خبر : حماس بين العلمانية والانحسار ...د.ذوالفقار سويرجو

الثلاثاء 23 فبراير 2010 11:18 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس بين العلمانية والانحسار ...د.ذوالفقار سويرجو



منذ أن بدأ المخاض الداخلي في حركات الإسلام السياسي في فلسطين وبدأت السجالات حول الوجهة المطلوبة للمشاركة في الحياة السياسية كان هناك صراعاً مريراً حول هذه المشاركة وهل تعني القبول بأساسيات العمل السياسي ومحاولة التعايش معها واستغلالها في خدمة هذه التيارات أم محاولة استغلال هذه العملية للانقضاض على السلطة ونسف كل تلك المسلمات القديمة ومحاولة خلق وقائع جديدة على الأرض تأسس لنظام إسلامي وحيد القرن يوفر المقدمات لتحقيق حلم البعض في عودة نظام الخلافة وإلى الأبد .. وبالطبع هذه السجالات مشروعة ويمكن وضعها في سياق حرية التفكير والتعبير ولكنها غير مشروعة عندما تنتقل إلى مربع التطبيق لأسباب معروفة أولها استحالة تمرير هذه الأفكار في مجتمع له خبرة متميزة دامت لعشرات السنين واكتسب تجارب كل الشعوب في المنطقة وفي العالم، وقادر على حماية انجازاته السياسية والديمقراطية وهذا ثبت بالملموس في تجربة الإسلام السياسي في فلسطين بعد وصول هؤلاء إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع ومن ثم من خلال فوهة البندقية ولكن المهم فيما تقدم هو الاعتراف الضمني من قبل النخب في القيادة السياسية والدينية للحركة باستحالة التجربة دون التحايل والالتفاف على المعتقدات القديمة وذلك لصعوبة تطبيقها على الأرض، وهذا دفعهم في اتجاه التجربة الإيرانية وهي إنشاء نظام إسلامي بأدوات علمانية كمخرج من حالة الجمود والتصلب، وهنا المقصود العودة للتنظير بأن الحركة تقبل بالديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير والتصرف ضمن إطار القانون، والذي شرعه علمانيون سابقون وكل ذلك كان الهدف منه هو حماية التجربة وحماية الحركة من الضغوطات الشديدة التي تعرضت لها من الداخل والخارج وحتى حلفاءها التكتيكيين لصعوبة الخيارات الأخرى والتي قد تصل إلى سحق الحركة والتجربة من كافة الأطراف التي لا تتفق معها سياسياً وفكرياً وعقائدياً ووطنياً وهذه ليس مبالغة بل واقع يمكن رؤيته بسهولة إذا تخيلنا بشئ من البرغماتية في رصد كافة المتطلبات والمعطيات.         بناءً على ما تقدم أصبحت الحركة أقرب للاعتراف ودخول م.ت.ف العلمانية.. والقبول بالتعددية السياسية وتداول السلطة من خلال الأدوات العلمانية وهي الانتخابات والديمقراطية، ونسج التحالفات على أساس المصلحة الوطنية والمصلحة الحزبية لا على أساس الجمود العقائدي والتكفير والتخوين.. تراجع الحركة عن العديد من المحاولات التي قامت بها لفرض الحجاب بالقوة على الشارع الفلسطيني وترك المسألة للقناعات الشخصية ومحاولة الترويج لذلك من خلال نشر الفكرة بمخاطبة العقل واستغلال بساطة الناس وسذاجتهم وعواطفهم وفطرتهم وهذا بالتأكيد مشروع ولا لبس فيه ولكن كل ما ذكر يمكن وضعه في سياق التكتيك وليس في سياق رسم الاستراتيجيات لحين تبدل الأوضاع وتوفر القوة الكافية وطنياً وإقليمياً للعودة للانقضاض على كل ما سبق.         