هذه المقالة ألأولى التى أتناول فيها بعض جوانب فن الحكم مستهلا بمحاسبة المسؤوليين والحكام . وقد يكون من المفيد الحديث فى هذا الموضوع خصوصا وأن أوضاع أنظمة الحكم فى بلداننا تعانى من الكثير من القصور والنقد الذى يطال هذه ألأنظمة ، وفى هذا السياق تتعدد التوجهات بضرورة ألأصلاح السياسى . هذا على الرغم من أننا نملك تراثا كافيا لتحقيق ألأصلاح السياسى بعيدا عن النماذج السياسية ألأخرى . وترتبط محاسبة الحكام والمسؤوليين بنزاهة وأمانة الحكم . والهدف من ذلك أصدار القرارات السليمة الكفيلة بحل كافة المشاكل وتلبية أحتياجات ومطالب المحكومين ، وتحقيق عدالة الحكم .وإذا كان المسؤول نزيها فهو لا يرتشى ، ولا يختلس ، ولا يسئ أمانة المنصب الذى يقوم عليه ، فالحاكم أذا أختلس ، وإذا قبل الرشوة ، وإذا أنحرف فى سلوكه ، فلا شك أنه سيخضع منصبه لأغراض ومصالح خاصة على حساب المصلحة العامة . وهنا تضيع المصلحة العامة ، ويهدر المال العام ، وتظهر مظاهر الفساد والظلم ، وتبتعد العدالة ، ,إذا ما ضاعت العدالة ضاع الحق ، وتفشى الظلم ، وتفشت المظاهر الحديثة من العنف والفقر والبطالة ، وغلبة سياسات القمع وألأعتقال ، وتراجع مبدأ سيادة القانون والقضاء . وهذا الذى يفسر سيادة أنظمة الحكم التسلطية والشمولية والفردانية . وهذه المسؤولية والمحاسبة يعبر عنها اليوم بتوافر الآليات والميكانيزمات التى تحول دون محاسبة الحكام والمسؤولين ، وهذا احد أهم الفوارق بين أنظمة الحكم الديموقراطية التى تتوفر لها كل آليات الرقابة والمحاسبة ، وبتوفر منظومة من القيم السياسية التى تحمى النظام السياسى من ألأنحراف ، ومن النزعة الفطرية للحاكم فى الحكم والتسلط: ومن مظاهر ذلك الفصل بين السلطات ، وأستقلال القضاء ، ودورية ألأنتخابات وتداول السلطة ، ورقابة الرأى العام ، ودور وسائل ألأعلام ، وسيادة مبدا الدستورية ، وسيادة مبدا المواطنه الحقيقة التى تقوم على فكرة الحقوق والواجبات ،أما فى النظم المقابله أو الغير ديموقراطية فتنعدم منهاهذه آلآليات وحتى أذا وجدت مؤسسات الرقابة تكون مجرد ورقية أو ديكور لتجميل النظام السياسى . ولذلك أذا اردنا قرارات سياسية رشيده وسليمه ، فلا بد من حاكم ومسؤول نزيه ، ومن هنا فإن المحاسبة والمساءلة تعتبر أحد ركائز الحكم الرشيد .وقد يكون من المفيد ألأشارة الى بعض الصور وألأسس التى جاء بها الدين ألأسلامى ، لتشكل اساسا وأحد الركائز الهامة لضمان رشادة الحكم ، وعدم أساءة الحاكم للمنصب الذى هو فى ألأساس أمانة ومسؤولية كبرى . فالحق تبارك وتعالى يقول فى آية النساء|58 "أن الله يأمركم أن تؤدوا ألأمانات ألى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ......"وألآية تضمن أمرا للحكام والمسؤولين بأن يؤدوا أمانة الحكم الى اهلها ، وبهذا المعنى أذا خان الحاكم هذه ألأمانة يكون قد خان الله ورسوله والناس جميعا . ولضمان نزاهة الحكم يحرم ألأسلام الرشوة ، بقوله تعالى "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام ...." وألاية تضمن النهى عن اكل مال الناس بغير حق ، وايضا النهى بألا تدلوا بها للحكام .لأن المال الذى يدلوا به المحكوم الى الحاكم من صور الرشوة . وفى سياق النهى جاء الحديث النبوى الشريف بالتأكيد على أن لعنة الله على الراشى والمرتشى . وقوله صلى الله عليه وسلم أن الرشوة فى الحكم كفر وهى بين الناس سحت . ويحرم ألأسلام أستغلال السلطة والمنصب والنفوذ ،والقاعده فى فن الحكم فى ألأسلام أن يقبل ألأسان ما يهدى اليه لشخصه ، وليس لمنصبه ، وهنا موقف الخليفة عمر بن عبد العزيز الذى رفض بشده هدية قدمت له ، وقال ردا على أن الرسول قد قبل الهدية :إن كان ذلك له هدية ، فهو لنا رشوة .ولذلك جاء فى كتاب السياسة الشرعية لأحمد بن تيميه أن هدايا ألأمراء غلول ، والغلول لفظ يتصرف دلالة على الخيانة مطلقا.وهو أحد الكبائر فى ألأسلام. ببساطة القول ألأسلام يريد من كل أنسان أن يأخذ حقه فى الحكم . وأختتم بقول الرسول عليه وسلم :أبلغونى حاجة من لا يستطيع أبلاغها ، فإنه من أبلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع أبلاغها ، ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل ألأقدام .هذه القيم الكبيرة تحتاج الى آليات ومؤسسات ، وتحتاج أن تتأصل فى سلوكيات الحاكم والمحكوم ، وفى هذا ضمان نزاهة الحكم ومساءلة ومحاسبة الحاكم والمسؤولين. |أكاديمى وكاتب عربى drnagish@hotmail.com