خبر : حماس ..ومصر..فراق مؤقت ..وتقارب استراتيجي...!! .. بقلم: عماد عفانه

الثلاثاء 09 مارس 2010 02:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس ..ومصر..فراق مؤقت ..وتقارب استراتيجي...!! .. بقلم: عماد عفانه



في الوقت الذي تقوم فيه حركة حماس بتبني سياسة القلب المفتوح مع غالبية الدول العربية والإسلامية، لجهة توظيف الإمكانات المختلفة لهذه الدول لصالح القضية الفلسطينية، ومنحها حق التأثير الايجابي في مسار القضية نحو تحقيق الأهداف المرجوة. فان حركة حماس تعاني حتى الآن اشد المعاناة في ترسيخ ذات المبادئ في التعامل مع اثنتين من البلاد العربية المحورية والمحاذية لفلسطين وهما الأردن ومصر. وباستقصاء بسيط للوقوف على الأسباب التي قد تدفع مصر لتبني هذه المواقف التي تتبناها حيال حركة حماس، والتي تساهم في إبقاء بل وتوسع الفجوة أحيانا بين الجانبين، نجد أنه لا توجد  لهذه السياسة الرسمية المصرية أي بعد جذري أو استراتيجي أو مبني على اختلاف ثقافي أو خلاف ديني أو خلاف تاريخي، بل على العكس فان الثقافة والدين والتاريخ والجغرافيا تدفع الجانبين للتقارب لا التنافر. وباستبعاد النقاط السابقة كنقاط خلاف لا يتبقى لدينا سوى الاحتمال الآخر لإصرار النخبة الحاكمة في مصر على إتباع سياسة العداء تجاه حماس، وهو المصالح الذاتية للنخبة الحاكمة التي تسير في اتجاه الانحياز إلى جانب أفكار واستراتيجيات وقرارات تعادي حركة حماس فكرا وثقافة ومنهجا ووجودا. إن صورة العدو في وجدان وثقافة صانع القرار تعتبر عادة جزءا هاما ورئيسا من مجموعة الحقائق التي تشكل أساس ما يتخذه من قرارات وما يصنعه من سياسات، وتتشكل صورة العدو عبر فترة زمنية طويلة نسبيا من خلال عملية تربوية وتثقيفية تشمل مختلف مراحل حياة صانع القرار في بيئته تعززها وسائل الإعلام والتأثير المختلفة. ومجموعة الحقائق التي يستند إليها صانع القرار المصري في اتخاذ القرارات وصنع السياسات تجاه حماس مبنية أغلبها على الأوهام التاريخية المتعلقة بشبهة ارتباط حركة حماس بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة والمرفوضة والمدانة في وجدان صانع القرار المصري النابع من هاجس البديل الذي قد تشكله هذه الجماعة له كنظام وكمسيطر وكقوة تحكم البلاد والعباد. الأمر الذي يدفع وما زال النخبة الحاكمة في مصر إلى الانحياز ضد حماس الأمر الذي يعني تنفيذ كافة القرارات والتوجيهات والملاحظات التي قد تبديها أو تطلبها الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني لحرب وتفكيك وملاحقة هذه الحركة فضلا عن عدم منحها أي فرصة للنجاح، لأن في وجدانهم الثقافي والفكري نجاح حماس هو نجاح لجماعة الإخوان، ونجاح جماعة الإخوان هو بالضرورة فشل للنخبة الحاكمة في مصر، الأمر الذي يصب بالضرورة حسب أوهامهم في صالح تقدم هذه الجماعة خطوة تجاه تعزيز فوبيا البديل وتراجع النخبة الحاكمة تجاه مخاطر الزوال. وعليه يقع على حركة حماس عبئ كبير لجهة تبديد أوهام النظام المصري وطمأنته إلى ابعد الحدود وبيان وحدة الأهداف المصرية والفلسطينية من وجهة نظر حماس وان اختلفت الوسائل بحكم اختلاف المواقع. فعلى حماس تقع مهمة تجلية غبار الخوف من فوبيا الإخوان المسلمين وذلك بالاستناد إلى المسلمات التاريخية والثقافية والدينية والتاريخية التي تجمعنا، مثل: -العوامل التاريخية والدينية: حيث ارتبطت مصر وفلسطين بالدين الإسلامي والحديث عن التراث الحضاري للإسلام في البلدين هو حديث مشترك ويدفع الجانبين للتقارب والوحدة لا للتنافر والعداء، وهذا ما على حماس أن توضحه والإصرار على تأكيده لمصر. - العوامل السياسية والإعلامية: حيث القضايا القومية التي تهم كلا البلدين كوحدة الجغرافيا وارتباط التاريخ، فضلا عن التداخل الجيواستراتيجي الأمر الذي يجعل من امن فلسطين امن لمصر وبالعكس، وحيث أن الأسس التي تتحكم في