خبر : الثابت والمتغير في سياسة أمريكا تجاه مصر..زياد ابوشاويش

الخميس 10 فبراير 2011 12:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
الثابت والمتغير في سياسة أمريكا تجاه مصر..زياد ابوشاويش



التحولات الكبرى في السياسة المصرية قبيل حرب تشرين (أكتوبر) عام 1973 وبعدها طبع نظام الرئيس المصري الراحل أنور السادات وأنتج نظاماً مرتهناً للسياسات الأمريكية وخصوصاً بعد اتفاق كامب ديفيد الذي قدم أكبر خدمة إستراتيجية للولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل على مدار العقود الأربعة الماضية. منذ قام أنور السادات بطرد الخبراء السوفييت ودخل الحرب مع إسرائيل للخروج من مأزق نظامه في تلك المرحلة ومصر تعيش في كنف الرعاية الأمريكية ولا تخرج عن سياستها في المنطقة. اتفاق السلام مع الكيان الصهيوني في كامب ديفيد كبل مصر إلى الدرجة التي دفع فيها ثلاثة وزراء خارجية مصريين للاستقالة على التوالي، وهذه الاستقالات كافية لتبيان حجم الضرر الذي عاد على مصر ودورها العربي والإقليمي والانتقاص من سيادتها على أرضها في سيناء ناهيك عن جرح الكرامة الوطنية بعقد صلح مع عدو أوغل في دماء المصريين وقتل آلاف منهم في سيناء بدم بارد رغم أنهم كانوا أسرى ولا سلاح معهم للدفاع عن أنفسهم. حسني مبارك ورث كما تبين لاحقاً البلاد والعباد فقام بكل شيء يمكن أن يقوم به فرعون من فراعنة العهد القديم وقد تلطى خلف خدمته العسكرية ودوره في حرب أكتوبر لينكل بكل وطني مصري أو قومي عربي يسعى لاستعادة دور مصر ومكانتها، وحتى يرسخ هذا قام بتطوير علاقاته بإسرائيل واستطراداً أمريكا باعتبار أن الدخول لقلب أمريكا لابد أن يمر من الدولة العبرية وبالتنسيق معها. ولأن مقالنا لا يتعلق بالسياسة المصرية تجاه علاقاتها مع أمريكا باعتبارها كانت ولا تزال علاقات تبعية على غير صعيد فإننا سنتحدث هنا عن مستجدات السياسة الأمريكية ربطاً بما نعرفه عن المبادئ والمفاهيم الأمريكية لسياستها الخارجية التي تمثل المصالح والحفاظ عليها السلسلة الناظمة لكل تلك المفاهيم ومن ثم انعكاسها على المواقف الأمريكية. في الشأن المصري تنطلق السياسة الأمريكية من اعتبار معروف ويجمع عليه كل المحللين والمفكرين هو أن مصر هي قلب المنطقة ونبضها الأهم، وأن تاريخ المنطقة منذ اجتياح المغول والتتار لبغداد والمنطقة يرتبط بهذا القدر أو ذاك بواقع مصر وتحولاتها السياسية، وقد ترسخ هذا الدور منذ قيام دولة محمد علي باشا وانتهاءً بالجمهورية العربية المتحدة في زمن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. كانت الولايات المتحدة تدرك أن الموقف المصري هو مفتاح الحل كما ترغب به وحليفتها "إسرائيل" ولذلك عملت كل ما بوسعها لإخراج مصر من الصف العربي وخلق حالة من عدم التوازن تضمن للكيان الإسرائيلي القدرة على صد أي هجوم عربي يستهدف استعادة الحقوق العربية، وهي ضغطت على حكومة بيغن الصهيونية المتطرفة للتوقيع على اتفاق السلام الذي قلب كل شيء في المنطقة وأعاد عملية البحث عن شخصية مصر وموقعها إلى نقطة الصفر بعد أن تبلورت على امتداد قرنين من الزمن وتحديداً منذ محمد علي باشا. إذن فقد كان الثابت في تلك السياسة واستمرارها حتى اليوم هو اعتبار مصر شأناً داخلياً أمريكياً وكنزاً استراتيجياً لابد من إبقائه في دائرة النفوذ الأمريكي تحت أي شعار وبأي ثمن. في ظل هذه السياسة صمتت أمريكا عن مخالفات النظام لكل القيم والدعاوى التي ترفعها أمريكا حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة والامتناع عن استخدام العنف ضد المعارضة وغيرها من الشعارات التي تحاول من خلالها أن تسوق نفسها وسياستها العالمية بعد أن انفردت بقيادة العالم إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. وتحت ذلك التقدير للدور المصري قامت بتقديم مساعدات تقدر بمليارات الدولارات على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، هذه المساعدات التي استخدمت لتعزيز الدور السلبي لمصر عربياً وأحكمت الطوق الأمريكي على عنق مصر. إن الانتقادات الأمريكية لبعض السياسات المصرية الداخلية لم تصل يوماً حد تهديد هذه العلاقة، وحين كان الصوت المرتفع للولايات المتحدة يزعج النظام المصري أو يهدد استقراره كانت أمريكا تتراجع وتحسم موقفها لمصلحة استقرار النظام الذي يعني تأمين مصالحها ومصالح إسرائيل. اليوم نرى الموقف الأمريكي وقد تبدل عدة مرات منذ الخامس والعشرين من كانون ثاني (يناير) الماضي، وقد لوحظ تغييراً نوعياً في نقطتين غاية في الأهمية فسره معظم المراقبين باعتباره استجابة أمريكية للضغوط الإسرائيلية، والصهيونية الداخلية في أمريكا نفسها. النقطة الأولى تتعلق بالموقف من الرئيس المصري ذاته حيث يقول الموقف الجديد ببقائه حتى انتهاء ولايته لإحداث التغييرات المطلوبة في الوقت الذي سمعنا عشرات التصريحات الأمريكية التي تدعوه صراحة أو مداورة للرحيل وإخلاء الساحة لرجل آخر من النظام حتى وقت قريب لا يزيد عن خمسة أيام خلت. إن هذا التغيير يعبر عن تراجع خطير وعن مساندة أمريكية لبقاء النظام على صورته القديمة مع بعض التحسينات التي لا تمس جوهره أو آليات عمله. النقطة الثانية ترتبط بالزمن، وكلنا يدرك أهمية عامل الزمن في هكذا حالات. كان الأمريكيون يرغبون في رؤية تغييراً ذا معنى حالاً، ولعلنا نتذكر تعابير قيلت بالخصوص من نوع نرغب في رؤية التغيير أمس والذي جاء على لسان أوباما ذاته، وكذلك قول الناطق باسم البيت الأبيض في الرد على استفسار يتعلق بتوقيت التغيير: الآن وكرر القول بأننا نقصد الآن يعني الآن. اليوم يتحدث المسؤولون الأمريكيون عن حاجة مصر إلى زمن أطول بكثير يعطى لمبارك ومعاونيه من أجل الوصول لحل ينقل السلطة سلمياً لأنصار الولايات المتحدة وتابعيها وهم بكل بساطة رجالات نظام مبارك المدنيين منهم والعسكريين على حد سواء. هذا التغيير وسابقه يوضح بشكل كبير حقيقة الموقف النهائي لأمريكا بعد حساب التكاليف ونتائج الصراع الحاد الجاري في مصر. ليس كافياً القول بأن الضغط الإسرائيلي هو السبب وإن كان مهماً، لكن الحقيقة أن حسابات المصالح الأمريكية لم تنسجم مع رحيل مبكر لمبارك وبالتالي فتح احتمال فرط مسبحة النظام وتدهور الوضع ليصل لتحول نوعي يهدد مصالحها وأمن حليفتها إسرائيل.