كتبت تحت هذا العنوان منذ بدء الانقسام الفلسطيني على أرض الواقع فى حزيران عام 2007 , واستهجن الكثيرين من لغة التشاؤم التى يلمسها عنوان المقال ولكن صدقتها طبيعة وتطور الأحداث على الأرض , بالرغم أن الكثيرين يعلمون قناعتي بأن تحقيق المصالحة ممكنة جدا وليست صعبة أو مستحيلة ولن تأخذ وقتا طويلا إذا بدأت فصولها على أرض الواقع , وما نعتقده صعبا سنجده غير ذلك فور توفر الإرادة والصدق وتغليب المصلحة العليا على المصالح الضيقة , ولكن بقي كل ذلك مجرد أمنيات وشعارات لم يعد يصدقها أحد , وأخذنا بالابتعاد عنها كلما طال أمد الإنقسام , وبدأت تتبلور على أرض الواقع حالة من الصعب مستقبلا تجاوزها من وضع سياسات خاصة بكل إقليم وبناء مؤسسات وصياغة قوانين ومشاريع ستفرض ذاتها على أي حل قادم , ولذلك لابد أن تنصب الجهود فى هذه المرحلة بإيجاد حلول ومخارج إبداعية تعمل على تلطيف الحالة الراهنة وتوقف حدة هذا الانقسام , عبر الاعتراف المتبادل بالواقع المفروض من كلا طرفي الانقسام ومحاولة إيجاد صيغة يمكن أن نتوافق حولها لتسيير أمور هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة . وطالما أن المصالحة لم تعد قريبة كما يصرح بذلك بعض القادة المتنفذين , وطالما أن المصالحة حتى فى حال تحقيقها لن تغير من طبيعة الواقع كما يصرح بذلك قادة آخرين فلن تؤدى المصالحة الى وحدة وطن أو وحدة سلطة كما كان سابقا تحت شعار البعض " لن تعود السلطة كما كانت فى السابق أبدا " , وأمام صراع المصالح الذي أصبح هو سيد الموقف وليس مصلحة الوطن والمواطن , أمام هذه الحقائق القاسية لابد من التوقف ووضع الأفكار المنسجمة مع هذا الواقع بعيدا عن العاطفة التى لن تغير شيئا بل ستزيد الأمور تعقيدا , ولا تبنى الدول والمجتمعات بالتمني بل بالاستجابة الموضوعية لطبيعة الحال " و‘ذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع " . ولا أريد أن أطالب برأي الشعب فيما سيحمله هذا المقال لأن رأي الشعب معروفا بغالبيته الساحقة بأنه ضد هذا الانقسام ولكن من غير المسموح للشعب من التعبير عن ذاته , بسبب ربط إجراء الانتخابات القادمة بإنهاء حالة الانقسام , وهذا الإنهاء مرتبط بقرار من طرفي الانقسام , وفي النتيجة تم حجز إرادة الشعب بيد هذين الطرفين , ومن هنا لا مكان لرأي الشعب أبدا , ولا يمكن المطالبة بإجراء استفتاء شعبي حول الموقف من هذا الانقسام لأنه لا توجد قوة قادرة على حماية نتيجته أو تنفيذها على أرض الواقع , فلن يتوفر لنا الدعم الدولي الذي توفر لجنوب السودان لحماية وتنفيذ مطلب الشعب , ومن هنا لابد من الاعتراف بالواقع والعمل على تحسين ظروفه . السياسة الإسرائيلية واضحة تماما فى هذا الجانب , فهي تعمل جاهدة على أرض الواقع لتقسيم الضفة الغربية الى ثلاثة تجمعات كبيرة هي جنوب الضفة الغربية وتضم الخليل و بيت لحم وما حولها , ووسط الضفة وتضم رام الله وضواحي القدس وما حولها , وشمال الضفة وتضم نابلس وجنين