نزلت علينا سيول إن لم تكن اكبر من ذلك من الرسائل الالكترونية والبيانات السياسية والصحفية المتعلقة بنقابة الصحفيين وانتخاباتها سواء قبل إجرائها أو بعد ذلك، مع اختلاط الكثير منها بمصادر غير معلومة، مما يظهر حالة غير صحية وصحية في نفس الوقت. الملفت للنظر في كثير من البيانات أنها استخدمت ألفاظ وعبارات تخرج عن سياق الهدف الذي يصدر البيان الصحفي من أجله، وهو النضال السلمي، واحترام الآخر، ومحاولة تصحيحه سلمياً من خلال تشكيل رأي عام يقنع جموع أخرى برأيه والسعي نحو الضغط بشكل معين على الطرف الآخر للتراجع عن مواقفه. نقابة الصحفيين الفلسطينيين، هي بيت للصحفيين جميعاً، هكذا من المفترض أن تكون عليه، بالرغم من أن الممارسة العملية تبرهن عكس ذلك، وبما أن الصحفيين هم أصحاب " الألسنة الطويلة "، بالتالي من الطبيعي أن يظهر هذا الكم الكبير من التصريحات والبيانات المتعلقة بشأن الانتخابات وسعي كل طرف للحصول على ما يدعم موقفه. لكن المزري فيما ظهر وسيظهر في المستقبل هو استخدام ألفاظ خارجة عن السياق العام، ومحاولة تخوين الآخر، واستخدام كل أساليب الابتزاز وعكس العبارات المستخدمة في الساحة الفلسطينية نتيجة الانقسام على واقع نقابة الصحفيين وما حولها. ثقافة باتت "تعشعش" في عقولنا، "إن لم تكن معي فأنت ضدي"، مع انه ليس بالضرورة من ينتقد طرف أن يكون الطرف الآخر هو مكانه، وليس بالضرورة من يريد أن يصحح خطأ له مصلحة في وضع معين يكون له نصيب فيه. وتزخر ردود الفعل دائماً بمحاولة إيجاد المثالب في موقف الآخر والرد عليها، من خلال نقد جارح في كثير من الأحيان، دون الرد على جوهر المسألة أصلاً، وذلك استسهالاً وضعف الموقف المدافع عنه. الكل يعلم بأن طبيعة الأحزاب السياسية مبنية على الحصول على مكاسب سياسية في كل مكان وزمان، وأن مصلحتها الحزبية هي الأولى وتتقدم على مصلحة الجموع، وقد يكون في واقعنا الفلسطيني مبرراً لذلك، لكن المعضلة تكمن في أن كل طرف يعلن غير ذلك، ويكرر مراراً أنه يسعى للمصلحة العامة، في حين أن الواقع يبرهن عكس ذلك تماماً. نقابة الصحفيين وانتخاباتها، لا يمكن لعاقل أن يقر بأنها جرت وفق الحد الأدنى من الأصول القانونية والمهنية، خاصة وأنها بيت الصحفيين وليس أصحاب أي مهنة أخرى، وقد يقول البعض إن الانتخابات أصبحت أمراً واقعاً، ويجب التعامل مع المجلس الجديد، ولكن السؤال الذي "يناطح" نفسه "من يضمن بعد ذلك في أي انتخابات قادمة – في حال تم تجاوز الأزمة – أن الأمر لن يصبح مرة أخرى أمراً واقعاً؟!"، و "ما الضير في أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة فوراً إذا كان القائمون على المجلس الجديد والمنتخب يؤمنون بالديمقراطية والشفافية؟!". احزن كثيراً عندما أرى تعليقات وتصريحات وبيانات تتحدث عن انتخابات نقابة الصحفيين ولا تأتي – إلا خجلاً – على عدم مشاركة صحفيي قطاع غزة في العملية الانتخابية، وكأن الحال "كمن لا يسمع إلا نفسه". بعض الأطراف والأحزاب تظن بأن حصولها على مكان في النقابة العتيدة -لاسيما الأحزاب الصغيرة - ستتيح لها مكاناً في وسائل الإعلام، لتقول ما تشاء، وكأنها لا تعلم بأن وسائل إعلامنا الفلسطينية هي في معظمها ملك لأحزاب سياسية كل منها يغني على "نهاره وليلاه". في ذات الوقت، من المخجل أن ترى صحفيين يقولون بأنهم مستقلون ومهنيون، ويستخدمون أساليب الأحزاب السياسية وعبارات الردح المنتشرة والمستشرية في وسائل الإعلام الحزبية، وينتقد الكل الآخر بأسلوب غير مهني وغير مستقل أصلاً، وذلك فقط كي يسمع له صوتاً، أو من باب دغدغة العواطف والمشاعر وتلاقياً مع كثير من المواقف المصطف معها في كثير من الأحيان. وترى أصوات غير معلومة تزمجر وتزأر منتقدةً هذا وذاك، دون أن تعلن عن نفسها، خوفاً ووجلاً، مما يطعن في قدرتها على التأثير، فـ "النكره" لا يمكن أن يقنع معلوماً، والإشاعة قطعاً لا يمكن أن تكون دليلاً. التناقض واضح وجلي في كل الأفعال وكل الأقوال، وتبدل المواقف بين الحين والآخر قد يكون مقبولاً في وقت معين، لكنه غير مقبول في وقت يحصل فيه الطرف الذي ينتقد على منفعة أو مكسب، ويثبت بشكل واضح أن النضال المطروح في معظمه هو لمصلحته أو مصلحة حزبه فقط. يناضل الصحفيون الفلسطينيون يومياً من أجل نقابة تلم شملهم، ونضالهم سواء كان من المؤيدين أو المعارضين اتخذ في أوقات كثيرة منه شكلاً ايجابياً، ولكن المؤسف أن الحالة الفلسطينية دائماً ترهن كل فعل بالـ"مؤامرة". وكأن كل جهة تقول "أنا ربكم الأعلى". المدهش في الأمر أن الكل يعلي صوته، ويزيد في علوه يوماً بعد يوم، حتى يكاد يشق عنان السماء، ولكن لا طرف يريد أن يسمع صوت الأخر، ويصم آذانه عن السمع، وبدلاً من أن يكون الإصغاء الفن السائد، تماشياً مع مبدأ أن الصحفي "يشتري أكثر مما يبيع"، لكن وبكل أسف سيد الموقف في نضال الصحفيين هو فن الأقوال. · رئيس مجلس إدارة المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية