يبدو إن هذه العبارة التي يتفوه بها الحكام عندما يجدون انفسهم أمام غضب جماهيرهم الذين منحوهم الحكم والسلطة التي يقفون على رأسها ستتحول وتصبح احد أهم المبادئ التي تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم .وستشكل قاعده ديموقراطية جوهرية كأساس لصلاحية الحكم من عدمه .ويبدو أن هذه العبارة تأتى في وقت متأخر جدا ، فتفقد مصداقيتها وتأثيرها على الشعب الذي يطالب فقط بعودة السلطة إلى أساسها ومصدرها وهو الشعب ، هذا ما يريده اى شعب ببساطة من وراء الأحتجاجات التي يقوم بها ضد حكم نفذت صلاحيته ، أو بعبارة أخرى فقد حدود التفويض الذي يمنحه الشعب للحاكم . ويبدو أيضا أن الحاكم لم يستوعب ماذا يعنى تفويض الشعب له بالحكم ، وان هذا التفويض محدد بفترة زمنية محدده قد تجدد ولكن بإرادة الشعب . وألأمر الثاني أن هذا التفويض مرتبط بمدى قدرة الحاكم على تلبية أستجابات شعبه ، وحل مشاكلهم ، وبالمقابل لم يستوعب الشعب نفسه أن حقه في ألأحتجاج لا يعطيه الحق باللجؤ إلى العنف والقوة ، وإفساح المجال للمنتفعين والخارجين عن الشرعية لأستغلال ما يحدث من أحتجاج وشغب والقيام بأعمال سلب ونهب ، وتخريب ، وتدمير ، لسبب واحد فقط أن مثل هؤلاء يسعون إلى تدمير هيبة الدولة ومصداقيتها ، لعل وعسى أنه من خلال الفوضى أن يتم ألأنتقاض على السلطة والحكم . إذن هناك قاعده مفقوده في العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، ولو عرف كل منهما حدوده لأستقام الحكم على أسس من الدورية والتداول في الحكم الذي يسمح للأجيال الشابة إن تشارك في الحكم ، وهذا ما نراه في العديد من انظمة الحكم المتقدمة والتي قد تجاوزت هذه العقدة ، وبتنا نرى على مستوى الرئاسة ألأمريكية وهى أعلى واقوى سلطة في العالم إن رؤساء الولايات المتحدة لا يتجاوز عمرهم الخمسون عاما ، وعلى الرغم من قوة سلطتهم ، ولديهم أقوى الأحهزة ألأمنية والعسكرية ، لكنهم ملتزمون بالتفويض الدستورى والشعبى الممنوح لهم في الحكم ، وبعدها يتحولون إلى مواطنين مشاركين ومساهمين بخبرتهم في ألحياة السياسية العامة ، ويجدون كل تقدير من شعوبهم ، ويكفهم أنهم يعيشون بآمان ودون خوف بعد تركهم الحكم ، ويكفيهم فخرا أن يقضوا بقية حياتهم على أرضهم ، وينظر اليهم دائما كرؤساء, لماذا ؟ لأنهم أحترموا أرادة شعبهم ، ويلتزمون بما يريده الشعب منهم ، ويتحولوا من حكام ألي رموز وطنية تقدر وتحفظ في الذاكرة الجمعية الشعبية لشعبهم ، بل قد تدرس فترات حكمهم كنموذج للحكم . وعلى سبيل المثال لو تساءلنا كم رئيس للولايات المتحدة ، لوجدنا أن هناك أربع وأربعين رئيسا على مدار فترة زمنية هي بعمر الولايات المتحدة التي قد بدأت مع أول رئيس للولايات المتحده الرئيس جورج واشنطن عام 1789 . أما إذا نظرنا بالمقابل لأنظمة الحكم في بلادنا سنجد العدد قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحده . لماذا لأن الحاكم يحكم ألي ما لانهاية وحتى يأذن الله له بالرحيل . هنا تكمن المشكلة الحقيقية ،ومع طول فترة الحكم لا بد ان تظهر مظاهر الفساد والفتن والمفاسد ، وتظهرتحالفات غير شرعية بين حفنة قليلة العدد من الرأسمالية الطفلية التي تغتنى على حساب