خبر : الحرم الابراهيمي الشريف- سطو في وضح النهار...؟!! ... نواف الزرو

الثلاثاء 23 فبراير 2010 03:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحرم الابراهيمي  الشريف- سطو في وضح النهار...؟!! ... نواف الزرو



  في ظل صمت وفرجة وغفلة وحيادية العرب، وفي ظل صمت او تواطؤ المجتمع الدولي، وتحت وطأة وتضليل ضجيج استئناف عملية المفاوضات، وفي ظل مشهد الاغتيالات الصهيونية المنهجية ضد القيادات الفلسطينية، تقدم حكومة الاحتلال بقيادة الثلاثي نتنياهو-باراك-ليبرمان على اتخاذ قرار استراتيجي بالاستيلاء جهارا نهارا على الحرم الابراهيمي في مدينة خليل الرحمن،  وكذلك على مسجد بلال بن رباح(قبة راحيل) في بيت لحم، ولا يتحرك  احد في العالم العربي باستثناء بيانات رفع العتب من هنا وهناك.كما  تتعرض الضفة الغربية بعامة، ومدينة القدس بخاصة الى هجوم استعماري استيطاني تهويدي صهيوني كاسح يهدف بالعنوان الكبير الصريح الى: تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني اولا، ثم تهويد وتطويب الضفة والمدينة المقدسة تحت السيطرة والسيادة الاسرائيلية الى الابد ثانية، كي لا تقوم قائمة للرواية  التاريخية العربية الاسلامية في فلسطين.اهل الخليل لم يناموا فاعلنوا الاضراب الشامل واشتبكوا مع قوات الاحتلال احتجاجاً على اعلان قرارالاستيلاء على الحرم، وهذا كان دأبهم دائما في التصدي لمخططات الاحتلال.القرار الاسرائيلي ليس استهلاكيا للمستوطنين ولوبيهم في الحكومة والكنيست، وانما هو قرار جاد وخطير وينطوي على دلالات صراعية غريب ان لا يلتفت لها احد، فهذا القرار يأتي في سياق تلك الخطة التي اعلنها نتنياهو امام "مؤتمرهرتسليا للأمن والمناعة القومية" في مطلع شباط/2010حيث  قال "إن ضمان وجودنا متعلق ليس فقط بمنظومات السلاح أو قوة الجيش أو قوة الاقتصاد أو بقدرتنا على التجديد، أو التصدير، وبكل مكامن القوى تلك التي تعتبر هامة جدا، بل متعلقة قبل كل شيء بما نحمله من معرفة ومشاعر وطنية، والذي ننقله لأبنائنا، وفي جهازنا التعليمي"، وأعلن" ان خطته تشمل أيضا إقامة دربين للمشاة، إلى جانب "درب إسرائيل" القائم، "درب تاريخية" تصل بين عشرات المواقع الأثرية، ودرب "المسيرة الإسرائيلية" الذي سيصل بين عشرات المحطات المتعلقة بتاريخ "الييشوف" اليهودي"، كما تشمل الخطة تحويل مباني قائمة إلى مواقع أثرية، وإقامة مواقع توثق مسيرة الاستيطان ، ومتاحف صغيرة ونصب تذكارية، وتنص الخطة على تهويد 150 موقعا اثريا لربطها "بمسار تاريخي توراتي" مشترك من شمال البلاد الى جنوبها بغية تعريف الأجيال الناشئة بالثراث اليهودي والصهيوني. الأحزاب اليمنية والجماعات الإستيطانية سارعت الى ابداء سرورها، وقال رئيس المجلس الإقليمي للمستوطنين، داني ديان "إن القرار هو انجاز هام وتاريخي للشعب اليهودي".بل ابعد من ذلك هناك شبه اجماع توراتي سياسي استراتيجي صهيوني على خطة نتنياهو التي تهود التاريخ بعد ان تم تهويد الجغرافيا.اذن- فان قرار السطو على الحرم الابراهيمي ومسجد بلال يأتي في سياق الخطة النتنياهوية الرامية الى تهويد المعالم الدينية والتراثية والتاريخية العربية في فلسطين، بعد ان كانت تلك الدولة قد سطت على الجغرافيا الفلسطينية من بحرها الى نهرها، في اطار اختراع دولة"اسرائيل". وليس ذلك فحسب، فوفق كمٍ كبيرٍ من المعطيات والادبيات الصهيونية، هناك شبه إجماع سياسي حول اعتبار المدينة "مدينة الآباء   والأجداد" و "يحق لليهود السكن فيها " ، وتقف دولة الاحتلال الصهيونية بكل ثقلها وراء هذا الموقف السياسي شبه الإجماعي، فقد كان اشار استطلاع للرأي العام الاسرائيلي الى "ان 73% من الاسرائيليين  يشعرون بارتباط –مشاعري وايديولوجي ديني تجاه مدينة الخليل"، ويعتبرونها "مدينة الآباء والاجداد/ يديعوت احرونوت".   