لست هنا في مقام التجريح أو التخوين أو أياً من تلك الكلمات وأخواتها، ولكن لنقف هنا وقفة عقلانية، فبحكم مهنتي كصحفي فلسطيني أحمل هم قضيتي وشعبي كان لازماً علي أن أضع الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي أمام الحقائق في وطننا الغالي فلسطين، فهذه أمانة نحملها في أعناقنا كصحفيين وكُتاب وأدباء .. بالأمس تزاحمت وسائل الإعلام بنشر خبر مفاده أن الاحتلال قرر ضم الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل ومسجد بلال بن رباح في مدينة بيت لحم في الضفة المحتلة، إلى قائمة المواقع "الأثرية اليهودية"، الأمر الذي استثار غضب كافة المؤسسات الدينية والحقوقية والمدنية وكافة أبناء الشعب الفلسطيني، إلا أنني - أتحدث عن شخصي - لم أسمع عن استنكار السلطة الفلسطينية في رام الله لهذه الجريمة الجديدة وهذا التهويد الخطير للمقدسات وللمدن الفلسطينية التي تقول السلطة بأنها تسيطر عليها. ظل موقف الدفاع عن المقدسات الإسلامية من قبل كافة أبناء الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة هو الخيار الأوحد لوقف الاحتلال عند حده، رئيس الوزراء إسماعيل هنية في غزة دعا لقيام انتفاضة في وجه الاحتلال الإسرائيلي رداً على هذا القرار وقال: " لن نعترف بهذا القرار الإسرائيلي".إلا أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان له موقفاً مغايراً تماماً يثير الغضب صراحةً ويثير غضب كل فلسطيني غيور صاحب قضية ويخشى على مقدساته فقد صرح قائلاً: " الأمل لا يزال قائماً بالمسار التفاوضي" !!!، ولكن مهنياً فيما أقول لم يكن هذا الكلام من الرئيس كتعقيب على القرار الإسرائيلي ولكن جاء بعده بساعات، فماذا يعني ذلك ؟!. يبدو أن كل الأدوية والجرعات واللكمات التي تلاقها سيادة الرئيس للاستفاقة من حلمه الكبير في أن تحقق المفاوضات السلمية شيء لم تجدي نفعاً، فما تابعناه خلال الفترة الماضية تبين أن كل الفصائل الفلسطينية باتت ترفض المفاوضات مع الاحتلال، وكذلك عدد من الشخصيات الفلسطينية المعروفة المقربة من السلطة الفلسطينية باتت أيضاً غير راضية عن هذه المفاوضات . فإذا كانت الفصائل والقوى الفلسطينية مجتمعة ترفض هذه المفاوضات التي طالما وصفتها مجتمعة بأنها عبثية ولن تحقق منفعة للشعب الفلسطيني بل هي مجرد ضياع للوقت وللحق الفلسطيني، فبالتأكيد إن كل الشعب يرفض هذه المهزلة التي لا تجلب له سوى الويلات فلو أُجري الآن استطلاعٍ للرأي على الشعب الفلسطيني لهذه المفاوضات فأجزم أن نسبة ستتجاوز كحد أدنى الـ80 % إن لم تكن أكثر سترفضها بكل قوة . وإذا كان الكل يرفض هذه المفاوضات، فلماذا يصر الرئيس أبو مازن على نفخ الروح فيها في كل مرة ويتغنى بها كشعاراً وحيداً له ؟ وأتساءل بصراحة هنا كصحفي فلسطيني ما هي المصلحة التي سيجنيها الرئيس أو السلطة أو الدولة الفلسطينية المنتظرة من وراء هذا الأمل الذي يخشى أبو مازن أن يذهب ؟!!، فباعتقادي أن أصغر طفل فلسطيني بات يدرك بأن هذه المفاوضات هي فقط مجرد أضغاث أحلامٍ بالنسبة للفلسطينيين وأما للإسرائيليين فهي تحقق لهم الكثير أقلها إضاعة الوقت على الفلسطينيين بتحرير وطنهم بالقوة، مروراً بضرب الوحدة الوطنية وسلخ الشعب الفلسطيني عن أصله وحقه الثابت وليس انتهاءً بتسريع التهويد للمقدسات تحت مظلة "المفاوضات". ختاماً .. فالرئيس أبو مازن أضاع من بين يديه فرصاً كثيرة للتخلص من هذه المفاوضات العفنة، والآن أمامه خياران إما الاستمرار فيما يسميها "مفاوضات" مع أنها لا تستحق بأن يطلق عليها هذا المصطلح فهي أدنى وأقل من ذلك بكثير، وسيخسر بكل تأكيد تأييد الشعب الذي يذبح يومياً على عتبة المفاوضات، أو أن يعلن صراحةً وبكل قوة أن المفاوضات طريق مسدود فسيجد بكل تأكيد من كل الفصائل والقوى الفلسطينية والشعب كل دعمٍ وتأييد وبذلك تتحقق الوحدة الوطنية التي نبحث عنها ويتحقق للشعب الفلسطيني أسمى هدفين كبيرين هما: التخلص من الحلم الزائف المسمى "مفاوضات"، وعودة الوحدة الوطنية الحقيقية بالدعم والمساندة لبعضنا البعض. صحفي من غزة