الشعب ، وشبابه على وجه التحديد، وفى هذا السياق يتحول الحكم ألي تحالف بين هذه الطبقة ألرأسمالية ، والطبقة الحاكمه ، وقد يأخذ التحالف صورا عديده حسب طبيعة النظام القائم. وعدم ألأدراك لقوة التغيير ايضا من مظاهر ألأستهانة من قبل الحاكم بقوة شعبه معولا على التحالفات الهشة القائمة ، وما لم يدركه الحاكم أنه وبدلا من أحتضان الجيل الذي يولد وينشأ في عهده ، يتجه ألي الطبقة المعاكسة ، والنتيجة الحتمية هي تمرد هؤلاء الشباب الذين يعتقدون أنهم ألأولى برعاية الحاكم ، واهتمامه ، ومن هناتظهر الفجوة في الحكم ، وتتراكم المشكلات الأقتصادية وألأجتماعية . ويعيش الشباب وهم قوة التغيير والحراك الأجتماعى والسياسيى حالة من ألأحباط تصل عند نقطة معينه للأنفجار ، وهذا ما قد نشهده في التجارب القائمة كمصر الأن وتونس ، والتي قد تمتد إلى بقية الدول العربية . المسألة ليست صعبة ، وليست مستحيلة ، إنها مرتبطة بمدركات ومحددات سياسية تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم . ولو عرف كل منهما بهذه المدركات ما وصلنا إلى هذه المنعطفات الخطيرة في العلاقة بينهما ، ولو وفرنا بلايين الدولارات من أجل التنمية ، وخلق فرص عمل للفئات المتزايدة من الشباب ، والسؤال المهم ماذا يريد أصلا هؤلاء الشباب في بلادهم ؟ يريدون فقط حياة مواطنه كريمه ، وفرص عمل عادله ، وقدر من حرية التعبير عن الراى ، وحقوق مصانه، والتي على أساسها نقول هذا الحكم جيد او فاسد. ونعود ثانية إلى عبارة اناأفهم وأنا أتفهم ، وهى عبارة ذات دلالات سياسية مهمة ، ولكنها مطلوبة منذ اليوم ألأول للحكم ، وهو فعلا ما يتفوه بها الحاكم عند بداية حكمه لأنه في حاجة لشعبه ، فالحاكم يبدأ بحكمه وهو على أعلى درجات الشفافية والنزاهة والمصداقية ، ثم تنقطع هذه العبارة ، ولم يعد لها وجود ثم يعود ويكررها ولكن بعد فوات ألأوان . هنا تكمن معضلة ، وحلقة الحكم المفقوده ، والتي علينا جميعا أن نعيدها ، ونجعلها ركيزة لأى حكم جديد . وهذا يتطلب أعادة النظرة في أسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم من خلال عقد اجتماعى جديد يلتزم به الجميع ،ومن خلال أعادة صياغة الدستور وهو الذي يعتبر الشكل الرسمى لهذه العلاقة ، من خلال مشاركة جماهيرية مسؤولة ، وينبغى أن يصاحب هذه العملية عملية تنشئة متوازية في تعميق قيم المواطنه ، ومفهوم الدولة ملك لجميع مواطنيها ، وليست ملك شخص أو تنظيم اوقلة ، وليست مجرد كعكة يمكن تقاسمها بين طوائف أو حفنات صغيرة منتفعة من حكم قائم . لا ينبغي المرور على ما يجتاج المنطقة العربية من تغيير وحراك سياسي غير مسبوق ، وينبغى عدم المراهنة على الخارج في ضمان الحكم وأستمراريته . المراهنة الحقيقة هي على الشعب الذي يمنح ويعيد حقه في الحكم . إن ما حدث ويحدث في تونس ومصر وغيرهما من الدول ، هو ليس مجرد درس أو دروس يلقيها معلم جديد ، ولكنها تحولا كاملا في مفاهيم الحكم ، وهى عودة طبيعية لفطرة الحكم ألأولى وتطبيقا لقانون دورة الحكم الحتمية. ، وإذا أراد الحاكم إن يحكم عليه أن يرى الحكم بعيون أبنائه وشبابه ومواطنيه ، وليس يعيون خارجية غريبة مصطنعه . /اكاديمي وكاتب عربى drnagish@gmail.com