قضية اغتيال الشهيد محمود المبحوح كما يقولون " قتلت بحثا" فلم يبقى أحد تقريبا من الكتاب وأصحاب الرأي لم يكتب في أبعاد ودلالات ومؤشرات اغتيال الشهيد محمود المبحوح سواء من ناحية الزمان والمكان والجهة المنفذة وعدد القتلة. وما زالت هذه القضية تأخذ أبعادها كاملة في مختلف وسائل الإعلام، حيث يستبعد المتفائلون أن تتحول هذه القضية إلى بعض مقاطع جافة من خريف عمليات عفوا جرائم الاغتيال السابقة ، كما يتمنى البعض الآخر أن لا تنضم أبعاد وارتدادات هذه الجريمة إلى التيه في صحراء وعود الرد والانتقام كي نجنب أنفسنا ومجاهدينا الأحياء خطر الموت لهم ولقضاياهم العادلة . ألم تلاحظوا معي أنه وأمام عدالة قضية اغتيال المبحوح غاب زعران المناكفات وفتوات الفضائيات، وتواروا خلف مئات الحجج والمعاريض التي نثروها في وسائل الإعلام في مشهد هوليودي ليبرروا مشاركة بعض أزلامهم في تسهيل تنفيذ الجريمة. ..!!. ألا توافقونني أنه ومع كل جريمة اغتيال ينفذها العدو بحقنا مهما اختلف لون المستهدف بان المصداقية تمعن في أن تشيح بوجهها عن ميدان الفعل، حتى أصبحنا لا نشبه أنفسنا أمام شعوب العالم التي تتوقع منا بعض من كرامة تتقدمها عمليات ثأر لجرح غائر أصابها.!!. هل علينا أن نقوم بطمر قوتنا وخطاباتنا النارية ومعها وعودنا تحت ركام المصائب التي خذلت شعبنا كما خذل أخوة يوسف أبوهم يعقوب، حتى نقوم ولو مرة بعمليات لا تقل عن عملية الجهة الشعبية التي ثأرت لاغتيال أبو علي مصطفى بذبح رحبآم زئيفي.!!. لا شك أن شعبنا كان يملأه الأمل بأن يتجاوز أوجاع الجرائم السابقة ببشاعتها ورائحتها التي أزكمت الأنوف والتي غيب عمالقة كأحمد ياسين وياسر عرفات وقافلة طويلة من الرجال الرجال، كما كان يأمل أن نتفوق على ضعفنا وعلى الارتهان لرغبات الأباطرة الذين سلخوا جلود أشرافنا وسرقوا رصاص الشرف من جعب جنودنا، لا أن تمر هذه الجرائم كما تمر الغيوم الحبلى على الأرض الجرداء كالأطياف. كما كان شعبنا يأمل ولا يزال بأن لا نسمح بتمدد البلطجة والزعرنة الصهيونية كالورم السرطاني في بلادنا كما في بلاد العرب والمسلمين . ومع أني لست مع تعقيد الأمور، فإني لست مع منح الشيطان فرصة للأمان، كما لست ضد الإشارة إلى الخلل بهدف التصويب، لا أن يصوب بعض الكتاب أقلامهم نحو صدورنا، ولست مع القفز على الحقائق لصالح تكريس الاغتيال المنظم لكل ما هو حر وشريف ومقاوم. إلا أنني وفي ذات الوقت لا اعتقد أن انهار مناشير الإدانة والاستنكار ولا سيول الخطابات ولا بريق الكاميرات وآلاف الوعود ستروي عطش شعبنا أو تشفي صدره، بعدما ضاقت به عرصات المصطلحات التبريرية التي لا تنتهي لعدم الرد على العدو ردا يوازي حجم جرائمه التي باتت بحجم العالم الذي يسخره لخدمة أهدافه الدنيئة، والتي حولت سماءنا إلى مظلة خانقة والى قبر كبير. كلمات كبيرة ما زلات تتردد على ألسنتنا من قبيل،: لن تضيع دماء شهداءنا هدرا ، الرد آت، سننتقم لا