بعيدا من الصخب والجدل الاعلامى والسياسى تستحق الوثائق الخاصة بالمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التى نشرتها قناة الجزيرة تحت عنوان-كشف المستور- قراءة هادئة موضوعية وقبل كل شىء وطنية والحقيقة ان الوثائق لا تقدم جديدا لسببين اساسيين الاول انها تعبير عن الموقف السياسى الفلسطينى الرسمى المعلن المتعلق بخيار التفاوض مع اسرائيل بصفته الخيار الامثل لاسترجاع الحقوق واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف اما السبب الثانى فيتمثل فى ان الصحافة الاسرائيلية او وسائل الاعلام العبرية بشكل عام لم تبخل خلال الاعوام الماضية فى نشر المواقف التفاوضية المختلفة والافكار وحتى الخرائط التى تم تبادلها وركزت بالاساس على الموقف الاسرائيلى وما اعتبرته تباينات او خلافات تفاوضية بين رئيس الحكومة اهود اولمرت ووزيرة خارجيته تسيبى لفنى التى تراست لجنة المفاوضات الرسمية مقابل السيد احمد قريع وعموما بتفصيل اكثر يمكن تقديم قراءة اوسع واعمق واهدا للوثائق والملفات الرئيسية الثلاث التى ركزت عليها اى القدس واللاجئين والتنسيق الامنى على النحو التالى:-تكاد السلطة الفلسطينية تخرج عن طورها لجهة تبنيها شبه المهووس للخيار التفاوضى وصدق قناعتها فى كونه الخيار الامثل لاسترجاع الحقوق واقامة الدولة الفلسطينية وحتى عندما وضعت الخيارات السبعة البديلة –التجريبية حيث لا يجوز التجريب حسب التعبير البليغ لناصر القدوة- جعلت التفاوض على راس القائمة رغم التصريحات العلنية عن فشله ورغم التحفظ على الخيار الذى لم يثبت جدواه إلا ان المشكلة تكمن فى التنفيذ والتطبيق الخاطىء له ناهيك بافتقاد المفاوضين الى المهارات والقدرات اللازمة والضرورية وهكذا اقر السيد ابو العلاء منذ فترة بخطا التكتيك التفاوضى الذى تم اتباعه لعقود مشيرا الى مقاربة اخرى تلحظ الاخذ بالطريقة السورية-تحديد الحدود اولا ومن ثم مناقشة التفاصيل والملفات الاخرى- بدلا من التساوق و النهج الاسرائيلي الذى اغرق المفاوضات فى التفاصيل الجزئية والصغيرة بل واستغلها كغطاء لفرض الوقائع على الارض كما حصل فى ملف المستوطنات مثلا حيث تضاعف عدد المستوطنين الى اكثر من الضعفين خلال المسيرة التفاوضية التى استمرت لعقدين تقريبا .- فى التفاصيل التى تخص ملف الحدود مثلا فقد تمثل الخطا الكبير والكارثى للمفاوضين الفلسطينيين بالقبول المجانى والمبكر بمبدا تبادل الأراضي بل وطرح نسبة 2 بالمائة بشكل اولي على ان تصل الى ثلاثة او اربعة بالمائة ما يتيح لاسرائيل ضم معظم المستوطنات اليها اوما نسبته 80 بالمائة من المستوطنين الى حدودها خاصة تلك التى تعرف بالكتل الاستيطانية الكبرى والتى اقيم معظمها فى العشرية الاولى من سبعينيات القرن الماضى وفق التصور الامنى الجيوسياسى لحزب العمل الذى لحظ السيطرة على اراض ذات اهمية امنية او اقتصادية –تتعلق باحواض المياه فى الضفة- هذا الامر تجاهل بشكل مطلق القانون الدولى وبدا بمثابة تقديم مكافاة لاسرائيل على تجاوزها للشرعية الدولية ونهبها للثروات والمقدرات الفلسطينية ونسف لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة المتصلة جغرافيا والقابلة