خبر : نقابة الصحفيين التي نريد / بقلم: عماد محسن

الأحد 28 فبراير 2010 03:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
نقابة الصحفيين التي نريد /  بقلم: عماد محسن



لعب الإعلام الفلسطيني الحديث دوراً مهماً ومتميزاً في عملية الكفاح الوطني المتواصل ضد الاحتلال وفي مواجهة سياساته المختلفة، وقد برهنت الحرب الصهيونية القذرة على قطاع غزة نهاية العام المنصرم على أهمية الدور الذي تلعبه عدسة الصحفيين وأقلامهم في مواجهة كل هذا البطش، ولا نكاد نجافي الحقيقة في شيء لو قلنا أن للإعلام الدور الأبرز في حسم المعركة للصالح الجمعي الفلسطيني، وإذا كانت إسرائيل قد أوغلت فينا قتلاً على مدار شهر بأكمله إلا أن خسائرها على مستوى الرأي العام الإنساني فاقت بمراحل مجموع خسائرنا على المستوى المادي والبشري، وستحتاج الوكالة الصهيونية واللوبي اليهودي العالمي إلى عقود لترميم صورتهم التي أصبحت في الحضيض بفعل ما اقترفته أيديهم بحق أطفال غزة، ونستطيع القول بفخر أن الصحفي الفلسطيني ـ وإن كان يعمل لصالح وسيلة إعلام عربية أو أجنبيه ـ قد كان أحد أبطال المعركة وواجه بشرف آلة المحتل في مناطق العمليات الساخنة وانتصر بالصورة والصوت وتمكن من فضح جيش المحتل الذي يتباهي بأخلاقيات جنوده فيما يقترف هؤلاء الجنود وبأوامر من قادتهم أبشع الجرائم بحق الإنسانية وبحق القانون الدولي الإنساني الذي ما فتئت إسرائيل تتغنى به.لم يقتصر دور الصحفي الفلسطيني على النضال في مواجهة الاحتلال، بل تعداه إلى أداء متميز على الصعيد الوطني الداخلي، حيث ساهم الإعلام الفلسطيني في توعية الجماهير الفلسطينية والعربية وتعبئتها فكرياً استعداداً للكفاح الخلاق في مواجهة المخططات التي تستهدفها، وكان له باع طويل في تهيئة المناخ القومي العام وشحذ همته في هذه المواجهة الحضارية التي تتعلق بماضي الأمة ومستقبلها، ولا عجب في أن الإعلاميين الفلسطينيين قد تبوؤوا مواقع حساسة في الهيكل القيادي للثورة الفلسطينية المعاصرة، ولا يخلو حزب أو حركة أو جبهة فلسطينية من وجود إعلاميين في أرفع المواقع القيادية، وعلى مستوى الفضاء العربي نجد أسماء فلسطينية لامعة، ولا ينكر أحد أن الكثير من نجوم الإعلام العربي هم من أصول فلسطينية، ناهيك بالطبع عن عشرات الجوائز الدولية التي يحصدها صحفيون فلسطينيون كل عام، بحيث بات جائزة فلسطين شبه مضمونة لمجرد مشاركتها في أي فعالية تتصل بالإعلام في بقاع الأرض كلها.إن إعلاماً ناضجاً بحجم الإعلام الفلسطيني ـ نقصد هنا الأداء فحسب ـ يستحق بنية نقابية صلبة ومتينة وداعمة، نقابة تمثل في هيكلها وبنائها سلطة رابعة بحق، وتملك القدرة على الدفاع عن منتسبيها وتتبنى قضاياهم، في زمن أصبحت فيه حرية الرأي والتعبير من البديهيات، إلا أنها في فلسطين ما تزال محصورة ضمن خانات حزبية ومرتبطة بمصالح الجهات التي تقف على أمر الناس في أنحاء الوطن، هذه الحرية تتطلب منهجاً متكاملاً للتصدي لمحاولات تقييدها أو وضعها ضمن قالب يعتمد النفاق السياسي حتى نرضي هذا الفريق أو ذاك، وبالتالي فإن الحاجة إلى نقابة صحفيين راسخة البنية وقوية الدعائم ليس مطلباً ترفياً ولا يصادف هوى في نفوس النخبة بقدر أنه حاجة ملحة وضرورة تقتضيها طبيعة الأشياء في ظل هذه الظروف التي يجب على الإعلام الفلسطيني أن يلعب فيها دوراً لإيقاظ السياسيين من غفلتهم قبل أن يبتلعنا غول الانقسام وينقضي أمر قضيتنا الوطنية محفوظاً في أرشيف الثورات الفاشلة.نقابة الصحفيين التي نريد ليس حزبية ولا يطغى فيها الساسة ورجال الأمن، فهؤلاء "وصفة جاهزة" لتخريب أية بنية نقابية، نقابة لا ضم في عضويتها "ضابط أمن" ـ بغض النظر عن مشربه السياسي ـ لأن هؤلاء يتفننون في قمع حرية التعبير ويقضون مضجع كل عامل من أجل ضمان حرية الرأي في كل بلاد الدنيا، نريد نقابة تحدد لنا من تريد في عضويتها، فإذا كان مراسل القناة الفضائية ليس حاصلاً على تأهيل أكاديمي في حقل الإعلام والاتصال قيل أنه غير ملائم لعضوية النقابة، وإذا كان أستاذاً جامعياً في ميدان الإعلام والاتصال ولا يعمل في وسيلة إعلام محددة قيل أيضاً أنه غير لائق لعضوية النقابة، وإذا كان خريجاً من إحدى كليات الإعلام ولم يجد عملاً صحفياً بعد انقضى أمره بالحرمان من عضوية النقابة، فهل نحن أمام مشهد يتطلب قانوناً يحدد "من هو الصحفي" على غرار قانون الكنيست الصهيوني "من هو اليهودي" ؟ !!نقابة الصحفيين التي نريد يقف فيها عضو النقابة المنتمي إلى حركة حماس ليتضامن مع زميل له محسوب على فتح وتعرض لإيذاء في غزة، ويقف فيها عضو النقابة المنتمي إلى فتح ليتضامن مع زميله المحسوب على حماس وتعرض لإيذاء ما في رام الله، أما أن "يبرر" أهل غزة أفعال رجال أمنهم و"يبرر" أهل رام الله أفعال رجال أمنهم فهذا والله عيب وعار على جبين من يحمل رسالة "الدقة والموضوعية والحياد"، نريد أعضاء في النقابة يعتبرون ثقافة السباب والردح والشتائم من المحرمات التي "يكفّر صحفياً" من يُقدم عليها، نريدها نقابة فلسطين كل فلسطين، نقابة نحن وليست نقابة "أنا" نقابة "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غير خطأ ويحتمل الصواب" لا ثقافة "أنا على حق وغيري على باطل"، فهذه وصفة مضمونة لانهيار الجسد الإعلامي الفلسطيني وتداعيه كما تداعي من قبله النسيج الاجتماعي والوطني.نريد نقابة يتمثل فيها الكل الوطني، بنسب متفاوتة، وتكون ضمانة لرفع الظلم الذي تعرض له مئات الإعلاميين وعشرات المؤسسات الإعلامية في ظل أجواء الانقسام البغيض، نقابة يفخر الإعلامي الفلسطيني بالانتماء لها والتعويل عليها في مواجهات مستمرة بين من يمتهنون الكلمة وبين من يريدون لنا صمتاً أبدياً يضمن لهم تفرّدهم بشؤون الناس ومعالجة قضاياهم دون توجيه أو إرشاد أو رقابة أو حتى "كلمة حق عند سلطان جائر".