هؤلاء ما زالوا مصرّين على البقاء في مسرح التظاهر في ميدان التحرير، تحت ذريعة أنهم سينتظرون الطريقة التي سيعمل بها المجلس العسكري الحاكم، هؤلاء لديهم برنامج مختلف، فاتهم قطار الثورة، لكنهم في حالة ثأرية من العسكريين، هم جماعة الإخوان المسلمين تحديداً، وربما بعض الفرق الصغيرة المتحمسة أو المنتفعة من التظاهر، البيان الرابع للمجلس العسكري الحاكم، والمتضمن عدة بنود، على الأرجح كان معنياً ببند واحد فقط وهو المتعلق بالالتزام بجميع المعاهدات الإقليمية والدولية التي تم التوقيع عليها، وهو مطلب إقليمي ودولي، وليس مجالاً في هذه الأوقات للمناورات الداخلية حول اتفاقية كامب ديفيد، علماً، إن هذه الاتفاقية، لم تطرح ولو لمرة واحدة، من خلال شعارات المتظاهرين، إلا أن المجلس العسكري أوردها في بيانه الرابع لتطمين المجتمع الدولي، الولايات المتحدة وإسرائيل على وجه الخصوص، بأن الأمر لا ينطوي على انقلاب على هذه المعاهدات والاتفاقات، وأن النظام العسكري القائم، ليس على صدام مع أحد في الخارج، بل سينتهج نفس النهج السابق، وان بأساليب مختلفة تتوافق مع العهد الجديد.هذا العهد الجديد، لن يكتفي بان يكون مثالاً للشعوب العربية الأخرى، أو نموذجاً لتحركات شبابية تعم المنطقة فحسب، بل إن هذا العهد سيكشف عن الطاقات الهائلة التي يملكها الشعب المصري العريق، وعلى مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الرياضية، وستعود مصر إلى سابق عهدها في أن تكون محور التقدم العربي على كافة المستويات، بعد ما تراجعت في ظل نظام الاستبداد والفساد والرشوة، الذي أهدر كل الإمكانات والكفاءات الدفينة في شعب هو من اعرق شعوب العالم، بشرط أن تحظى مصر بنظام ديمقراطي حر ونزيه، وهو المتوقع على ضوء انجازات ثورة شباب مصر.وسنكتشف بعد وقت، أن أية فضائية مصرية، بإمكانها أن تكون أفضل من "الجزيرة" من كافة النواحي، صحيح أن رأس المال يلعب دوراً مهماً في هذا السياق، لكن الإمكانات المهنية العالية لدى الصحافيين والإعلاميين المصريين، في ظروف ديمقراطية، من المتوقع أن تحيل الفضائيات المحنطة في ظل النظام السابق، إلى فضائيات تشد المواطن العربي، داخل الوطن وخارجه، فمصر غنية بإمكانياتها البشرية، ليس عددياً فحسب، بل بالمهارات والمبادرات والأفكار والثقافة والفن والاقتصاد.وإذا ما غابت الشعارات الدينية، وشعارات السياسة الخارجية، عن شعارات المتظاهرين في ميدان التحرير، فإن غياب القضية الفلسطينية، لا يعكس فقط اهتمامهم بالقضايا الداخلية، السياسية والمطلبية، بل يعكس عنصراً سلبياً في نظري، وهو النزوع نحو "المصرية" بعيداً عن البعد العربي لمصر، وفي حين أن المواطنة المصرية، هي فخر لكل مصري، ولا تنفي عروبتها، إلا أن التشدد إزاء "مصرية انعزالية" قد تعكس أبعاداً خطيرة على المنظومة العربية بالغة الهشاشة، مصر ليست مجرد دولة تجاور دولاً عربية، وشعب مصر، ليس فقط أحد شعوب المنطقة، فهو أولاً وأخيراً شعب مصري عربي بامتياز، ولا حاجة للعودة إلى التاريخ ومقدار التضحيات الهائلة التي قدمها هذا الشعب لعروبته وقضاياها الكبرى والصغرى على حد سواء، فهذا الشعب هو الذي أسهم إسهاماً كبيراً في نقل منطقة الخليج العربي الى سلم الحضارة، وكان رائداً في كافة مجالات التنمية في كافة أنحاء القارة العربية.في إحدى المقابلات على "العربية" قال أحدهم، وهو ينتقص من أحد المعلقين العرب الذي وصف الرئيس المصري السابق بالاستبداد: "ليس لأحد، خارج مصر، خاصة من العرب، أن ينتقد أي مصري حتى لو كان مستبداً كما هو الأمر مع حسني مبارك، فقط المصري له هذا الحق"، وهو ما يكشف عن نموذج يمكن أن يشكل تيارات متزايدة، في فهم المواطنة في مصر بأنها فرعونية أو افريقية، ولكنها ليست عربية.. هذا ما يجب الالتفات إليه، خاصة لدى شباب مصر .. العربية.hanihabib272@hotmail.comwww.hanihabib.net هاني حبيب