غزة / سما / قبل حوالي عام، دعا ممثلو الدول الاوروبية في القدس ورام الله، قناصل هذه الدول للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية من الناحية العملية، والعمل بالسلوك السياسي والدبلوماسي على أساس أنها – القدس – العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية، والآن، بعد عام، يكرر هؤلاء موقفهم بمطالبة دولهم في الاتحاد الاوروبي باتخاذ نفس الموقف، مبرر تكرار مثل هذه الدعوة، التي لم يستجب لها في المرة الاولى، ان هناك قناعة متزايدة لدى هؤلاء ان لا مجال للحديث عن اطلاق العملية التفاوضية التي من شأنها ان تنتهي الى قيام دولة فلسطينية، وعلى ضوء هذا الاستنتاج، فإنه لا يجب انتظار قيام الدولة الفلسطينية، اي حتى التوصل الى اتفاق سياسي بين الجانبين، الفلسطيني – الاسرائيلي، للاعتراف بالقدس عاصمة لهذه الدولة الوليدة، ولعل توقيت هذه الدعوة الثانية، مع قيام الاحتلال بتدمير مبنى فندق شيبرد التاريخي، لبناء وحدات استيطانية جديدة في وسط العاصمة الفلسطينية المنتظرة، هو الذي سرع في مثل هذه الدعوة.والمختلف هذه المرة، في الدعوة المتكررة، انها مرفقة بمقترحات اجرائية، بفصل مسألة الاعتراف بالمفاوضات من ناحية، ومعارضة معلنة لأية اجراءات اسرائيلية تتخذها سلطات الاحتلال في العاصمة الفلسطينية، القدس الشرقية، حتى لو تطلب ذلك فرض مقاطعة من الاتحاد الاوروبي لإسرائيل، كتلك التي فرضها الاتحاد الاوروبي على انتاج المستوطنات في وقت من الاوقات، والأهم من ذلك، هو اعتراف عملي بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في القدس الشرقية وكذلك، طلب هؤلاء في دعوتهم الجديدة، اجراء عملياً، من خلال ارسال مبعوثين دائمين في العاصمة الفلسطينية، القدس الشرقية لبلادهم، لمراقبة الأنشطة الاستيطانية، وغيرها من الاجراءات الاسرائيلية التي تعيق انتقال القدس الشرقية الى عاصمة للوطن الفلسطيني، هذه المراقبة تتضمن عملية هدم المنازل والبناء الاستيطاني، والاشتراك بمراقبة المحاكم التي تتخذ قرارات الهدم، او التي يرفع اليها الفلسطينيون شكواهم بهذا الصدد، وأكثر من ذلك، تشجيع الفلسطينيين على البناء والترميم لمنازلهم وحمايتهم من سطوة الاحتلال.ولا شك ان هذه الدعوة تمثل تقدماً في الموقف الاوروبي، الا ان ذلك لم يعد كافياً، فالدعوة بحد ذاتها، لا تشكل تطوراً مهماً، اذ انها تبقى دعوة، تنتظر الاستجابة والتنفيذ، وتجربة الدعوة الاولى قبل عام، لا تشير الى امكانية تحويل هذه الدعوة الى جهد حقيقي، بل ان هذه الدعوة، قد تشكل مجرد هروب من الاستحقاقات الاساسية التي تملي على الاتحاد الاوروبي، ليس مجرد اتخاذ موقف شفهي من الاستيطان بوصفه غير شرعي، فإن التوقف عند مثل هذا الموقف من دون ترجمة فعلية له، يعتبر هروباً من تحويل الموقف الى سياسة على الارض، ولعل الاتحاد الاوروبي، المطالب بترجمة سياساته عملياً، باتخاذ مواقف عملية ضد اسرائيل نظراً لرفضها اتخاذ خطوات ملموسة بتنفيذ القرارات الدولية، ووقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، لعل مثل هذه الدعوة، تعفي الاتحاد الاوروبي من اتخاذ المواقف الاكثر جرأة، والاكثر جدية، بما يجعل هذه الدعوة مجرد هروب الى الأمام، اذا بقيت مجرد دعوة لا تجد استجابة اجرائية لتحويل الدعوة الى موقف على الارض.ولعل الاتحاد الاوروبي في موقف بالغ الحرج، وهو يتابع اعترافات الدول، خاصة في اميركا اللاتينية بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، ومرجع هذا الحرج يعود، الى ان فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دون انتظار نتائج العملية السياسية، خرجت من تحت ابط الاتحاد الاوروبي نفسه، عندما صرح بعض قادته، من ان استمرار وضع اسرائيل للعراقيل أمام اطلاق العملية التفاوضية التي يجب ان تؤدي في نهايتها الى اتفاق تقوم على اساسه الدولة الفلسطينية، قد يدفع بالاتحاد الاوروبي، او بعض دول الاتحاد الى رفع القضية الى مجلس الامن لانتزاع اعتراف بالدولة الفلسطينية، وبحيث تصبح المفاوضات بين دولتين، وليس بين منظمة التحرير ودولة اسرائيل. وقد تكررت مثل هذه الدعوات من قبل المنسق السابق الاتحاد الاوروبي وبعض وزراء الخارجية في دول الاتحاد، الا ان مثل هذه المواقف تراجع عنها الاتحاد الاوروبي بشكل مخجل، مكتفياً بعض الاحيان بالتلويح بها، من دون ان يتخذ أية خطوة الى الأمام.كان يمكن لوزير الخارجية الاسرائيلي ليبرمان ان يمد يد المساعدة للاتحاد الاوروبي كي يتخذ الموقف المطلوب، اذ انه وفر فرصاً عديدة، لتأكيد الموقف الاسرائيلي الرافض عملياً للعملية السياسية السلمية، وتعامل بفظاظة واضحة ومعلنة ووقحة مع كافة نظرائه من وزراء الخارجية وسخر منهم ومن مواقفهم ومواقف دولهم، من دون ان يشكل كل ذلك، سبباً لوقف الحديث معه بل التعاون معه في كثير من الاحيان، ورغم انه اعلن اكثر من مرة ان لا مستقبل للعملية التفاوضية، ولا صلح مع الفلسطينيين، ولا للدولة الفلسطينية، الا ان ذلك، لم يغير من مواقف الاتحاد الاوروبي التي لم تتجاوز الاستنكار حيناً، والإدانة حيناً آخر، ولم يتذكر الاتحاد الاوروبي تلميحاته وتهديداته، بل تجرأ على التراجع عنها.لذلك، فإن دعوة القناصل هذه، ستظل مجرد دعوة ستطيح بها المواقف المترددة والخجولة من قبل الاتحاد الاوروبي ودوله، لكنها ستوفر لهم والى وقت الحديث عنها باعتبارها موقفاً متقدماً، كما يتيح لهم، التهرب من مجاراة من سبقهم الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على كامل الارض الفلسطينية المحتلة العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، ولا نعتقد ان احداً سيرى في هذه الدعوة، هروباً من الاستحقاقات المطلوبة، بل سيتم الثناء على هذه الدعوة، باعتبارها شكلاً من أشكال الضغط على اسرائيل، في حين ان الدولة العبرية، باتت تعلم الى اي مدى ستذهب هذه الدعوة، ما يشجع الاحتلال على المضي قدماً في العملية الاستيطانية، وعلى الأخص في العاصمة الفلسطينية المرتقبة.دعوة القناصل الاوروبيين المشار اليها، من المفترض انها سرية، وقد تم كشف النقاب عنها من قبل وسائل الإعلام الاسرائيلية، الدعوة الاولى المماثلة قبل عام، لم يكشف النقاب عنها او عن مضمونها، الا بالترافق مع الكشف عن الدعوة الثانية، وبدلاً من الاستجابة لهذه الدعوة من قبل الاتحاد الاوروبي، بدأ الاتحاد بالتحقيق في كيفية وصول هذه الدعوة – الوثيقة الى وسائل الإعلام، ما يشكل ايضاً، شكلاً من أشكال الهروب من مسؤوليته عن توفير الظروف المناسبة لتنفيذ هذه الدعوة والاستجابة للاستحقاقات التي وعدت بها عدة دول اوروبية، وهذا ما يدفع الى القول ان هذه الدعوة، رغم الاعلان عنها والكشف عن سريتها، لن يكون مصيرها أفضل من الدعوة الاولى السابقة اليه.www.hanihabib.nethanihabib272@hotmail.com