فى كل المنازعات الدولية هناك نموذجان رئيسان وحوريان تقوم على أساسهما اى تسوية سياسية ثابته وراسخة ، تتجاوز حدود ما يتم التوقيع عليه ، الى شكل ما أشكال التفاعل المجتمعى بين ألأطراف المتنازعة . وقد سبق أن تناولنا فى أكثر من مقالة أن عملية صنع السلام تحتاج ألى بيئة مجتمعية سياسية داعمه فى ألأطراف التنازعة ، والى قناعات ومدركات سياسية لدى ألطراف التنازعة والمعنية بحتمية السلام ، واستحالة الخيار العسكرى ، والى قيادة سياسية قادرة على اتخاذ القرار السياسى بالسلام . وفى ضوء دراسة خبرات عدد من المنازعات الدولية كما فى جنوب أفريقيا ,ايرلندا الشمالية ، ان السلام يحتاج الى توفر نموذجين متكاملين متقابلين : النموذج النخبوى القيادى ، والثانى النموذج المجتمعى القاعدى . والعلاقة بين النموذجين علاقة عضوية يكمل كل منها الأخر ، ,ايضا ضرورة توفر النوذجان فى طرفى النزاع .وبعيدا عن التعقيد لأغراض المقالة ، فلا بد من توفر العديد من المكونات والعتاصر داخل كل نموذج . فالنموذج النخبوى القيادى وظيفته الوصول ألى أتفاقات للسلام ووضع حد لنزاع دموى قائم ، اى ان وظيفة القياده هو القدرة على أتخاذ القرار السياسيى ، اما النموذج المجتمعى القاعدى فوظيفته تهئية المجتمع وقبوله بما تم ألتفاق عليه ، والنموذج المجتمعى قد تعبر عنه هيئة برلمانية معبرة عن كل التوجهات وألأراء والتيارات السياسية فى المجتمع . والسؤال هنا ألى أى مدى قد توفر هذا النموذجان فى الصراع العربى ألسرائيلى ؟ وألأجابة السريعة أن هذان الشرطان لم يتوفرا ، وغن توفر احداهما ، فألركن ألخر لم يتوفر ، وقد لا يتوفر ألثنان فى أحد طرفى الصراع ، أو قد يتوفر أحدهما أى توفر قياده ، ولكن لا تستمر اما بالأغتيال أو بخسارة أنتخابات كما سنرى ن وهذا ما يفسر لنا لماذا وصلت المفاوضات ألى طريق مسدود ، وفقدان لقدرة على ألنطلاق . التنوذج ألول عامة يمكن القول أنه قد توفر ولو جزئيا ، أما النموذج الثانى فما زال قائما ؟ والسؤال ثانية هل يمكن توفر النموذج الثانى مثلا من خلال أنتخابات يمكن ان تاتى بهذه الهيئة التى قد توفر القبول والتهيئة لألى اتفاق سلام ؟ لكن قبلها نحتاج فعلا ألى قيادة ناضجة سياسيا ومؤمنة بالحل السلمى بعيدا عن القوة العسكرية بكل أشكالها .ويقوم نموذج القيادة أو النخبة على توفير أشكال مختلفه من أنماط التفاعل أليجابى بين أفراد النخب الحاكمة فى كلا الطرفينوالهدف الرئيس من وراء هذا التفاعل أكتساب وخلق قناعان شخصية وسياسية مشتركة ن تساعد فى الوصول ألى أتفاقية للسلام ، وهذا يتطلب خلق العديد من اشكال العلاقات الرسمية ، وقد تمتد هذه العلاقات الى ما هو ابعد من العلاقات بين افراد النخب ذاتها ، الى العلاقات ألسرية ، وكلها تهدف ألى خلق أنماط جديده من العلاقات ، وتكوين صور نمطية جديده غير تلك التى كان يحملها كل طرف عن ألخر من العداء ، وعدم القبول ، الى خلق وأكتساب قيم ومفاهيم سياسية جديده تساعد فى الوصول الى قناعة مشتركة فى الحل والتسوية السياسية ، ومن شأن هذه المدركات والقناعات السياسية الجديده أن تستبدل المواقف المتزمته والمتشدده الى مواقف أكثر مرونة وواقعية ، وتعمل على تفكيك المواقف الأيدولوجية المتصلبة . وهنا قد تتعدد أشكال التفاعل أفراد النخب الحاكمة وصانعى السياسة من أتصالات عن بعد وغير مباشرة ، للتمهيد الى الدخول والقناعة بخيار التفاوض والسلام ، وتتبعها مفاوضات بين ممثلين عن هذه القيادات بهدف الوصول الى صياغات ومبادئ عامه تحكم أى أتفاق ، ن وقد تتمخض عنها فرق عمل فنية متخصصة ن يحكمها ألطار العام الذى تم صياغته من النخب الحاكمة ، وفى النهاية ياتى دور القياده فى التغلب على النقاط التى قد يصعب التوصل لأتفاق بشأنها بين المستوى ألقل من هذه النخبة ، ووما قد يساعد على ذلك انماط اتلفاعل التى قد تم أيجادها بيت أفرادها والتى قد تسهل الوصول الى ه1ا ألأتفاق . وهذا النموذج طبق الى حد كبير بين الفلسطينيين وألسرائيليين ، فعقدت لقاءات بين أكاديميين وسياسيين من كلا الجانبين ، أنتهت بلقاءات على مستوى القمة ، ولا شك ان هذه ألنماط من اتلفاعل قد اثمرت أتفاقات عامه مثل أتفاق أوسلو ن وقامت اكال متعدده من العلاقات بين أفراد الجانبين ، لكن لم تكن من الشمول وألأستمرارية ، والتوافق ـ فقد حثت أختراقات متضاده بينها أوجدت فجوات كبيرة بين افرادها من ناحية ن ومن ناحية أخرى العديد من أفراد هذه النخبة وخصوصا على الجانب ألأسرائيلى لم تبقى فى مناصبها ، ومن ناحية ثالثه ما قامت به وما أتخذته من قرارات لم يكن على مستوى الصراع ذاته ، ومن رابعة لم يتم ألستفاده بشكل جيد من توافر قيادات مؤمنه بالسلام ، فعلى الجانب الفلسطينى لا خلاف على قدرة الرئيس عرفات على صنع السلام ، وقناعتهبهذا الخيار ، لكن لم تتح له الفرصة الكاملة ، بل لم يقدم له من الجانب ألأسرائيلى ما يسمح له بالدفاع عن خياره ، فالعلاقة التى قامت بين النخبة الحاكمة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس عرفات ومع من يقابله من الجانب ألأسرائيلى بقيادة رئيس الوزراء اسحق رابين وكان قادرا على على تحقيق تسوية مع الجانب الفلسطينى ، لكن حياته قد أنتهت بالقتل ، ليحدث انقطاع فى هذا النموذج ، ولم تأتى قيادات أسرائيلية مؤمنه ، شارون ونينينياهو نموذجان يتسمان بالتصلب أليدولوجى ن وأما أولمرت وليفنى وبيريز وباراك فهم وإن بدوا أكثر أعتدالا ألا أنهما لم يتحررا من المؤثرات أليدولوجية الصهيونية ، أضف الى ذلك ضعفهما وضعف التيار الذى يمثلونه ، ويتضح ذلك فى ألأنتخابات ألخيرة التى جرت فى أسرائيل والتى جاءت باليمين ألأسرئايلى المتشدد بزعامة نيتينياهو المؤمن بالأستيطان . هذه التحولات فى النخب الحاكمة فى أسرئيل لم تكن لتساعد على ذلك ، وحتى فى الجانب الفلسطينى فالمعضلة التى واجهت الرئيس عباس رغم انه قد أكد على قناعته بالخيار السلمى والمقاومة السلمية ، فلم توازيه قياده مماثله فى أسرائيل ، وقد يقال أنه كانت هناك فرصة فى عهد حكومة أولمرت ، لكن كما أشرنا لم تكن قيادة قادرة أو كارزمية أة تاريخية فى أسرائيل بل انتهى دوره بتوجيه تهم فساد له ، هذا ألنقطاع فى هذا النموذج يفر لنا جانبا من جوانب وصوص المفاوضات الى طريق مسدود . وكمحصلة لذلك ، سادت التوجهات المتشددة والمتطرفة فى كلا الجانبين ، وقد انعكس ذلك فى شكل السلطة التشريعية فى كلا الجانبين ، الكنبست ألخير ، تسيطر عليه المسكر اليمينى والدينى المتشدد ن والذى يرفض كل أشكل السلام وقيام الدولة الفلسطينية ، ويتمسك بالثوابت ألأيدولةجية من التمسك بالقدس والمستوطنات ورفض لطرح مشكلة اللاجئيين ، ن وبالمقابل فشل السلطة الفلسطينية ممثلة فى حركة فتح والرئيس عباس والذى يؤمن بخيار السلام والمفاوضات ن وحيث ان ةهذ الخيار لم يأتى بنتيجة فقد فقد مصداقيته ، وهو ما قاد فى النهاية لاى فوز حركة حماس فوزا كبيرا فى ألنتخابات التشريعية الفلسطينية ، لدرجة التحكم فى كل مقاعده ن ومن ثم تشكيلها للحكومة الفلسطينيىة ، وهى حركة ترفض الأعتراف بإسرائيل وألأعتراف بكل ألتفاقات السابقة الموقعة مع السلطة ، وتتمسك بخيار المقاومة ، لتنتهى الحالة الفلسطينية الى حالة من ألنفقسام السياسى ، وتاكيد الرئس عباس الى أصراره على عدم ترشيح نفسه ثانية للرئايسة ،ة مما قد يعنى أيضا تراجع فى النموذج المخبوى القيادى ، وهذا ينبئ بصعوبة الوصول الى حل وسلام لهذا الصراع . ولعل من أبرز نقاط ضعف النموذج ألنخبوى فى تطبيقه على عملية السلام الفلسطينيى –ألسرائيلى ،أن أتفاق أوسلو قد ركز على كلية على القيادة السياسية ودورها ، دون أعطاء أهتمام كاف بالشعب نفسه وتهيئته وأعداده للقبول بالتسوية السياسية ، هذ من ناحية ، ومن ناحية اخرى ن ان القيادة نسها وعلى من أهمية ما قامت به أختراق فى حلقة الصراع وأوجدت خيار المفاوضات والسلام ن ألا أنها لم تكن لديها ألتزام كامل بالسلام ، وبقيت الشكوك قائمه ، فهى واقصد القيادة قد مهدت الى حد بعيد لعملية السلام ، لكنها ، لم تعمل على الدفع بها وتقدمها نحو مراحلها النهائية ، ولذلك بقى خيار الصراع قائما ، وأستمرت سياسات التحريض وألأستفزاز ، والبناء العسكرى ، وأستمرت أسرائيل فى البناء ألأستيطانى الذى افرغ العملية السياسية من مضامينها الحقيقة ، ودعم من عدم الثقة فى القيادة السياسية القائمه ، وبالمقابل أوجد ألأنسداد ألأسرائيلى واستمرار سياسة ألعتقالات والتوغلات ومصادرة ألرض وبناء الجدار على حساب ألرض الفلسطينيىة ، كل هذه ألمور ساهمت فى أندلاع ألنتفاضةة الثانية التى جاءات نتائجها سلبية على مستقبل عملية السلام ، وقادت فى النهاية الى فوز حركة حماس فى ألأنتخابات ، ومن ثم سيطرة الأتجاهات المتشددة ، والرافضة لخيار المفاوضات والتمسك بخيار المقاومىة ، ونبالمقابل أيضا تنامت ألتجاهات اليمينية المتشددة فى أسرائيل ، وتصاعدت أهمية الأحزاب الدينية التى تلتقى مع ألحزاب اليمينية فى التمسك بمقولات أسرائيل الكبرى ، ويهودية الدولة ، وطرد السكان الفلسطينيين فى الداخل ن والنتيجة الحتمية أنتشار ثقافة العنف والرفض والقوة والعنف من جديد . ومن نقاط الضعف الخرى لخيار أوسلو أن الخيار المجتمعى القاعدى ، وأيجاد هيئة برلمانية داعمع للسلام ، لم تحظى بالأهتمام ، وفى الوقت ذاته لم تساعد التطورات السياسية والثقاتفية والتى نجمت عن ضعف النموذج ألول الى صعوبة تشكيل مثل هذه القاعده العامة ، مما قد زاد من التحديات والعراقيل التى تعترض عملية صنع السلام على أسس قوية وراسخة من مبدأ الحقوق والتوازن ، والتغير فى المدركات السياسية وألأيدولوجية لدى الطرفين . أذن الحلقة المفقودة فى هذا النموذج ، تتمثل فى أمرين أساسيين ، ألأول عدم القدرة على التوصل الى نتائج سياسية معقولة ومقبوله بعد مفاوضات ماراثونية ، ، وألمر الثانى عدم النجاح فى خلق قاعده أو هيئة جماهيرية مستعده للقبول بما تم التوصل أليه . أضف الى ذلك أن الخطوات التى قد بذلت لخلق أنماط من التفاعل بين الخب المجتمعية ، والشراح المختلفة من المجتمع أتسمت بالشكلية والتواضع .وبدون ركائز مجتمعية تفع بالقيادة ألى مزيد من التقدم ، تبقى فرص السلام هشة وضعيفة . وما سبق وأشرنا فإن درجة المشاركة العامة فى العملية السلمية بقيت فى حدود ضيقة وهامشية ، ولم تسمح بالوصول الى المفاوضات والعملية السلمية الى نقطة اللاعودة ، وهذا ما يفسر الدوران حول نفس المربع ، فمع أى عملية عسكرية تقوم بها أسرائيل ، وع أى عملية كانت تقوم بها المقامة داخل أسرائيل ، كانت تعود بالعملية كلها ألى نقطة الصفر ، وهو ما أوصل المفاوضات الى طريق مسدود ، وبدلا من البناء على العملية التفاوضية ، وبدلا من التوالد الذاتى فى نموذج القيادة ، والذى يوازيه توسع فى القاعدة المجتمعية ، بدلا من كل ذلك أستبدلت قيم الصراع بدلا من قيم السلام ، وألأستعداد لوقف هذا الصراع الدموى بين الطرفين .وبقراءة هذه التطورات نجد أن خلل فى هذا النموذج الذى قد نجح فى نزاعات دولية اخرى ، قد تكون اقل تعقيدا من النزاع العربى ألأسرائيلى ، فالصراع هنا يدور حول صراع وجودى ، وصراع تصادم فى الحقوق ، وداءما صراعات الحقوق اذا دعمت بسياج عقيدى وأيدولوجى يصعب حلها بخطوات بسيطه ، بل تحتاج الى أكثر من قوة دفع ذاتية وخارجية . وفى هذا السياق فغن غياب الدور الخارجى القوى والداعم والخالق لقوة الدفع هذه قد يقف وراء تعثر هذا النموذج . وبقاييس أقتصاديه مثلا ، كان يفترض وحتى نوجد القاعده المجتمعية أن يكون حجم الدعم ألقتصادى أكبر بكثير مما قدم ، وان يخضع لوسائل رقابة صارمة حتى يشعر المواطن العادى بان هناك نفع مادى ، وحياة أقتصادية أكثر رخاءا وأزدهارا ن ه1ا لم يوجد على الرغم مما قدم ، ونفس الشئ ينطبق على البرامج الثقافية ودور مؤسسات المجتمهع المدنى التى تعتبر حاضنه مهمه فى بناء أى نموذج لصنع السلام فى العمل على نشر ودعم ثقافة السلام . وعليه فالصراع العربى ألسرائيلى بكل تعقيداته ومكوناته المتضاربه والمتصادمة يحتاج لاى نموذج متعدد ألذرع ولا يقتصر على دائة واحده ، وينطلق من محدد أساسى وهوعدم قدرة طرفى الصراع على المبادرة الذاتية ، ولذلك هما فى حاجة الى قوة دفع خارجية قادرة على خلق انماط من التفاعل المتبادل . وتعتمد قوة الدفع هذه على معالجة قضايا رئيسه اهمها أنهاء ألحتلال ، وقضاي كالأسرى ن والحواجز التى تعيق الحياة الكريمة العادية للمواطن الفلسطينى العادى ، وتضمن ايضا توسيع هامش الحقوق والحريات والنظر ألى ألنسان الفلسطينى من منظور آدميته، وتخصيص صندوق دعم تجت أى مسمى لدعم البنية التحتية لأى دولة فلسطينية قادمه ، مع ألخذ بالأعتبار الرؤية الشامله لللأحتلال ألأسرائيلى فى الدول العربية ألأخرى . وأخيرا ما زالت هناك فرصة قائمه فى بناء هذا النموذج للسلام ، فما زات هناك قياده مؤمنه بخيار السلام ، وما زالت غالبية الشعبين تريد وقفا لهذا الصراع الدموى ، وينبغى تحرير عملية السلام من قبضة ألقلية التى لا تريد للصراع أن ينتهى . أكاديمى وكاتب عربى drnagish@hotmail.com