لم يفاجئنا بيان اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية بالموافقة على الإقتراح الأمريكي المتعلق بمفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل . بهذه الموافقة تكون لجنة المبادرة العربية قد تجاوزت المطالب الفلسطينية بضرورة الوقف الكامل للإستيطان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة , بما فيها مدينة القدس , وضرورة وجود مرجعية للمفاوضات . واكتفت اللجنة بوضع سقف زمني لهذه المفاوضات مدته اربعة اشهر . نقول ان قرار لجنة المتابعة لم يكن مفاجئا لنا . اننا نعرف تماما مواقف الانظمة العربية تجاه قضاياها القومية , والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.نعرف ان عساكرها منوطة مهامها لأمور الداخل . ونعرف ان ثرواتها النفطية والغازية والمالية ليس من اهدافها رفاه وسعادة شعوبها , ونعرف ايضا ان قرارها السياسي والعسكري والإقتصادي بعيدا عن الإستقلال . المستهجن , وليس الغريب , ان تاتي الموافقة العربية على المفاوضات غير المباشرة في فترة بلغ التصعيد الإسرائيلي ذروته , من حيث تسمين ما هو قائم من مستوطنات , ومن حيث تصعيد البناء الإستيطاني في القدس وخارجها, ومن حيث تهويد المقدسات في الخليل وبيت لحم وفي القدس بالذات . وليس من عمل للأنظمة العربية والقيادة الفلسطينية غير التنديد و الإحتجاج والأستنكار وووو... لنا القول ولهم العمل , لنا الصوت ولهم الفعل . المهللون لبيان " لجنة المتابعة العربية" , فلسطينين او عربا , يبررون تهليلهم بالقول ان لا يجوز عدم التحرك في الوضع الساكن ,ويقارنون هذا الإجتهاد العربي باجتهاد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في موافقته على مشروع روجرز عام 1969 لإعطاء الفرصة للجهد الدبلوماسي كي يعمل . المقارنة خائبة ومضللة , عبد الناصر اراد من موافقته تلك امرين , اولهما مراعاة الأصدقاء انذاك في جهودهم الدبلوماسية والسياسية , مع علمه المسبق بالنتائج وثانيهما استغلال الفرصة لتعزيز الجهد العسكري المصري استعدادا للمعركة المؤكدة مع اسرائيل . نعود الى فكرة المشروع الأمريكي حول المفاوضات غير المباشرة . اعتقد ان القيادة الفلسطينية و" لجنة المتابعة" لم يجانبهما الصواب في التخلي عن المطالب الفلسطينية السابقة لإستئناف المفاوضات , ذلك لاسباب عديدة ومنها اولا : الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة , يمينية كانت او يسارية ( لا اؤمن بوجود يسار حقيقي في اسرائيل ) لها هدف صهيوني رئيس , ملخصه الإستيلاء على الأرض , وتهجير السكان الأصليين – الفلسطينيين . ويبدو ان هذه الحقيقة غائبة عن ذهن المفاوض الفلسطيني والعربي . ثانيا : القيادة الفلسطينية تستظل بالشجرة العربية الهرمة , التي لا تقي من حر ولا من برد ثالثا : القيادة الفلسطينية لها تجربة عتيدة , مديدة مع المفاوض الإسرائيلي , وقد قيل "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين " , فما لنا نستهوي اللدغ مرارا !! رابعا : الحال الفلسطيني لا يُسر صديقا ولا يُكيد عدوا , الإنقسام الجيوسياسي يأكل الأخضر واليابس , يخدم العدو , ويدمر الذات , ولا يزال الصراع الداخلي يعمي العيون عن الصراع الحقيقي . لقد استبد وباء التأقلم بالإحتلال حتى غدت الذات عدوة نفسها . خامسا : الأيام المتزامنة مع صدور بيان " لجنة المتابعة العربية " تميزت بأفعال اسرائيلية على الأرض توحي , لا بل تؤكد, النية الإسرائيلية من المفاوضات , واعني بتلك الأفعال ما قامت به اسرائيل تجاه المقامات المقدسة في الخليل , وبيت لحم , والقدس . سادسا : تراجع الإدارة الأمريكية , امام الضغط الصهيوني , عن ما طرحته في خطاب الرئيس اوباما في القاهرة , يُنذر بدوام الإنحياز الأمريكي تجاه اسرائيل . سابعا : السقف الزمني الذي طرحه بيان " اللجنة " سيكون كارثيا على قضيتنا . بالقطع لن يحدث انفراج في المفاوضات في صالح القضية , وماذا بعد ؟ هل سنخاطب المجتمع الدولي بالقول إننا اعطينا الجهود الدبلوماسية فرصتها ولم نصل الى نتيجة , والآن جاء دوركم ؟؟ هل سنذهب الى مجلس الأمن ؟ وماذا ينتظرنا هناك غير الفيتو الأمريكي ؟؟ هل تسحب الدول العربية مبادرتها المعروضة عاى اسرائيل منذ قمة بيروت ؟؟ هل تعيد القيادة الفلسطينية النظر في مشروع الدولتين الذي بلا ادنى شك اثبت فشله ؟؟ ...... ننتظر ثامنا : لجنة المتابعة العربية ليست هي المرجعية المخولة باشعال الضوء الأخضر او الأحمر للقرارات الفلسطينية المصيرية , مهمة اللجنة اساسا كان في متابعة مصير " المبادرة العربية" . واخسرا وليس اخرا هل عاد ت القيادة الفلسطينية الى وضع قضية شعبها في احضان الأنظمة العربية بعد صراع طويل عن استقلالية القرار الفلسطيني ؟ هل عدنا الى سياسة " اللجنة العربية العليا " في الأربعينيات من القرن الماضي ؟ اذن عقولنا تلكست , وتفكيرنا تصحر .. والسلام على ما تبقى من رقع جغرافية في فلسطين