خبر : ثورة مصر.. وسقوط الأيديولوجيا!!.. هاني حبيب

الأربعاء 09 فبراير 2011 12:09 م / بتوقيت القدس +2GMT
ثورة مصر.. وسقوط الأيديولوجيا!!.. هاني حبيب



هل يمكن اعتبار التحرك الشبابي المصري الأخير، ثورة مصر، مفاجئاً لأحد؟ لا أعتقد ذلك، بعد أن حقق شباب تونس رحيل رئيسها وتشكيل حكومة جديدة، إذ إن كل المتابعين اعتقدوا عن صواب، ان التحرك القادم سيكون في مصر، مع ان البعض منهم فوجئ ان هذا التحرك لم يبدأ منها بدلاً من تونس، ذلك ان الاختمار لعوامل وأسباب مثل هذا التحرك، متوفرة في مصر اكثر من اي قطر عربي آخر، كان التحرك التونسي مفاجئاً، ولم يكن الامر كذلك بالنسبة للتحرك الشبابي المصري، المفاجأة كانت بسرعة رحيل الرئيس التونسي، وتواصل التحرك الشبابي، ثورة مصر بعد قرابة ثلاثة اسابيع، حتى الآن، منذ انطلاقتها دون ان تطفأ نارها، وتتزود بوقود الثورة يوماً بعد يوم، مع انها حققت الكثير حتى قبل ان يخمد لهيبها.ومع اني ارى، انه يتوجب ان ينتهي هذا التحرك، نظراً لاعتقادي انه قد حقق اهدافه، وان ضمان استمرار هذه الثورة، وبناء نظام سياسي جديد، وقيام الجمهورية الثانية في مصر، يعود الى ان الخامس والعشرين من كانون الثاني، بات حداً فاصلاً بين ما قبله وما بعده، وعقارب الساعة لن تعود الى الوراء، مع ذلك، اعتقد ان هذا التحرك، فاجأنا بالكثير مما كنا لا ندركه او نشعر به.فقد فوجئت بمستوى ثقافة هذه الفئة من الشباب التي نظمت هذا التحرك واطلاق شرارة الثورة، تابعت مقابلاتهم وأحاديثهم باندهاش، اختلفت معهم في تبرير استمرارهم، لكني تعاطفت مع كافة القضايا التي طرحوها بخلفية وطنية واعية، فاجأني "وائل غنيم" ليس فقط لسعة ثقافته، ولكن ايضاً بهذا القدر من الوطنية والإخلاص الذي يتحلى بهما، ومع اني استمعت اليه بعد الافراج عنه، الا انه أدهشني بأنه لا يلوم الذين حققوا معه، ووصفهم بالحرص على مصر، مثله تماماً، لأنه أدرك ان سبب اعتقاله، يعود الى انهم يريدون التعرف فيما اذا كانت هناك أياد خفية أجنبية وراء هذا التحرك، يقول وائل، ان هذه الساعة ليست ساعة تصفية الحسابات ولا باقتسام الكعكة ومصادرة الحلم، ويقول ان تنظيم هذا التحرك كان مبكراً، وانه لم يكن "للإخوان" اي دور على الاطلاق، وان يوم 25 كانون الثاني، غاب عنه الإخوان كما كافة الاحزاب الاخرى، الا من خلال افراد شاركوا بصفتهم الشخصية، وقد نحكم على هؤلاء الشباب بالمبالغة في طموحهم الوطني، لكن وبأي حال لا يمكن الطعن في حسهم الوطني.المفاجأة كانت في مفارقة اخرى، إذ بينما اعتمد الشباب على التقنيات الحديثة في تنظيم تحركهم، من خلال المواقع الاجتماعية خاصة "الفيس بوك"، الا انهم اضطروا لمواجهة ادوات قديمة، كالجمال والأحصنة، والفرق بينهما أجيال وليس جيلاً واحداً، عقليتان تتجاوز الاختلاف والتعارض الى التناقض، يسحب نفسه على نظام تقليدي قديم، ونظام جديد يأخذ بأدوات العصر ومرتكزاته في الحكم، وتطويراً للعقد الاجتماعي الذي شهد الكثير من التطورات منذ جان جاك روسو حتى اليوم!