وهنا يظهر دور الآخرين في الساحة الفلسطينية للحفاظ على انجازاتهم الوطنية والديمقراطية وعدم السماح بأسلمة الصراع، لأن ذلك يخدم بالأساس أهداف أعداءنا بأنهم يمثلون أقلية دينية مضطهدة في المنطقة والعالم وهذا بالطبع غير صحيح لأن إسرائيل في الحقيقة هي قاعدة   متقدمة للامبريالية العالمية في المنطقة وجزء من معسكر ضخم يمتلك كل الامكانيات.         وهنا يجب التأكيد على أنه إذا ما استمر الإسلام السياسي في هذه الوجهة وهي الاقتراب من المفاهيم العلمانية للإدارة فهذا يعني الوقوف على مفترق طرق.. التقدم إلى الأمام يعني: أولاً: زيادة في الانشقاق وخروج العناصر المتطرفة من الحركة والمواجهة معها..ثانياً: فقدان الثقة من قبل العناصر الشابة والتي تم تعبئتها بشكل مغلوط وغير واقعي.. والاصطدام بالواقع سبب لديها حالة من اليأس والخوف من المستقبل، ثالثاً: عدم انجرار الجمهور العادي خلف الحركة حتى لا يدفع الثمن مرة أخرى، رابعاً: ظهور شرائح عليا داخل الحركة مستفيدة مالياً وسلطوياً وستحاول قمع كل من في طريقها من داخل الحركة وخارجها، وستندفع هذه الشرائح لعقد تحالفات غير مبدئية ستجعلها تربة خصبة لنمو ظواهر الفساد المالي والإداري. أي بعبارات أخرى أن الاستمرار يعني الانحسار والتقوقع في وقت ماراثوني قياسي.         أما إذا اتجهت النخب في الحركة إلى ناحية اليمين في المفترق وهي محاولة فتح قنوات خلفية مع الأمريكيين والأوربيين وبالتالي الإسرائيليين بطبيعة أنه لا يوجد خلاف أيديولوجي بالمعنى الروحي والاقتصادي وأن الخلافات السياسية يمكن التحاور عليها... هذا يعني دفع ثمن باهظ مماثل للثمن الذي تدفعه تركيا لدخولها الاتحاد الأوروبي، وذلك يتعلق بالحريات العامة والخاصة بالمفهوم الأوروبي كشرعنة البغاء على سبيل المثال كما فعلت تركيا. وهذا يعني مزيد من الانحسار والتراجع الشعبي والرسمي. وهذا الخيار مستبعد في الوقت الحالي ولكنه موجود على أجندة الطرفين.         أما الخيار الثالث، وهو التوجه نحو اليسار والإصرار على المواجهة وعدم الرضوخ لكافة أنواع الابتزاز والضغط والصمود في وجه الحصار والاستمرار في التحضير للمواجهة العسكرية، فهذا يعني حتمية الضربة العسكرية، وهنا المطلوب تعزيز العلاقة مع النظام العلوي في سوريا والحكومة الشيعية في إيران والمقاومة الوطنية في لبنان واليسار في الداخل والخارج، وكلها تحالفات ليس لها علاقة بالطبيعة السنية للإسلام السياسي في فلسطين، وهي تحالفات مؤقتة قد تنهار في أي لحظة .. ناهيك عن الثمن في وقف العداء الديني والأيديولوجي لكافة تلك الأطراف وعلمنة تفكير الحركة. في الختام، المرحلة القادمة هي مرحلة علمنة و انحسار الإسلام السياسي والعودة إلى مربع الإخوان الذين تركوا الحركة في مطلع الستينات وبدأوا مرحلة العمل السياسي الوطني ومقارعة الاحتلال بطريقة جديدة، ومن ثم عقد تحالفات مع كافة الأنظمة في المنطقة والهرولة فيما بعد في اتجاه التسوية التي أعلن عن فشلها بعد 20 عاماً من المفاوضات، وعليه ستكون هذه الوجهة مقدمة الانهيار والانحسار حتى ولو قبَل الاسلام السياسي بالتجربة التركية والتي تجمع بين الأسلمة والعلمنة والتعصب القومي.