من البديهي أن تشخص أي جماعة او حكومة تتولى مقاليد حكم الناس الحالة التي يعيشونها، وإذا ما كانت الظروف المحيطة تتسم بطابع قهري ينعكس على حياة العامة لتضعها في غير مسارها الطبيعي او هي غير ذلك، ولا شك بان هناك بون شاسع بين حال وظروف شعب يعاني الحصار وأخر لا يعاني ويلاته، ومن البديهي أيضا أن تكون وسائل وأساليب تلك الجماعة أو الحكومة تتلاءم وحاجات شعبها، لا سيما عندما يعاني واقعا قمعيا وقهريا كحال الحصار، وإذا ما جاءت على عكس ذلك، فان للأمر دلالات يجب التوقف عندها وقراءتها . لا شك بأن قطاع غزة يخضع لحصار ظالم، فنحن من يعاني ذلك ويعيش تفاصيله صباح مساء، ونقرأه في الأحداث والأحاديث اليومية التي يعانيها ويتناقلها الناس، واقع يرشح ألم وإحباط ويأس، وانهيار تتسع رقعته لتطول كافة التفاصيل، وإذا كنا كذلك, فان المنطق يقول بان يجري التعامل مع الناس وقضاياهم من منطلق واقع هذا الحصار وتداعياته، فعندما نقول بان حصار قطاع غزة قد ابتداء منذ سنوات وما زال, فان ذلك يعني تلقائيا،شعب مقهور يعاني الفقر، وتدهور في المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وانهيار في الاقتصاد والتجارة، وتراكم المعاناة النفسية لكافة شرائح الشعب، وانحصار حركة تنقل الناس من والى قطاع غزة، وارتفاع معدل الجريمة والمشاكل الداخلية، هذا بلا شك هو واقع ونتائج أي حصار لأي بلد في العالم، لاسيما لواقع محصور ومحدود المساحة والمنافذ كقطاع غزة، صحيح أن رد الفعل المنطقي لحركة حماس وحكومتها المقالة التي تسيطر على الأوضاع في قطاع غزة، هو مواجهة هذا الحصار وأثاره السلبية، وعليها أن تبذل كل ما في وسعها لتخفيف أثاره عن أهالي غزة، بهدف تعزيز صمودهم، وللإثبات بأنها قادرة على مواجهة هذا الواقع رغم صعوبته، وإلا ستعاني تبعات عجزها على المستوى الشعبي، وستبدو بأنها فاشلة في الحكم مع أول تجربة تخوضها . الأسئلة المطروحة، هل ما يجري في قطاع غزة يترجم هذا الإدراك من قبل حركة حماس ؟ وهل الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها حكومتها المقالة وما سيتلوها في قطاع غزة تصب في مصلحة المواطنين بما يخفف معاناتهم ويعزز صمودهم؟ وهل تنسجم هذه الإجراءات مع واقع قطاع غزة الذي يعاني حصار ظالم؟ أم أن حركة حماس باتت مقتنعة بان الحصار بات شكليا بسبب ما توفره أنفاق التهريب لغزة، وان تعبيراته تنحصر في محدودية حركة الناس وسفرهم للخارج، وبالتالي هي تتعامل مع حال الناس على أساس ذلك؟ المتابع للإجراءات الأخيرة التي قامت بها حكومة حماس في قطاع غزة، يكاد أن يصدق أن حالنا معافى ولا نعاني أي حصار، وكأن حركة حماس باتت مقتنعة بأنها انتصرت على الحصار واستطاعت كسره، وبالتالي فان أوضاع المواطنين أصبحت طبيعية وعال العال، مما يتطلب التعامل معهم على هذا النحو، وإذا كان الأمر على عكس ذلك فكيف لنا أن نفسر فرض جبايات ليست بالهينة على العديد من السلع التي يستهلكها المواطنين وبخاصة الوقود والسجائر؟! وهنا أقول جبايات غير مشروعة وليست بضرائب أو جمارك، لان الضرائب والجمارك تفرض على شعب لا