خبر : اغتيال المبحوح: 'اسرائيل' هي الخطر على الامن الاقليمي ..سعيد الشهابي

الأربعاء 24 فبراير 2010 01:17 ص / بتوقيت القدس +2GMT
اغتيال المبحوح: 'اسرائيل' هي الخطر على الامن الاقليمي ..سعيد الشهابي



بعد مرور اكثر من اسبوعين على الجريمة التي ارتكبتها الاستخبارات الاسرائيلية باغتيال مناضل فلسطيني في دبي، اتضحت الآن اكثر خيوطها الفنية، ولكن بقيت تساؤلات سياسية عديدة تتطلب الاجابات من الجهات المعنية، عربية وغربية.وبالاضافة لهذه الاستفسارات ثمة ثلاثة جوانب ذات اهمية استراتيجية يمكن سبر غورها لتجاوز الاسهاب في الجوانب الفنية البحتة والتغاضي عن الابعاد الاخرى. هذه الجوانب تتمثل بما يلي: اولا التبعات السيكولوجية والامنية والعسكرية لعملية الاغتيال، بلحاظ الجهات ذات الصلة بها: الموساد الاسرائيلي ومدى نجاحه او فشله، والجهات الفلسطينية ومدى تواطؤ بعض افرادها في التعاون الامني والاستخباراتي مع ذلك الجهاز، ومدى الاختراق الاسرائيلي لتلك الجهات واجهزتها الامنية. ثانيا: مدى التغلغل الاسرائيلي في منطقة الخليج وانعكاسات ذلك ليس على امنها فحسب، بل على مستقبلها السياسي والعلاقات في ما بين دولها. ثالثا: العلاقات الاستراتيجية بين الدول الغربية والكيان الاسرائيلي، وبالتحديد مراجعة المقولة بان ’اسرائيل’ هي التي تحمي المصالح الغربية في الشرق الاوسط. ان قراءة معمقة لما جرى من شأنه مساعدة المهتمين بالشأن الفلسطيني والشأن العربي - الاسلامي في خصوص مواقفه ازاء الاحتلال الاسرائيلي، على اعادة الحسابات وتحديد سياسات جديدة إزاء الصراع، خصوصا في ظل حالة الاستقطاب الناجمة عن بروز خطين واضحين متضادين حول الموقف من الاحتلال الاسرائيلي.كانت جريمة اغتيال الشهيد محمود المبحوح، احد قادة الجناح العسكري والامني بحركة ’حماس’ مفاجئة للكثيرين، وكشفت للرأي العام ان المواجهات المسلحة العلنية والتراشق الاعلامي لا يمثل الا جانبا ظاهريا من المشكلة، خصوصا انه يتراوح بين التسخين الذي يصل الى مستوى الحرب، او التبريد الذي يعلن عن نفسه بالتحاور بين الفرقاء. وجاءت الجريمة لتؤكد وجود حرب تجري في الخفاء تظهر بعض مصاديقها تارة وتختفي اغلب الاحيان. فقد فشلت ’اسرائيل’ في حربها العام الماضي ضد حركة حماس وسكان غزة، ولم تستطع القضاء على تلك الحركة التي تمثل خيار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وسعت لمواصلة العدوان من خلال التصفيات الجسدية للعناصر الفاعلة في تلك المقاومة. ومن خلال التحليلات التي طرحت في الوسائل الاعلامية بعد وقوع الجريمة، ثمة اجماع على ان عملية الاغتيال كانت فاشلة. صحيح انها حققت تصفية عنصر فاعل في المقاومة، ولكنها احدثت شروخا في العلاقات مع الدول الغربية من جهة واثارت حالة من الغضب في نفوس العرب والمسلمين ازاء ما يعتقدونه من تقصير أمني ناجم عن غياب ارادة المواجهة السياسية مع ’اسرائيل’. وبدا واضحا ان الثمن السياسي للجريمة سيكون باهظا للكيان الاسرائيلي نفسه خصوصا انها جاءت في فترة بدأ الرأي العام الغربي فيها يدرك ان ’اسرائيل’ اصبحت عبئا على الغرب وواحدا من اهم اسباب تصاعد العنف والارهاب والتطرف في العالم. فالحروب التي خاضها الامريكيون والبريطانيون في السنوات الاخيرة تمتد اسبابها الى الدعم الغربي لـ ’اسرائيل’ وليس الى جذور عقائدية او دينية مباشرة. وثمة ادراك بان رئيس جهاز الموساد، مائير