الجميع يبحث عن الحل مع الكيان الإسرائيلي , لم يعد هناك فارق كبير من معسكر الاعتدال والممانع , ولكن المهم كيف يقتنع هذا الكيان بأن عليه القيام بخطوة جادة تجاه الحل ؟ وكيف يقتنع فعلا أنه إذا لم يقم بتلك الخطوة فلن يكون المستقبل لصالحه ؟ لعل بعض حكماء الكيان الإسرائيلي يدركوا هذه الحقيقة ولكنهم لا يجدوا ما يخسروه لو تجاهلوا أو أجلوا تنفيذ تلك القناعات أطول فترة ممكنة لعل المتغيرات القادمة فى المنطقة تنتج ظروفا أكثر ملائمة لهم , وبالتالي طالما أن القرار بيدهم فقط فليس هناك ما يدعو للاستعجال , وتبقى هذه الحالة مادة دسمة للدعاية الانتخابية وتحقيق مصالح ذاتية سواء لليمين أو لليسار وحتى المؤمنين بالسلام يجدوا أن حضورهم وأهميتهم يزداد أكثر فى ظل هذه الأوضاع المضطربة . أما نحن الفلسطينيون فلم نعد نملك الكثير من الخيارات سوى خيار الصمود والانتظار أمام المتغيرات الإقليمية والدولية ولم يعد هناك ما نهدد به عدونا , بل أصبح لديه قدرات هائلة للتكيف مع الأزمات التى تخص علاقته بالشأن الفلسطيني , ونجح فى كثير من الأحيان الاستفادة من جميع الأزمات التى مر بها واستطاع التكيف معها , ولعل المراقب يدرك ذلك على سبيل المثال خلال الانتفاضة الكبرى عام 1987 حيث كانت بدايتها موجعة للاحتلال ولكن نهايتها موجعة للفلسطينيين وكذلك انتفاضة النفق وانتفاضة الأقصى وكذلك الأحداث والحروب التى سبقتها , فلقد لعب الدعم الدولي اللا محدود للكيان الإسرائيلي من حمايته من أي تداعيات قد تضعفه أو من أي مسئوليات قد تحرجه دوليا , وكان دائما الفيتو الأمريكي الذي لا يتم استخدامه إلا لخدمة هذا الكيان وهو الصوت الأعلى فى المعادلة الدولية الحالية . أما الحال العربي والإسلامي فأوضاعهم لا تسر صديقا ولا تكيد عدوا , وواقع الحال يغني عن السؤال , فلا يملكون زمام أمورهم الداخلية أو الخارجية ولم يعد لهم فى هذه المرحلة وزنا ولا لونا ولا رائحة , وهم البضاعة التى يتقاسمها خصومها وفقا لمصالحهم , ولكل منهم مشاكله الخاصة التى تغنيه عن التفكير فى مشاكل غيره , بل أصبح استقرار حكمهم ونجاحه وتحقيق انجازات لشعوبهم مرتبط بمدى التزامهم بسياسة القوة الأعظم والسير وفق النهج المنصوص عليه , ودراسة درجات الغضب – إذا كان لابد منه – وكذلك درجات الرضا المفروض عليهم حتى لو كان لا يرضيهم بعضه أو كله , وليس جميعهم يرضى بذلك عن قناعة بل عن شعور داخلي عميق بالهزيمة وعدم القدرة على فعل شيء , وسمعتها ذات مرة من أحد القادة العرب أنه لا يوجد زعيم لا يحلم أن يخلد التاريخ اسمه كمحرر للقدس وفلسطين ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه , بل لا يملك أن يضع خطة لتحقيق ذلك الهدف لأن البلاد مستباحة فى كافة الاتجاهات . أمام هذا الوضع الداخلي والإقليمي ماذا تبقى من حلول ؟ , ولعل الحكمة تجري أحيانا على لسان عدونا , فقد قالها أحد قادة الكيان الإسرائيلي : إذا كنتم تفاوضوننا حتى نقتنع بالسلام مع العرب والفلسطينيين ونقبل دفع ثمن ذلك السلام فسوف تنتظرون طويلا , الحل يجب أن يفرض علينا فرضا من الخارج ولا يكون لدولة إسرائيل خيارا سوى القبول بذلك الحل وبدون ذلك لن يكون هناك حلا . لعل هذه المقولة منطقية الى حد كبير , وهذا المسئول شرح ما قصده وهو مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية الكف عن سياسة مراضاة إسرائيل على كافة ممارساتها وعليها أن تستخدم سياسة الضغط على إسرائيل للقبول والالتزام بعملية السلام ودفع استحقاقاتها , وأن تقتنع إسرائيل أن فى ذلك فقط مصلحتها ومستقبلها , وإذا كان هذا هو الحل فى المنظور الراهن الأوحد فكيف يمكن تطبيقه والوصول إليه ؟ وهذا يحتاج الى عمل سياسي ودبلوماسي مركز بقيادة الجامعة العربية والمجتمع الدولي الصديق , وهذا الحل لعله أفضل من طرح بنيامين بن اليعازر فى أحد اللقاءات بأن إسرائيل يمكن أن تتجاوب مع الجهود الدولية لدفع مستحقات السلام ولكن فى حالة واحدة وهي أن تخوض حربا مع العرب وتنهزم وينتصر العرب ولا تجد إسرائيل لها حلا سوى القول بالسلام لضمان استمرار وجودها . وفى كلا الأمرين الحل الأوحد مع هذا الكيان هو أن يصل الى حالة لا يمكنه رفض عملية السلام , وأن يتم فرض الحل فرضا من قبل المجتمع الدولي , وأن تعلم إسرائيل أن رفضها لذلك سيكون فيه خسارتها , ولكن عندما تتساوى الأمور لدى صاحب القرار الإسرائيلي ويكون الغضب منه أو الرضا عليه سيان فلا نتوقع أن تتقدم عملية السلام أبدا , ومن هنا فليس مهما شكل المفاوضات كيف يجب أن تكون بل ما هي رؤية الطرف الآخر لهذه المفاوضات ومدى تحقيقها لمصالحه , وهل توقفها ستضر تلك المصالح أم لا ؟ هذه أسئلة لابد أن يضعها المفاوض بين يديه وهو يقرأ ويتابع موقف الطرف الآخر وتصرفاته تجاه القضايا المطروحة ؟ . رئيس مركز آدم لحوار الحضاراتwww.imadfalouji.ps