محالة، نحن من يحدد زمان ومكان وميدان المعركة القادمة ، إلى آخره مما تكرر في خطاباتهم شبه الارتجالية، التي تتناثر كقصص شهرزاد، والتي لم تضع حدا لليل البلطجة الصهيونية التي فرضت على شعبنا أن يتعود على التعامل مع مصيبته كما يتعامل مع الليل والنهار. إلا أنه وفيما المحنة ما زالت تختلف عنفا وتزداد اتساعا، وتفرض معادلة جديدة على الأرض في سبيل تحقيق أماني الأعداء في إسقاط خيار شعبنا في وطن حر مهما بلغت التضحيات، فإننا رأينا بعضنا يزداد مراوغة خارج الحدود في انتظار مزيد من الهدايا الموقعة برهن العمالة والخيانة بينما كرة الدماء والأشلاء تستقر في المرمى الفلسطيني.. فهل ما زال علينا أن ندفع من لحمنا ودمنا ووحدتنا الضريبة الصهيوأمريكية المفروضة علينا برهن رضاهم، وفيما ينسج البعض من مصداقيته لمكرهم وجاء.!. لماذا على شعبنا مواصلة النظر إلى جثث ودماء مجاهديه بنظارة عجزهم التي لطالما صادرت ذاكرة الصراع الملتهبة غضبا وانتقاماً.! ولماذا لا تسمح فصائلنا المقاومة للبعض بإطلاق عقولهم المبدعة والوقادة لتوقد في تل أبيب نار أيام لا تنقضي من الغضب والثأر!. لماذا لا نترك للحرب المفتوحة التي بدأها العدو في غير ساحة من ساحات العالم المستباحة أن تأخذ أبعادها كاملة، وأن تغير تضاريس الأجساد والدماء والأشلاء ارض المواجهة قبل أن يغير الموساد علينا مرة أخرى..! وهل على مشاهد دمائنا وأشلائنا وعارنا أن تتقدم نشرات أخبار الفضائيات، في الوقت الذي تتراجع فيه وعودنا بالرد والثأر.! أم هل على شحنات السلاح أن تتقدم نحو المخازن كما يتقدم المحكومون بالإعدام نحو حبال المشانق، وأن تتراجع تحصينات رجالنا لتنهب جنازير دباباتهم شوارعنا ولتأد الحياة فيها بعدما كانت تضج بالحياة والأحياء الذين وضعت ثقافة القتل الصهيونية حدا لهم، قبل أن نقف لنفكر قليلاً..!! لماذا على برود الموت والجريمة أن يغلب دفئ أجساد مجاهدينا ونعومة طفولة أولادنا قبل أن نأخذ القرار بالتحرك!. وهل سيعود البعض ليشهد كيف غيرت قراراته الأمنية السرية معالم النفوس، حيث كانت المقابر تستعد لاستقبال ضحاياها، وحيث كان الأموات يحتمون بالقبور من رصاص يفيض غضب كي لا يقتلهم مرتين، بعدما تحولت الجثامين إلى أهداف عسكرية لمجرمي فرق الموت الصهيونية. وهل علينا أن نقف عند حافة قبورنا حتى نقف عند حقيقة فاجعتنا، وحتى ندرك أن هناك من ينقب أحلامنا وثقتنا وأخوتنا ووحدتنا كي تأخذ "إسرائيل" صورتها التوراتية على حساب أشلائنا.!. الآن وبعد أن طوت فلسطين فراش مطرز بمئات الأسماء الكبيرة والمقامات العالية التي ساهمت في قتلها البنادق المأجورة التائهة، وبعدما عاد بعض جنود مقاطعة رام الله وكل المقاطعات المشابهة في دولنا العربية والإسلامية بعار لا فكاك منه، وبعد أن خمدت نار الحرب على غزة تاركة وشما غير الوجوه، هل سيجني شعبنا ثمرة الوعود بالرد والثأر أم ستلسعه أشواك تبريرات القعود..!!. بقلم:عماد عفانه