تحدثنا في السابق عن ألم غزة وأوجاعها ، حالة اليأس التي تسيطر على المواطن الغزي نتيجة فقدان الأمل بالمستقبل ، حالة الإحباط نتيجة فقدان الأفق السياسي وإنهاء الإنقسام الذي زاد الوضع تعقيداً وأصبح بمثابة السيف المسلط على رقاب المواطنين ودمر كُل الآمال بإصلاح ما دمره الإحتلال وأفسده السياسيين . فبعد أن ذكرنا الكهرباء وانقطاعها المتواصل ولساعات طويلة تُرهق المواطن وتُفسد كُل مشاريعه الصغيرة سواءاً بعمل يعتاش منه أو مصلحة يقضيها ، إلى شركة جوال وخدماتها السيئة وإدارتها التي تسعى للربح وامتصاص دماء المواطنين دون التطلع لأفضل الخدمات لتقديمها في ظل عدم وجود منافس يستطيع أن يوازن المعادلة إلى قصة السيارات التي أصبحت تشكل حالة من العبئ على المواطن لكونها تسير في الشوارع بالآلاف وكلها تعمل بالأجرة حتى اختلط الحابل بالنابل والكُل أصبح سائق عمومي ، ناهيك عن دراجات الموت السريع التي كانت بمثابة مشروع خاسر بكُل المقاييس لكونه تسبب بعشرات حالات الموت لشباب طائش يعشق المغامرة حتى لو كان الثمن حياته . واليوم ... فإنني سأتحدث عن ظاهرة حقيقية وليست من الخيال ، بل هي واقع مرير وظاهرة انتشرت بشكل واسع وظاهر ، فبعد أن كانت شبه حالات في السابق ومقتصرة على فئة معينة من المجتمع وبأماكن محددة ومعروفة إلا أنها اليوم أصبحت في كُل شارع وزقاق وحارة ، حتى أنها وصلت إلى البيوت ... إنها ظاهرة التسول هذه المأساة التي أصبحت تشكل جزءاً هاماً من عمل البعض في غزة والتي لا تقتصر على فئة معينة فأصبح الرجال والنساء إلى جانب الأطفال يجوبون شوارع محافظات غزة يبحثون عن الأماكن المزدحمة لإلتقاط أرزاقهم ، فعند المرور في الأسواق أو الأسواق التجارية أو أمام البنوك تراهم إما يفترشون الأرض وإما يسيرون ليستعطفوا المارة بطريقة تقشعر لها الأبدان . والسؤال هنا ... لماذا انتشرت هذه الظاهرة ، وهل هي نتيجة حاجة وعوز القائمين عليها أم أنها أصبحت مهنة للبعض ممن إستهوتهم هذه الوظيفة التي لا تحتاج سوى إلى نقاب وطفل صغير بالنسبة للمرأة وإلى جرأة بالنسبة للرجل ، ولقد كان في السابق شكل المتسول معلوم للجميع ، لكن اليوم المتسول قد تجده يلبس ثياباً نظيفة وشكله مرموق ومن الممكن أن يكون حاملاً لهاتف محمول باهظ الثمن . إن هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر السلبية التي انتشرت في المجتمع ستشكل عبئاً مستقبلياً على أي نظام سياسي سوف يكون ، وللأسف الشديد إن عدم الإنتباه لمثل هذه الظواهر ستؤدي بالمجتمع نحو الهاوية خاصة أن المجتمع أرض خصبة لممارسه أي مهنة أو أي عمل حتى لو كان غير مشروع ، وبالتالي نحن أمام مسؤولية كبيرة حتى يأتي يوماً لا ينفع فيه الندم .صحفي وكاتب فلسطيني