داجان، قد فشل في اتقان اداء المهمة، باستعماله جوازات سفر ملفقة: بريطانية وفرنسية وألمانية وايرلندية، الامر الذي احدث ضجة سياسية في هذه البلدان. وتشعر بريطانيا، بشكل خاص، بمرارة كبيرة بسبب تزوير جوازات سفر مواطنين بريطانيين يهود يعيشون في الكيان الاسرائيلي، لتسهيل مهمة فريق الاغتيال الذي تم تكليفه باغتيال المبحوح. وكانت بريطانيا قد حصلت في 1987 تعهدا اسرائيليا بعدم تزوير الجوازات البريطانية واستخدامها في عمليات ارهابية. جاء ذلك بعد العثور على ثمانية جوازات سفر بريطانية في حقيبة بصندوق هاتف عمومي في المانيا كانت معدة للاستخدام من قبل عناصر الموساد. وقد اعتذرت ’اسرائيل’ آنذاك وتعهدت بعدم تكرار ذلك. وبرغم دعم رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو لداجان هذه المرة فان جريمته كبيرة جدا. وقد طالب داهي لفان، رئيس شرطة دبي، باصدار مذكرة اعتقال دولية بحق داجان لدوره في الجريمة الاخيرة.الواضح ايضا ان جهاز الامن الاسرائيلي فقد قدرا من هيبته التقليدية كجهاز امني مهني وفاعل وشرس. فقد انكشفت العملية هذه المرة بشكل فاضح، فنشرت صور مرتكبيها في وسائل الاعلام العالمية، واكتشفت جوازات السفر التي استعملوها، وعرفت كافة تحركاتهم في دبي، منذ نزولهم من المطار حتى وصولهم الفندق وارتكاب الجريمة ثم التجول في الاسواق. انها عملية مفضوحة أحرجت ليس ’اسرائيل’ فحسب، بل حتى الدول الغربية الداعمة. فماذا سيقول هؤلاء امام هذه الحقائق؟ الدول الغربية نفسها سقطت هي الاخرى في الامتحان الاخلاقي الذي جسدته جريمة اغتيال المبحوح. فما ان انكشفت حتى بادر هؤلاء لتحويل الانظار من الجريمة وضحيتها بشكل مباشر الى قضية اخرى تتمثل بتزوير جوازات السفر والتنقلات بين العواصم المعنية لتنفيذ الجريمة. اما ما تنطوي عليه الجريمة من اجرام وارهاب وانتهاك للقوانين الدولية والمحلية، وغياب البعد الانساني لدى مرتكبيها، كل ذلك تجاهله الغربيون، وشغلوا انفسهم والرأي العام بالتركيز على جوانب فنية بحتة وتجاهلوا جريمة القتل خارج القانون والقضاء، التي لا تقرها مواثيق حقوق الانسان الدولية ولا تسمح بها القوانين المحلية. وتداعي هيبة الموساد مرتبط هو الآخر بتراجع هيبة ’الجيش الذي لا يقهر’، ذلك الجيش الذي شن العدوان ضد المدنيين في لبنان وغزة ولم يحقق اهدافه، بل تشوهت سمعته وخسر الهيبة التي كان قد غرسها في نفوس الحكام العرب المهزومين. ان نجاح العملية او فشلها له مقاييس عديدة من بينها الوسائل التي استخدمت لتحقيق الهدف والثمن المادي والسياسي لها، والبعد الاخلاقي والانساني لنتائجها. والواضح ان الدول الغربية لم تلتفت الى الجوانب الانسانية والاخلاقية في تلك الجريمة، بل ركزت على تزوير جوازات سفرها، وربما لن ترفع هذه الدول اصبعا ضد العملية لو لم يحدث ذلك. ومن سمات الحضارة الغربية مساومتها على المبادىء التي تحمي ارواح الناس وحقوقهم وعدم اكتراثها بالقيم الاخلاقية والحقوقية الا في الاعلام والدعاية. انها لا تساوي بين المحتلين الصهاينة وضحاياهم فحسب، بل تنحاز الى جانب المعتدين بكل صلافة. ولذلك كان رد فعل وزير الخارجية الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، حول احتمال ردة الفعل البريطانية باردا، مؤكدا ان البريطانيين يتفهمون موقفهم ولن يتخذوا اجراءات تسيء الى علاقاتهم مع حكومته. الامر المقلق ان الموقف الغربي ازداد