هرب زين العابدين بن علي وبقي ابو القاسم الشابي في تونس مع شعبه الذي اختاره قائداً عاماً لانتفاضته الباسلة وقد تحقق أهم أهداف الثورة: الإطاحة برأس النظام التونسي الفاسد. خبرة التاريخ تقول أن الحكام والمستفيدين من وجودهم لا يستسلمون بسهولة ويتحايلون للبقاء في مواقعهم بعد أن يكونوا قد استخدموا كل قوتهم في الدفاع عن النظام وجلاوزته بشكل يخالف القانون ويتجاوز كل المعايير الحقوقية والإنسانية. النقاش الذي يدور الآن في تونس حول دستورية تولي رئيس الوزراء مقاليد السلطة تحت المادة 56 من الدستور يعني أن زين العابدين بن علي ما زال رئيساً للبلاد، وأن ممارسته لمهام منصبه متوقفة لأسباب مؤقتة، وأن زوال الأسباب يعني عودته للسلطة، وهذا يخالف رغبة التونسيين الذين قدموا ثمناً باهظاً من أجل تغيير النظام وعلى رأسه بن علي بالذات. الحالة الراهنة في تونس تتطلب إعمال المادة السابعة والخمسين من الدستور والتي بموجبها يتولى رئيس البرلمان رئاسة البلاد لفترة تقع بين 45 و60 يوم يتم خلالها التحضير لانتخابات رئاسية، ومن بعدها انتخابات برلمانية تشارك فيها كافة القوى والأحزاب على قدم المساواة، بعدها يمكن الحديث عن تعديلات وتغييرات دستورية تتوافق مع إنجازات الثورة المنتصرة في تونس الخضراء. إن الحديث عن الدستور والقانون الآن يمكن أن يفقد ما تم إنجازه على الأرض قيمته الحقيقية المتمثلة في فرض إرادة الشعب على جلاديه، وهي ذروة التحدي والشجاعة في الإقدام على صعود قمة الجبل الخطرة والصعبة. سيكون الدرس التونسي الأهم منذ نكبة الشعب الفلسطيني، هذا الدرس الذي تعلمناه في أشعار أبي القاسم الشابي والقائل أن الحرية تؤخذ ولا تستجدى، ومن أرادها عليه أن يدفع الثمن، وقد سدد الشعب التونسي ثمنها بجدارة. يبقى الدرس الآخر لبعض حكامنا الذين أوغلوا في دم شعبهم وأمتهم وتحالفوا مع أعدائها بأن يتعلموا من نموذج تونس حتى لا يضطروا للهرب إلى المجهول حيث لن تنفعهم كل الخدمات التي قدموها لأعداء الشعب العربي. المرجح أن محاولات الالتفاف على هدف الثورة التونسية في التغيير الحقيقي بتدابير ملتوية وإجراءات وإعلانات تخديرية لن تنجح، وسيتحقق ما أراده التونسيون ودفعوا فيه ثمناً كبيراً. Zead51@hotmail.com