في سابقة هي الأولى، على حد علمنا، يقرر القضاء العسكري الإسرائيلي، بأن الأرض التي تقع على جانب الطريق 60، بجوار مستوطنة شيلو، تعود لفلسطيني وسمحت له النيابة العسكرية بفلاحتها واستغلالها بالطريقة التي يشاء، هي سابقة لأنه لم يسبق للقضاء العسكري، المناط به الحكم في القضايا المتعلقة "بالمناطق المدارة" أن حكم لصالح أي فلسطيني، وهي سابقة أيضاً، لأنها المرة الأولى التي يقرر فيها القضاء المدني الإسرائيلي أن ليس من حق النيابة العسكرية الفصل بمثل هذه القضايا، رغم أنها، النيابة العسكرية، هي التي تتولى شؤون "المناطق" حيث تعتبر ذات جانب أمني، وعادة ما فصلت هذه النيابة، عندما يتعلق الأمر باستيلاء الجيش الإسرائيلي على أراضي وممتلكات الفلسطينيين، إما لدواعي الأمن، أو لاستغلالها لإقامة ثكنات أو سجون تابعة لجيش الاحتلال، هذه المرة، يتصدى القضاء المدني لصلاحيات النيابة العسكرية، ويقرر أن أمر هذه القضية ليس من اختصاصه، وأكثر من ذلك، حكمت لصالح المستوطن موشيه موشكوفتس، بأن هذه الأرض من قرية قريوت، هي ليست للفلسطيني بل للمستوطن، القرار كان احترازياً، لكنه يعبر عن مدى براءة القضاء الإسرائيلي عن العدل، وأنه يتدخل فقط عندما وبالصدفة، يحكم القضاء لصالح الفلسطيني، ويشير الى أن ليس فقط المؤسسة العسكرية، والسياسية، والمجتمع في اسرائيل تتجه إلى اليمين المتطرف، ولكن القضاء الإسرائيلي، بات بدلاً من أن يشكل مظلة للتوازن، ينسحب أمام التيار المتطرف ويقاد من خلاله.كل ذلك جرى في الأيام الأولى من العام الجاري، وكان يمكن تجاهل هذا الأمر لولا أن معطيات إضافية، في نفس الفترة، تشير إلى تزايد الأصولية المتطرفة في المؤسسات السياسية الإسرائيلية، وتشير في هذا السياق، إلى وفاة جواهر أبو رحمة، التي استشهدت بتأثير استنشاق الغاز السام من نوع "سي إس" الذي استخدمته قوات الاحتلال في مواجهة المتظاهرين ضد الجدار الحدودي، فقد تبرأت المؤسسة الأمنية والقضائية في اسرائيل من مسؤوليتها بمقتل أبو رحمة، في الوقت الذي استندت فيه منظمة بتسيلم الى مستندات المستشفى في رام الله، للخروج بنتيجة تفيد أن الشهيدة قتلت بتأثير استنشاق الغاز، كما اعتمدت على شهادة الدكتور "دانيال ارحان" وهو أحد المشاركين الدائمين في التظاهرات ضد الجدار، ويوجههم لتفادي استنشاق الغاز، ويعالج في المكان المتأثرين به، وقد أشار ارحان في شهادته إلى مسؤولية جيش الاحتلال من ناحية، وإلى أن هناك أنواعاً من الغاز أقل تأثيراً، لا يستخدمه جيش الاحتلال، بل يستخدم مكونات أكثر تأثيراً وتسبب عاهات وأمراضاً مزمنة وأن الأمر ليس صدفة. وأيضاً، كان يمكن لهذا الأمر أن يمضي دون أن يتوقف عنده أحد، باعتبار أن هذا المسلك من قبل جيش الاحتلال، هو جزء من عقيدته الأمنية في مواجهة الفلسطينيين، لكن شهادة بتسيلم التي تتناقض مع نتائج التحقيقات التي أجراها الاحتلال، فتحت النار من قبل مختلف أطياف اليمين المتطرف، في الكنيست كما في الحكومة الإسرائيلية، على منظمة بتسيلم وكافة منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، وبالفعل تقوم النائب من "إسرائيل بيتنا" باينا كيرشنباوم والنائب من "الليكود" داني دانون بتشكيل لجنة تحقيق لفحص مصدر تمويل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، من بينها جمعية حقوق المواطن، السلام الآن، بتسيلم، ونحطم الصمت بدعوى أنه تقف خلفها دول أجنبية وربما منظمات إرهابية، الكنيست تبنت هذه القضية وأقرت "البحث" في تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للوقوف على ظاهرة "نزع الشرعية عن الجيش الإسرائيلي في العالم من جانب منظمات إسرائيلية". صحيح أن الكنيست لم يقر تشكيل مثل هذه اللجنة، لكنه أقر البحث في تشكيلها، وهي خطوة أولية للمضي قدماً في توجيه لوائح اتهام ضد منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، وهي المنظمات التي سبق وأن أدينت من قبل العديد من الساسة في اسرائيل بدعوى أنها رفعت المواد والشهادات الى لجنة غولدستون الخاصة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتقف هذه المنظمات، حسب هؤلاء، خلف تقديم لوائح اتهام ضد ضباط الجيش وكبار المسؤولين الإسرائيليين، كما تقف وراء تصنيف جنود الاحتلال الإسرائيليين كمجرمي حرب، إضافة إلى أنها تشجع على التملص من الخدمة العسكرية. وعادة ما يتم بحث مثل هذه المسائل أولاً في إطار الحكومة قبل رفعها إلى الكنيست خاصة وأن النائبين، ممثلان في الحكومة من خلال وزراء "الليكود" و"اسرائيل بيتنا"، إلا أنهما برفع هذه القضية مباشرة الى الكنيست، يشيران إلى أنهما متعجلان في وضع بقايا الديمقراطية الإسرائيلية، في قفص الاتهام، باستغلال الميل المتزايد للتطرف لدى المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته الدينية والسياسية والعسكرية، خاصة أن النائب الليكودي داني دانون، أعرب عن رغبته في أن يتولى رئاسة لجنة التحقيق بعد تشكيلها، وأن هناك عدداً لا بأس به من النواب يؤيده في ذلك!!وما كان ليقر مثل هذا الأمر في البرلمانات الإسرائيلية السابقة بهذه السهولة، إلا أن الكنيست الحالية، تعتبر الأكثر إمعاناً في اليمينية المتطرفة، وما أقرته من قوانين عنصرية واضحة، خاصة ضد المواطنين العرب في الدولة العبرية، هي أكثر مما أقرته كافة البرلمانات السابقة، وكانت مثل هذه القضايا، تنجح أوساط يسارية في إسرائيل في إجهاضها قبل أن تصل إلى لجان التحقيق، بينما الآن، بالكاد لاحظنا معارضة لقرار الكنيست بالبحث عن إمكانية تشكيل لجنة تحقيق، هي أشبه ما يكون بتلك اللجان التي شكلها السيناتور الجمهوري الأميركي جوزيف مكارثي في خمسينيات القرن الماضي لمطاردة الشيوعيين والمتعاطفين معهم في الولايات المتحدة، قلنا إنه بالكاد كانت هناك معارضة قادرة على لجم هذا التوجه المكارثي، ما عدا بعض وزراء من حزب "العمل" اسحق هيرتسوغ والنائب دوف حنين من الجبهة الديمقراطية والنائب نيسان هيروفيتش، والنائب شلوما مولا من "كاديما"، وميخائيل إيتان من "الليكود"، ما عدا هؤلاء، ربما كان عدد محدود ممن اعترضوا على قرار الكنيست المشار إليه، وحتى وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تلق الضوء إلا على نطاق ضيق ومحدود على هذه المسألة، التي لا بد من النظر إليها بخطورة شديدة، كونها تمس آخر مواقع الديمقراطية الهشة في دولة الاحتلال، والتي من خلالها يمكن فضح جرائمها بحق شعبنا الفلسطيني، في داخل الدولة العبرية وخارجها، ومما يزيد الأمور سوءاً، أن المنظمات الدولية المعنية، لم تلق بالاً إلى مثل هذا التطور الخطير، مع أن من واجب – كما نعتقد – المنظمات الحقوقية الفلسطينية والعربية، الاستناد إليه لكشف حقيقة الديمقراطية الإسرائيلية التي عادة ما تغنت بها بعض المؤسسات الدولية!!. www.hanihabib.net هاني حبيب