تطرفا في دعم الصهاينة في العقود الاخيرة. فمثلا كان الموقف البريطاني في 1973 أقل انحيازا. فعندما قام الاسرائيليون باغتيال ثلاثة قياديين فلسطينيين بعملية انزال في بيروت بادر البريطانيون لطرح مشروع قرار بمجلس الامن الدولي يدين العملية. وكان الاسرائيليون قد استعملوا جوازات سفر بريطانية لبعض عملائهم الذين وصلوا الى بيروت قبل العملية بايام من اجل الاستطلاع والاعداد. واستشهد في تلك الجريمة كل من كمال ناصر وكمال عدوان ويوسف النجار، و13 آخرين، كما قتل الاسرائيليون مختار قرية الاوزاعي مع ابنه وضيفيه السوريين.البعد الثاني للجريمة يرتبط بالتغلغل الاسرائيلي في منطقة الخليج. هذا التغلغل متيسر لعدد من الامور: اولها هشاشة الموقف الخليجي في ما يتعلق بمقاطعة ’اسرائيل’. فقد تم غلق اغلب مكاتب المقاطعة العربية لذلك الكيان، وفتحت مكاتب سرية وعلنية اسرائيلية في بعض الدول الخليجية. وقد بعث الاسرائيليون مؤخرا زورقا حربيا باسم ’القرش القاتل’ الى منطقة الخليج مع القطع البحرية الامريكية. ويهدف ذلك لإقناع الخليجيين بأن القوة العسكرية الإسرائيلية، تعمل جنبا إلى جنب مع القوة العسكرية الأمريكية بدعوى حماية بلدان الخليج من ’الخطر الإيراني’. وهناك اتصالات بين بعض الحكومات الخليجية والمسؤولين الاسرائيليين، ولم تكن مصافحة تركي الفيصل مؤخرا مع نائب وزير الخارجية الاسرائيلي، داني ايالون، الا آخر حلقات هذا التواصل. وعلى دول الخليج ان تعلم انها الحلقة الاضعف في اي تواصل مع الاسرائيليين، وان فتح الابواب امامهم سوف يسهل تغلغلهم في المنطقة بشكل اوسع مما هو عليه الآن.اما بالنسبة للبعد الدولي المتصل بعملية اغتيال المبحوح فهو استمرار للسجال حول المصالح الغربية في الشرق الاوسط، وما يبنى على ذلك من استراتيجيات وسياسات. الامر الذي حققه الاسرائيليون انهم استطاعوا ربط مصالحهم بالمصالح الامريكية، فأصبح على واشنطن حمايتهم، وبذلك تغير المبدأ الذي تم على اساسه صياغة الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط. فبينما كانت ’اسرائيل’ هي التي تحمي تلك المصالح، اصبح الامريكيون مسؤولين عن حماية المصالح الاسرائيلية. هذا التغير حدث بعد الحرب الانكلو امريكية ضد العراق في 1991. كانت ’اسرائيل’ يومها تسعى لاثبات ’اهميتها’ لحماية المصالح الغربية ولكن واشنطن طلبت منها عدم التدخل المباشر لكي لا تثير الرأي العام العربي والاسلامي ضد الحرب بشكل أوسع. وثمة حقيقة اخرى لا تقل اهمية، بل تعكس سياق الصراع الاستراتيجي بين ايران والولايات المتحدة و’اسرائيل’. فبعد ان فشلت الحروب الامريكية المتتالية في العراق وافغانستان والصومال في القضاء على الارهاب، واصبحت الدول المشاركة في تلك الحروب، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، متورطة في الحرب وتبعاتها، وبعد ان فشلت ’اسرائيل’ في حربيها ضد حزب الله في 2006 وغزة 2009، ادركت تلك القوى انها لن تكسب الحرب ضد ايران فيما لو قررت دخولها. وتحولت الاستراتيجية الغربية تجاه الجمهورية الاسلامية من حرب عسكرية مكشوفة الى حرب سرية تشارك فيها بشكل اساس كل من الولايات المتحدة و’اسرائيل’. وبعد اغتيال الشهيد محمود المبحوح، في دبي، تكررت التقارير التي تشير الى هذه الاستراتيجية الجديدة، وتوقعت تصاعد جرائم الاغتيال ضد العناصر الناشطة ضد ’اسرائيل’. وكان الامل ان يبدأ مشروع التصفيات هذا على ارضية متينة ودرجة عالية من الحرفية والمهنية، باستهداف المبحوح. ولكن الواضح ان البداية لم تكن موفقة أبدا، وان من المتوقع، فيما لو وجدت الرغبة لدى المسؤولين الاماراتيين والعرب، تحويل الجريمة الى ازمة للتحالف الامريكي الاسرائيلي. فالموساد لم يعد تلك القوة الضاربة التي لا تقهر، خصوصا ان حالات فشلها تكررت كثيرا، ومن اهمها اخفاقها الكبير في 1997 عندما استهدفت السيد خالد مشعل في العاصمة الاردنية، ولم تنته الا باطلاق الشهيد الشيخ احمد ياسين من السجون الاسرائيلية. فانتهاك سيادة دولة الامارات بهذا الشكل الفاضح من شأنه التأثير السلبي سياسيا واقتصاديا وامنيا على الاوضاع الامنية في كافة بلدان مجلس التعاون الخليجي، خصوصا ان دبي تعتمد لجذب الاستثمارات الاجنبية على اقناع الآخرين باستتباب امنها وسلامها.الامريكيون شعروا بنشوة النصر عندما اعتقل المسؤول العسكري لطالبان في باكستان، واعتبروا ان تحويل الحرب من المواجهات العسكرية الباهظة الثمن الى حرب استخباراتية سرية تستهدف العناصر الفاعلة في الجهات المناوئة، سيكون بديلا أيسر وأقل تكلفة بشرية وسياسية واقتصادية. ولكن فشل الموساد في تنفيذ عملية الاغتيال بالشكل المطلوب أضعف مصداقيته كجهاز مرعب يخيف اعداءه، كما حدث للجيش الاسرائيلي من قبله.أين تكمن المصلحة العربية هذه المرة؟ من المتوقع ان هذه المصلحة تخضع في الوقت الحاضر لتقييمات داخل المؤسسات الاستخبارية العربية التي توازن بين البدائل. فالاصرار على متابعة مرتكبي جريمة اغتيال المبحوح قد يحقق مكسبا عربيا سياسيا، ولكنه في الوقت نفسه يصب لصالح القوى المناهضة للتطبيع مع الاسرائيليين او التحالف مع الامريكيين. وهذا من شأنه اضعاف الصف ’المعتدل’ الذي بدأ يلملم نفسه على ارضية استهداف القوى التي تقاوم ’اسرائيل’ وامريكا واضعافها. وظهر الانزعاج مجددا في اوساط ’قوى الاعتدال’ العربية بسبب الفشل المتكرر للكيان الاسرائيلي على الاصعدة السياسية والامنية والاستخباراتية. وبعيدا عن الخلافات الداخلية الفلسطينية والاتهامات المتبادلة بين ’فتح’ و’حماس’ حول هوية بعض الفلسطينيين المتورطين في الجريمة الاخيرة، فالاجدى بالشرفاء من ابناء الامة اعادة تقييم الموقف في ضوء الفشل المتكرر للقوى العدوانية المتمثلة بالكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة. ويشمل ذلك ايضا الاصرار على متابعة خيوط الجريمة الاخيرة، بهدف محاصرة الكيان الاسرائيلي سياسيا، بعد ان انتهك سيادة الدول الصديقة له بتزوير جوازاتها لممارسة اعمال ارهاب وعنف تتنافى مع المواثيق الدولية، وبعد ان اثبت للمرة الألف، انه مصدر الاضطراب الامني والسياسي في المنطقة. ومن جهتها فان بريطانيا، على وجه الخصوص، مطالبة بممارسة ضغوط اكبر على ’اسرائيل’ والسعي لاستصدار قرار من مجلس الامن يدين هذا الاعتداء كما فعلت بعد العدوان الاسرائيلي على بيروت ومقتل القياديين الفلسطينيين الثلاثة. انه محك اخلاقي وسياسي للقوى الغربية بين الالتزام بالقدر الادنى من القيم والمبادىء والمواثيق الدولية، او التضحية بذلك كله بهدف استرضاء الصهاينة وحمايتهم من القضاء الدولي. والاجدر ببريطانيا، وكذلك فرنسا ودولة الامارات، ان تصر على استهداف الجريمة الاسرائيلية بملاحقة مرتكبيها بلا هوادة، وليترك للقضاء الدولي ان يقول كلمته.’ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن