خبر : لجنة تقصي الحقائق حول التعذيب في الـمعتقلات الفلسطينية ... هاني المصري

السبت 06 مارس 2010 12:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
لجنة تقصي الحقائق حول التعذيب في الـمعتقلات الفلسطينية ... هاني المصري



 لن أكتب هذه الـمرة عن قرار لجنة الـمتابعة العربية بالـموافقة على استئناف الـمفاوضات العبثية، وإن بصورة غير مباشرة؛ لأن هذا الـموقف كان متوقعاً. فطالـما أن العرب أسقطوا جميع الخيارات والبدائل باستثناء خيار الـمفاوضات كأسلوب وحيد، لن يكون بمقدورهم سوى أن يستأنفوا الـمفاوضات بعد كل مرة تقف فيها، لأسباب تتعلق غالباً بعدم استقرار الحكومة الإسرائيلية وذهاب إسرائيل لانتخابات مبكرة. نتمنى لـمرة واحدة أن يتم وقف الـمفاوضات؛ احتجاجاً على مجزرة أو عدوان أو على التعنت الإسرائيلي، بحيث لا تستأنف إلاّ إذا التزمت إسرائيل بمرجعية واضحة ملزمة أساسها إنهاء الاحتلال ووقف جميع الخطوات التي يقوم بها الاحتلال لخلق أمر واقع يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد الـمطروح والـممكن عملياً.استئناف الـمفاوضات وفقاً للشروط الإسرائيلية يعني أن العرب مغلوبون على أمرهم، وأنها محكومة للفشل وأن ما تعرضه إسرائيل على الفلسطينيين (خصوصاً في ظل حكومة نتنياهو) أقل بكثير مما يمكن أن يقبله أكثر الفلسطينيين اعتدالاً، يكفي تعليقاً على هذا القرار أن نذكر بالـمثل الشعبي "إللي بجرب الـمجرب عقله مخرب".في هذا الـمقال سأكتب عن التعذيب في الـمعتقلات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.ما دفعني إلى ذلك هو البرنامج الـمميز "لجنة تقصي الحقائق" الذي بثته (بي.بي.سي عربي) وكان مخصصاً في الأسبوع الـماضي للتعذيب في الـمعتقلات الفلسطينية.آخر ما كان يتوقعه الواحد فينا أن يتعرض الفلسطيني للاعتقال ومن ثم للتعذيب على يد فلسطيني آخر، لأن الفلسطينيين جميعاً ضحايا الاحتلال، وتعرض حوالى مليون منهم للاعتقال منذ الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، وعانى الآلاف منهم من التعذيب بكل أنواعه.وبرزت هذه الظاهرة بعد توقيع اتفاق (أوسلو) وما أحدثه من خلاف حاد، خصوصاً بعد تأسيس السلطة، وتفاقمت كثيراً بعد الانقسام السياسي والجغرافي في حزيران من العام 2007.الـمأساة تظهر بكل بشاعتها، عندما نعرف أن بعض الذين يمارسون التعذيب بحق أبناء شعبهم هم أنفسهم كانوا عرضة للاعتقال والتعذيب على أيدي سلطات الاحتلال.ظاهرة الاعتقال لا تنحصر في حالات فردية، بل لقد اعتقل الآلاف منذ الانقسام السياسي والجغرافي، غالبيتهم على خلفية سياسية تمس غالباً انتماءهم لـ"فتح" أو "حماس"، وتعرض الـمئات منهم إلى التعذيب، وبعضهم إلى حد الـموت.كما شهدنا حالات إطلاق نار في غزة على "ركب" عدد كبير من الفلسطينيين. إن السبب الأساسي وراء هذه الظاهرة هو الانقسام وسعي كل طرف للدفاع عن سلطته وتعزيزها ومحاربة كل ما يعتقد أنه يهددها، وذلك رغم أن التهديد الأساسي للفلسطينيين، "وسلطاتهم" الـمتعددة الـمتحاربة، هو الاحتلال الذي لا يميز بين فلسطيني وآخر، بين "فتح" و"حماس"، بين معتدل ومتطرف. فالفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الـميت، أو الذي خارج فلسطين أو الذي رفع أو مستعد لرفع الراية البيضاء تعايشاً مع أو استسلاماً للاحتلال.من حيث الـمبدأ، يفترض أن يكون الاعتقال السياسي ممنوعاً ومحرماً، فهو جريمة يعاقب عليها القانون مثله مثل التعذيب. فالدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته ومصالح الإنسان هو الواجب الأولي لأية سلطة وطنية وعصرية وديمقراطية، وهنا لا ينفع التلطي وراء أن الـمعتقلين اعتقلوا على خلفية جنائية تتعلق بتهريب الـمال أو السلاح أو تهديد الأمن، لأن مثل هذه التهم تلقى جزافاً دون دلائل بحيث يمكن أن يتعرض لها أي إنسان. كما من غير الـمقبول تحميل الـمسؤولية عن التعذيب إلى التجاوزات الفردية، لان من يتجاوز القانون يجب أن يحاسب حساباً عسيراً يتناسب مع الجريمة التي ارتكبها.الـمعيار الأساسي الذي يجب أن يحكم، والقاعدة الأساسية التي يجب أن تتبع هي أن الـمتهم بريء حتى تثبت إدانته، لا العكس، بحيث يتم التعامل مع الإنسان كمدان حتى تثبت براءته.إن الدليل الدامغ على كذب ادعاءات "السلطتين" في الضفة الغربية وقطاع غزة حول عدم وجود معتقلين سياسيين، أن الغالبية الساحقة من الـمعتقلين الذين أطلق سراحهم أو لا يزالون رهن الاعتقال (والذي بلغ عددهم الآلاف)، لـم توجه إليهم أية تهم حقيقية، أو لـم يحولوا إلى محاكمة، وأن من عرضت قضيته على محكمة العدل العليا تمت تبرئته. فـ100% من الـمعروضين على محكمة العدل العليا تم تبرئتهم لعدم وجود قضية أو لعدم سلامة الإجراءات القانونية في اعتقالهم. ولتجنب الـمحاكم الـمدنية تم تحويل بعض الـمعتقلين للـمحاكم العسكرية في انتهاك آخر للقانون.وعندما تسأل لـماذا يحدث ذلك، يقال لك إن القانون ناقص، و الـمحاكم الـمدنية ضعيفة، وإن هذا و ذاك هو الـمسؤول عن الانتهاكات التعسفية لحقوق وحريات الإنسان الفلسطيني. ياللهول!!.لا أستطيع أن أنهي هذا الـمقال دون أن أسجل أن هناك تحسناً ملـموساً في كيفية التعامل مع مسألة الـمعتقلين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث هناك انخفاض ملـموس في عدد الـمعتقلين، وفي التعذيب، وتحسن في الـمعاملة، وهذا يرجع إلى غضب الشعب من هذه الظاهرة وإلى حملة الانتقادات الفلسطينية والدولية خصوصاً التي مارستها منظمات حقوق الإنسان، وإلى ــ وهذا هو الأهم ــ أن "السلطتين" شعرتا بالاستقرار وتراجع التهديدات من الواحدة للأخرى، بحيث أصبح هناك نوع من التعايش مع الانقسام، ونوع من الاعتراف الواقعي من كل سلطة بالسلطة الأخرى.إن ما سبق يتضح من أن الحديث الآن يدور، كما ورد في الورقة الـمصرية عن لجنة فصائلية مشتركة، تنسق عملياً بين "السلطتين"، وليس عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو وفاق وطني على أساس برنامج سياسي مشترك.إن السلطة التي تدعي أنها ديمقراطية ووطنية وشفافة، عليها أن تقدم نموذجاً مختلفاً يتم فيه احترام حقوق وحريات الإنسان والحريات العامة، خصوصاً حرية الإعلام وحرية التجمع والتظاهر والاعتصام، وحرية التعبير التي تشمل حق انتقاد الحكام والسياسات وكل شيء دون الوقوع بالتشهير والتحريض والقذف. فالـمسألة لا تنحصر بالاعتقالات والتعذيب فقط، بل إن هناك انتهاكات تمس جميع الحريات وتهدد بسيادة أنظمة بوليسية وقمعية.وهنا لا ينفع أن تدعي كل سلطة أنها أقل انتهاكاً للقانون والحريات وحقوق الإنسان من السلطة الأخرى، بل نريد أن نرى سباقاً على احترام سيادة القانون والحريات وحقوق الإنسان، ومن يقدم نموذجاً في هذا الاتجاه، يستحق الدعم والتشجيع والثقة من الشعب، ومن يفعل ذلك سيعطي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الأولوية القصوى على أي شيء خر. فدون وحدة وطنية تضيع القضية، والبرنامج الوطني يغيب، والإنسان الفلسطيني يعاني معاناة مضاعفة!!.