للحياة بالمعنى الجدى للكلمة ,وهنا يجب الانتباه الى رفض السيد احمد قريع ضم اسرائيل كتلتى ارئيل التى تتوغل لعشرة كيلومترات فى عمق الضفة ومعاليه ادوميم-اضافة الى جبل ابو غنيم وافرات من تكتل غوش غتصيون- وتفهم كوندليزا رايس لموقفه من ارئيل واصرارها ان لا احد سيتفهم موقفه من مدينة معاليه ادوميم رغم ان ضمها يعنى عمليا تقسيم الضفة الغربية الى نصفين لا يمكن ان يتصلا جغرافيا بل عبر الجسور والانفاق .- فى موضوع القدس تبدت ايضا الاخطاء والخطايا السابقة بل واضيف اليها قبول ما يعرف بمبدأ كلينتون كل ما هو عربى للسلطة وما هو يهودى لاسرائيل فى تجاهل للشرعية الدولية وحقيقة ان الحى اليهودى اقيم بعد حرب حزيران وعلى انقاض احياء وممتلكات فلسطينية و كل ما قيل فى وسائل الاعلام ليس اكثر من ترجمة مبدا كلينتون على ارض الواقع كيف يسير خط الهدنة بمحاذاة الحرم القدسى الشريف والقبول بالتنازل عن السيادة عنه لصالح هيئة مشتركة اقليمية دولية –هو اقتراح اولمرت بالاساس- رغم ان احداً لم يتنازل عن القدس الشرقية بتعريفها الفلسطينى –6 كم فى محيط الحرم- وقصة الشيخ جراح اخرجت بالتاكيد عن سياقها وكيف يمكن تصور ان يتنازل عن الشيخ جراح من رفض التنازل عن معاليه ادوميم وجبل ابو غنيم .- فى ملف اللاجئين نحن امام مظهر اخر من مظاهر التفاوض غير المهنى او السليم عوضا عن اى فلسفة عملية التسوية نفسها تستند اساسا الى نفى حق العودة ولا يمكن تصور ان تقبل اسرائيل سلما بعودة خمسة ملايين لاجىء الى القرى والمدن التى شردوا منها ما يعنى تصفية عملية للمشروع الصهيونى كما فكرة الدولة اليهودية من اساسها وهنا ايضا تتبدى الخفة التفاوضية من الطرف الفلسطينى عبر تكرار الموقف المعلن بان لا شأن لنا بتسمية اسرائيل نفسها حتى لو اختارت الامبراطورية اليهودية العظمى-كما قال احدهم- لان يهودية الدولة لا تجحف فقط حق عودة اللاجئين وانما حقوق المواطنين الفلسطينيين فى الاراضى المحتلة عام 1948 والمفترض بالسلطة كما الدول العربية بذل كل الجهود لعدم المس بحقوقهم ومصالحهم .-وثائق التنسيق الامنى لم تكن مفاجئة قياسا الى المعطيات السابقة وقياسا الى التصريح العلنى الدائم للرئيس ابو مازن عن تنفيذ الالتزامات الفلسطينية من خطة خارطة الطريق خاصة البند الاول منها الذى يتحدث عن وقف عمليات المقاومة وتفكيك البنى التحتية لها ناهيك بفلسفة الخطة القائمة- كما اوسلو- على نبذ العنف وتبنى الوسائل السلمية فى حسم الصراع مع اسرائيل ومن هنا فان التنسيق الامنى ليس الا تعبيراً عن التوجهات الفكرية و السياسية للسلطة المعلنة والتى زادت انغلاقا وتعنتا بعد الاقتتال فى غزة صيف العام 2007.فى الاخير تقدم الوثائق دليلاً غير قابل للشك يؤكد الاستنتاج الخاص بفشل عملية التسوية ويدحض فرضية او امكانية التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل وفق الاليات والوسائل التى اتبعت خلال الحقبة الماضية الخيار التفاوضى بائس شكلا وموضوعا ناهيك بالاداء الارتجالى والعشوائى من قبل المفاوضين الذين لم يخونوا برايى وانما دفعوا ثمن الاستراتيجية الخاطئة والتكتيكات المنبثقة عنها نجد دليلا على ذلك فى الوثيقة المهمة جدا التى نشرتها هارتس امس الثلاثاء نقلا عن الغارديان- عضو الفريق الفلسطيني المفاوض صائب عريقات سأل لفني اذا كانت ترى وضعا يكون فيه "من أجل السلام يعيش يهود كمواطنين متساوي الحقوق في فلسطين مثل العرب الاسرائيليين". لفني تحفظت وطرحت تخوفا على أمن اولئك اليهود. "اقترحت شيئا وأنا أعتقد ان علينا ان نكون ابداعيين"، قالت لفني لعريقات. "قالوا لي انه سيكون عنف اذا اخليتهم. وانه سيكون اقل ضغط اذا ما اعطي لهم حق الاختيار. انا لا يمكنني أن آخذ المسؤولية عن سلامتهم في حالة تعرضهم للخطر". في لقاء في فندق "عنبال" في القدس بعد اسبوعين من ذلك، في 21 ايار طرح الموضوع مرة اخرى. قال ابو علاء للفني: "يوجد 30 الف شخص في معاليه ادوميم يمكنهم ان يعيشوا تحت حكم فلسطيني". اما الاخيرة فرفضت الاقتراح قائلة: "انت تعرف ان هذا ليس جديا"، قالت. فرد ابو علاء: "إذن اخلوهم مثلما فعلتم في غزة". عندها تدخل صائب عريقات في الحديث وقال انه يجب بلورة الحدود حسب احتياجات الطرفين. "نحن لا نريد ان يصبح الفلسطينيون اسرائيليين او الاسرائيليون فلسطينيين"، قال. فقاطعه ابو علاء قائلا: "ليس عندي مشكلة في أن يصبح الاسرائيليون مواطنين فلسطينيين. دعهم يبقون. ففقدت لفني صبرها وقالت: "انت تعرف ان هذا ليس واقعيا. سيقتلونهم فورا في الغداة". المحادثات في موضوع الحدود استمرت ايضا في طواقم الخبراء وكانت متوترة جدا وترافقت وتبادل للاتهامات. وفي 29 ايار التقى الفريقان في فندق كينغ دافيد في القدس. رئيس مديرية المفاوضات الاسرائيلية العميد اودي ديكل حاول اقناع الفلسطينيين بتخفيف حدة موقفهم في موضوع الحدود، ولكن اقواله اغضبت رئيس الفريق الفلسطيني سميح العبد. "شيء ما حصل في الثماني سنوات التي مرت منذ العام 2000"، قال ديكل. "انتم بدأتم بحرب ارهابية ضدنا ونحن ثبتنا حقائق على الارض. هذا هو الواقع ولا يمكن العودة الى كامب ديفيد. الشرق الاوسط تغير". سميح العبد غضب واجاب فورا وقال: "لا احد من الجالسين على طاولة المفاوضات نفذ عمليات ارهابية ضدكم. نحن عانينا اكثر من اربعين سنة ارهاب. الاحتلال هو ارهاب بالنسبة لنا". بعد بضع دقائق تمترس فيها الطرفان في مواقفهما، بدا ديكل يائسا: "مواقفكم غير مقبولة علي. هيا ننهي النقاش وببساطة نستمتع بالطعام".شىء اخير لا يمكن القفز فوقه ويتعلق بالانقسام الفلسطينى وحسب اصحاب النوايا الحسنة فان الانقسام هدف ضمن امور اخرى الى وقف التفريط والتنازل عن الحقوق الفلسطينية والواضح ان العكس قد حصل الهيكل السياسى والفكرى للسلطة الفلسطينية لا يمكن مواجهته الا بسبل سلمية وديموقراطية عبر انهاء الانقسام والمصالحة والذهاب الى انتخابات يحسم فيها الشعب بحرية وشفافية ونزاهة الخلاف السياسى والفكرى القائم حاليا او قلب المعادلة بشكل جذرى عبر التوافق على حل السلطة الفلسطينية وادارة الصراع مع اسرائيل وفق منهجيات واليات وحتى شخوص مختلفة كليا وهو الخيار الاصعب بينما يظل الخيار الاول هو الاكثر ملاءمة للواقع وحتى المصالح الفلسطينية العليا والاستراتيجية المترفعة عن المكاسب الفئوية والحزبية الضيقة لهذا الطرف او ذاك . مدير مركز شرق المتوسط للاعلام