وما حولها , وبين تلك التقسيمات يدور بناء جدار الفصل العنصري , ويضاف الى ذلك التقسيم قطاع غزة المفصول أساسا جغرافيا , هذه هي السياسة الإسرائيلية فهل نجحنا فى إفشالها أم هي التى نجحت فى فرضها على الأرض بل وفى بعض فصولها ساهمنا نحن بتنفيذها , وأمام هذا الواقع الذي يجب الاعتراف به على صعوبته , والاعتراف لا يعني القبول والرضى – لا سمح الله – ولكن أن نعترف بعجزنا وفشلنا فى تحقيق أكثر مما هو بين أيدينا , حتى يغير الله هذا الحال بحال أفضل , ومن هنا لماذا تخوننا الشجاعة فى الاعتراف بالحقيقة ؟ ونستمر برفع شعارات تكذبها الحقائق على الأرض , الحقيقة المرة أننا اليوم أمام كيانين فلسطينيين منفصلين ولا تحكمهما سياسة واحدة , وكلاهما يمتلك مؤسسات كيان متكامل من حكومة وبرلمان وقضاء وشعب وعلاقات خارجية , يجمعهما شعار كبير واحد هو تحقيق الحياة الكريمة لشعبيهما , فلماذا لا يتم التعامل مع هذا الواقع بكليته دون التركيز على السلبيات بل رؤية الإيجابيات أيضا . الإمارات الفلسطينية المتحدة هو الإسم الفعلي لما هو قائم , دون التنازل عن حقنا المستقبلي فى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس , وهذا الهدف سيتحقق بتطور العلاقات الداخلية بين مؤسسات تلك الإمارات , وإن كان صديقي الأستاذ فريح أبو مدين – وزير العدل الأسبق – اعترض على كلمة " المتحدة " لصعوبة إنجازها وهي عقلية شعاراتية , ولكن ستبقى هدفا لن نتنازل عنه , ويمكن بكل هدوء وحكمة الاتفاق على أن يكون الرئيس لهذه الإمارات واحدا يتفق عليه وأن تكون الوزارات السيادية الكبرى مثل الخارجية والمالية متفق عليها أيضا بشكل من الأشكال , وهذا المشروع هو فقط لإدارة المشكلة الداخلية للسلطة الفلسطينية ولن يتعارض ذلك مع المشروع الوطني الذي تحمله منظمة التحرير الفلسطينية , وهكذا يمكن الاتفاق بسهولة على إجراء الانتخابات لكل إمارة على حدة بشكل ديمقراطي متفق عليه ورقابة عربية ودولية لضمان نزاهة الانتخابات ومشاركة الجميع فيها , ومجموع نتائج تلك الانتخابات ستحدد توجه الشعب الفلسطيني المتواجد داخل نطاق السلطة الفلسطينية , وقد يكون هذا المخرج لعدم تحكم الكيان الإسرائيلي فى عملية الانتخابات الفلسطينية , لأن كل طرف يدعي بقدرته الأمنية القادرة على فرض النظام والقانون فى المنطقة الواقعة تحت سيطرته , والأجهزة الأمنية فى كلا الجانبين أثبتت فعلا قدرة على ذلك . قد تشكل هذه الأفكار صدمة لبعض الحالمين بواقع أفضل ولكن الكثيرين يتحدثون عنها بشكل ليس سري بل أصبح المثقفون فى جلساتهم يتداولونها ولكن كل بطريقته , والسؤال هل هذا ممكن أم أنه غير مسموح لنا أيضا تنظيم انقسامنا ؟ وتكون النتيجة المصالحة غير مسموح تحقيقها كما نتمنى والانقسام غير مسموح التعايش معه بشكل محترم , والمسموح هو فقط التعايش مع حالة من الفوضى وعدم الوضوح لتستمر المعاناة ويحدث الانهيار المجتمعي والمعنوي لشعبنا , وعندها لن نملك القدرة على فعل شيء .