نوعية الخبر ومحتواه وكيفية تقديمه للجمهور عند الحديث - في ثقافة ووسائل إعلام الجانبين-  عن العدو الصهيوني هي أسس واحدة، وبالتالي فان القضايا السياسية التي تهم مصر يتم تبنيها ليس من وسائل الإعلام المصرية فقط بل والفلسطينية والعربية كذلك وهذا ما على حماس توضيحه والإصرار على تأكيده لمصر. - العوامل العسكرية والإستراتيجية: حيث أن حاجة مصر الماسة  للحليف والسند العربي في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية، وحاجة فلسطين ليد العرب الحانية عليهم والقوية على عدوهم، تجعل من مصر وفلسطين - وخاصة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس - ينخرطان في حلف استراتيجي لتبادل المصالح والخدمات، وهذا ما يقع على حماس توضحيه للنخبة الحاكمة في مصر. لذلك فان أسس العلاقة بين فلسطين ومصر تقوم على أسس إستراتيجية منطلقة من فلسفة الجغرافيا والتاريخ الموروث الثقافي والديني، والإيمان بوجود مشاعر مشتركة ذات جذور دينية وحضارية وثقافية إضافة لوجود مصالح مشتركة، الأمر الذي يوجب على مصر التزام مطلق بالحفاظ على أمن فلسطين وخصوصا قطاع غزة خاصرتها الشمالية انطلاقا من حق الفلسطيني في العيش في وطنه التاريخي بأمان أسوة بباقي شعوب العالم. وبالتالي فان مقومات الإسناد العربي وفي مقدمه المصري لفلسطين الشعب والقضية والجغرافيا يقوم على اعتبارات إستراتيجية دينية وتاريخية وسياسية وإعلامية متبادلة، ويجب أن تعمل حماس بفطنة وذكاء على إظهار صورة هذا التأييد الدبلوماسي بمزيد من المعونات المالية والاقتصادية والعسكرية وتطوير قدرات الصمود والمقاومة الفلسطينية، وهذا ما يضع على كاهل حماس عبئ توضحيه للدول العربية وخاصة مصر. على اعتبار أن ما يعتري العلاقات المتوترة بين حماس ومصر في هذه الأيام هو نتيجة طبيعية وثمرة بديهية للسياسة الصهيونية القائمة على إستراتيجية فرق تسد التي تتبعها مع محيطها العربي كي يستطيع هذا الكيان الصهيوني العيش متأرجحا فوق حبل المتناقضات التي تحكم المصالح والتي قد تدفع بعض النخب الحاكمة في عالمنا العربي للتحالف مع كيان العدو أملا في بقاء فترة أطول فوق الكرسي. فعلى حماس أن توضح للجميع عامة والنخبة الحاكمة في مصر خاصة أنها حركة فلسطينية تحررية صرفة، وأنها ليست في جيب أحد ولا بيدقا لأحد، وأنها ليست عصا ضاربة في يد أحد، وأنها ليست معنية سوى بعلاقات فوق ممتازة مع عالمنا العربي والإسلامي وفي المقدمة منها مصر، وأنها لا تشكل تهديدا لأحد، وأنها مصرة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي أحد، وأنها ستواصل سعيها لبناء تحالفات غير مشروطة مع أي كان إذا كانت تصب في المصالح العليا لشعبنا وقضيتنا وإذا كانت تقرب يوم التحرير والعودة. ولإيصال هذه المسلمات التي تؤمن بها حماس للنخبة الحاكمة في مصر على حماس أن تكف عن اللجوء للتخاطب عن بعد مع النظام الحاكم في مصر، وأن تلجأ حماس للنخب الفكرية والثقافية المؤثرة في النخبة الحاكمة في مصر،- شخصيات ومراكز ومؤسسات-، والتي تستمع إليها النخبة الحاكمة باهتمام، وعلى حماس بناء علاقات شخصية ومميزة مع الشخصيات وهذه المراكز المؤثرة وصاحبة القرار في مصر لإزالة أي شبهة خلاف أو تعارض قد يحاول كيان العدو بثها أو زرعها بين الجانبين تنفيذا لسياسة فرق تسد التي يتبعها.  الأمر الذي يتطلب من حماس إعداد خطة عميقة تفصيلية ومحكمة للوصول إلى قلب النخبة الحاكمة في مصر والقول للجميع وبوضوح أننا الفلسطينيون مصريون بامتياز إذا تعرضت سلامة وأمن مصر للخطر، وأن المصريون يجب أن يكونوا فلسطينيون بامتياز إذا تعرضت سلامة وامن الفلسطينيين للخطر، تماما كما كان الوضع عندما دخلت كتائب المجاهدين المصريين للدفاع عن فلسطين أرضا وشعبنا في حرب 1948م، وتماما كما انخرطت كتائب م.ت.ف للقتال إلى جانب الجيش المصري في حرب التحرير أكتوبر 1973م فهل تفعلها حماس.