مفاجأة اخرى، ما كنا لندركها لولا تواصل هذا الحراك حتى الآن، وتتعلق بطبيعة الموقف الاميركي، ليس فقط ان البيت الابيض يتخلى عن حلفائه عندما يدرك انهم باتوا اقل قدرة على الحفاظ على المصالح الاميركية، بل لأن ادارة اوباما، كان لها من الاسباب ما يجعلها تطالب "بالحل الفوري" لرحيل الرئيس مبارك، يعود ذلك برأينا، الى ان هذا التحرك الشبابي، كان تحركاً علمانياً ليبرالياً، حتى لو ان بعض المنظمين والنشطاء لا يصفون انفسهم كذلك، كانت واشنطن تخشى من ان هناك قوة وحيدة، ذات شعبية وتمتاز بمستوى من التنظيم، هي القادرة على ركوب الموجة، واستثمار هذا التحرك لصالحها، وهي جماعة الإخوان المسلمين، لذلك سارعت الولايات المتحدة، ومنذ بدايات التحرك الشبابي، الى الطلب من مبارك بالرحيل، لإنهاء الوضع قبل ان تسطو هذه الجماعة على هذا الإنجاز، وكررت الطلب عدة مرات، لاحتواء أية امكانية لتحويل هذه الجماعة مسار الثورة، لخدمة ما قال عنه خامنئي "شرق أوسط إسلامي".. وما زال هذا الحظر قائماً، لكنه لا يثير القلق، لأن التحرك ذاته كشف عن ان هناك مبالغة في مدى شعبية هذه الجماعة، خاصة لدى الشباب المصري، وغياب شعار "الإسلام هو الحل" نهائياً عن شعارات الثورة، دليل على استغلالها عن الرؤية الطائفية لهذه الجماعة.الا ان اهم ما أفرزته هذه الثورة حتى الآن، هو سقوط الاحزاب لصالح جماعات شبابية، لم تعوزها القدرة على التنظيم والتحرك، والبعض يرى ان انقسام آراء هذه الجماعات الشبابية، وعدم وجود قيادة موحدة لها، عنصر سلبي، بينما أعتقد ان ذلك يوفر عناصر ايجابية، لأن التفاوت والاختلاف، في هذه الحالة، يجعل من منظمي هذا التحرك اكثر مرونة احياناً، وأكثر تصلباً احياناً اخرى، ومن هنا جاء رفض هذه الجماعات لتحرك الاحزاب، ولجنة الحكماء، ولجان الحوار، ولو كانت هناك قيادة موحدة، لربما كان من السهل الضغط عليها من مختلف اطراف هذه الحوارات.لكني أرى ان اهم المفاجآت التي أفرزتها هذه الثورة، يتعلق بالأيديولوجيا، فمعظم الباحثين والمتابعين اعتقدوا ان اي تحرك ثوري حقيقي، سيقوم به الفقراء وسكان العشوائيات والعاطلون عن العمل، ما حدث هو بالضد تماماً من هذه الرؤية المحدودة لإمكانيات التحرك، فمن قام بتنظيم وتفعيل ما يجري اليوم في ميدان التحرير، ومعظم مناطق التحرك، هم شباب متعلم، من الطبقة الوسطى، وربما الشريحة الأعلى منها، هؤلاء لم يخططوا فقط، بل استمروا بالعمل الميداني حتى الآن، هذه "الطبقة" التي ظننا انها قد تهاوت، عادت الى الحياة من جديد لتعلن عن وجودها وعن قدرتها على التغيير لصالح كافة الطبقات الاجتماعية.استمرار التحرك الشعبي في ميدان التحرير، مع انني ارى انه لا ضرورة لذلك، قد يفاجئنا بالعديد من الرؤى الجديدة التي لم نكن لندركها لولا ما قام به شباب مصر، واعتقد انه قد آن الأوان، للتخلي عن التابوهات التي تعشعش في عقولنا، والتعامل مع الافكار والمعطيات كمتغيرات تعكس حركة المجتمعات في أطوارها التاريخية، ذلك ان هذا التحرك، هو ثورة في العقل قبل ان يكون ثورة على نظام حكم!!.Hanihabib272@hotmail.comwww.hanihabib.net