يخضع لحصار قاسي، وتستهدف بضائع يتم استيرادها بطرق مشروعه وعبر منافذ قانونية تخضع للقانون الفلسطيني وللمعاير الجمركية، ولنسبة حسم ضريبي معروفة، وتخضع مردوداتها لنظام مالي شفاف وواضح في إطار ميزانية الحكومة، كما لا يجوز لحكومة حماس ابتداع أساليب هدفها إفقار الناس وزيادة معاناتهم، إن هذه الجبايات تمس بصورة مباشرة أرزاق الفقراء ولقمة خبزهم وحاجات أطفالهم، ولا تمس الأموال التي يجبيها أصحاب أنفاق التهريب ولا تجارها . إن واقع الحصار يتطلب من حركة حماس وحكومتها المقالة التوقف فورا عن إجراءاتها التي تمس حياة الناس، كما يفرض عليها مساعدة العامة وبخاصة فئات الشعب الفقيرة والمهمشة، والتفكير ألف مرة في أي إجراء يفاقم بؤس المواطنين، ليزيدهم معاناة فوق معاناة الحصار الإسرائيلي، ومطلوب منها ليس فقط التوقف عن فرض أي جبايات جديدة تمس حياتهم، وإنما وقف أي ضرائب أو رسوم كانت قائمة أصلا، وليس كما قرره الأخ إسماعيل هنية رئيس وزراء الحكومة المقالة من إعفاء أصحاب المهن من الضريبة المفروضة عليهم، واقتصار ذلك لعام 2009 فقط ، وكذلك ضرورة العمل على تيسير أمور المواطنين لا تعقيدها، واتخاذ كافة التدابير التي من شانها تعزيز روح التعاون والمحبة والتكافل والتآخي والوحدة بين أبناء الشعب دون تمييز، واجتثاث كل من يفكر باستغلال حاجات الناس وفقرهم، والتوقف عن ابتداع أي أساليب إضافية هدفها الاستحواذ على أموال المواطنين بشتى الطرق . لقد سمعت كما أهالي قطاع غزة العديد من التفسيرات والتبريرات التي أطلقها قادة حركة حماس كمحاولة لإقناع العامة بدوافع حملة الجبايات الأخيرة، بالتأكيد تبريرات غير مقنعة وتعبر عن الاستخفاف بعقول المواطنين الذين قابلوها بالسخرية والتهكم، وهي تترك الباب مشرعا أمام عشرات الأسئلة التي تمس حركة حماس وتوجهاتها، سواء كان ذلك على المستوى السياسي او الاجتماعي او الفكري . خلاصة القول، على حركة حماس أن تجيب عمليا من خلال طريقة تعاملها مع أهالي قطاع غزة، فإما نحن محاصرين في غزة ونعاني تبعات ذلك، وعليها التعامل مع هذه الحقيقة في كافة تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، وإما نحن غير محاصرين وبالتالي هناك ما يبرر لها التعامل معنا بالطريقة القائمة، لنتوقع منها المزيد من الأساليب المبتكرة التي تمكنها من جمع أموال العامة لصالح خزينة حكومتها التي ترهقها رواتب موظفيها . نصيحة للأخوة في حركة حماس .. لا يفيد الهروب إلى الأمام على حساب مصالح الشعب ومعاناتهم، واعلموا أن شعبنا الذي يضغطه الحصار، ويزداد ضغطه يوم اثر يوم بسبب إجراءاتكم، لن يسكت طويلا على هذا الحال .. لا خيار أمامكم وأمام الجميع سوى مسار واحد نسلكه معا، مسار إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، والتوجه بإرادة واحدة من اجل مواجهة الظلم الذي يعانيه شعبنا، وترميم ما أفسدته مرحلة الانقسام وتداعياتها السوداء . غزة – 24/4/2010م _____________________________________ · عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني Nafez_gaza2000@yahoo.com