وعن الموقف الرسمي الاسرائيلي في هذا الصدد نعود الى ادبياتهم السياسية، فعندما كان أعلن نتنياهو عشية التوقيع على اتفاق الخليل قائلاً : " يجب أن أوضح أننا لا نترك الخليل وإنما نعيد الانتشار فيها ، والجيش الإسرائيلي سيواصل السيطرة عليها "، و" أن الهدف يجب أن يكون ضمان استمرار الاستيطان اليهودي في الخليل من خلال السيطرة على الأماكن المقدسة "، و" أن مدينة الخليل هي المفترق الأكثر حساسية في النزاع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين .. وأنها رمز العلاقة الوثيقة للشعب اليهودي بأرض إسرائيل "، فإنه في الحقيقة لم يكن يمثل نفسه وإنما كان يمثل تيارً سياسياً أيديولوجياً عريضاً يطالب بمواصلة تهويد مدينة الخليل ومواصلة السيطرة الاستراتيجية الإسرائيلية عليها . ذلك هو الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه مدينة الخليل ، وتلك هي السياسة العملية ، التي طبقتها الحكومات العبرية المتعاقبة ، على أرض الخليل منذ احتلالها في العام 1967 . وعلى أرضية هذا الموقف إزاء مكانة وواقع وحاضر ومستقبل الخليل ، فقد شهدت المدينة وشهد أهلها على مدى سنوات احتلالها الماضية، مشاريع ومخططات وحملات استيطان وتهويد وإرهاب احتلالي مستمرة مسعورة من جهة ، ومسيرة نضال وتصد وتضحيات فلسطينية متصلة   ذودا عن عروبة وإسلامية المدينة من جهة أخرى . وفي سياق ذلك كان شارون وضع مدينة خليل الرحمن بعد المدينة المقدسة، على قمة اجندته التهويدية، لدرجة ان اعتبر قبل ايام"ان الجيب الاستيطاني في الخليل ورقة استراتيجية بيد اسرائيل"، ما ينطوي على مضامين ودلالات وتداعيات بالغة الخطورة على مصير المدينة.فحينما تكون الخليل ورقة استراتيجية بيد "اسرائيل"، فإن ذلك لا يعني سوى امر واحد: ان هذه المدينة الابراهيمية المباركة تتعرض الى اجتياح واكتساح تهويدي استراتيجي قد يحسم مصير المدينة ومستقبلها الى ابد الابدين.ولعل قراءة اهم عناوين المشهد الماثل على ارض الخليل يشرح لنا المغازي والمخاطر الحقيقية وراء "ان تكون الخليل ورقة استراتيجية..."؟!فالاستيطان اليهودي في الخليل هو اولا وقبل كل شيء استعمار وسلب ونهب وسطو مسلح ومصادرات وجدران عنصرية وحصارات واطواق وحواجز وقمع وتنكيل.. والاخطر انه اجتثاث واقتلاع وإلغاء وترحيل - ترانسفير- لاصحاب الارض والوطن والتاريخ والتراث...!.فالمدينة القديمة وفق جملة من التقارير الفلسطينية والاجنبية تتعرض الى عملية ذبح منهجية للتاريخ والحضارة والتراث والوجود العربي فيها.والمدينة تحولت في الآونة الاخيرة الى معسكر اعتقال للفلسطينيين هناك، وتتعرض على مدار الساعة الى اعتداءات المستوطنين الارهابيين المدججين بالاسلحة تحت سمع وبصر وغطاء الجيش.وحرب الاستيلاء على المنازل العربية هناك لا تتوقف ابدا..والجيش والمستوطنون عبارة عن حكومتين تبطشان بأهل المدينة بيد واحدة، اذ اقترف المستوطنون على سبيل المثال لا الحصر نحو ألف عملية مداهمة و 107 هجمات على اهالي البلدة القديمة خلال ستة اشهر فقط.فالبلدة القديمة باتت في ضوء كل ذلك الوجه الحزين لمدينة الخليل.واستيطانيا هناك نحو 27 مستوطنة يهودية على اراضي محافظة الخليل، و23 بؤرة استيطانية تم اقامتها خلال السنوات الماضية وهي مرشحة لان تتحول الى مستعمرات.ويضاف الى ذلك جدار العزل والضم والتهويد الذي يبتلع حسب التقارير الفلسطينية حوالي 52% من مساحة المحافظة تصوروا.. بينما سيبقى نحو 48% لاهل الخليل..ومائيا.. فالخليل تحتاج الى نحو -35- الف متر مكعب من المياه، ولا يصلها سوى حوالي 5 آلاف متر مكعب فقط، وكل المياه هناك تذهب للمستعمرات اليهودية، والنسبة هي "30" لتر مياه للمواطن الفلسطيني مقابل -300- لتر للمستوطن اليهودي.قدمت مدينة خليل الرحمن خلال انتفاضة الاقصى نحو 5000 آلاف بين شهيد وجريح ومعتقل، بينما هدمت جرافات الاحتلال آلاف المنازل، ناهيك عن اقتلاع عشرات آلاف الاشجار المثمرة وتخريب الاراضي الزراعية او مصادرتها.الخليل الحزينة التي تتعرض لهجوم صهيوني استراتيجي تسطر ملحمة صمود وبقاء وتحد عظيمة.. وعيون اهلها كما عيون اهل القدس وفلسطين تتطلع الى احوال بني يعرب على امتداد خريطة العرب...؟!!فحينما يسطو الاحتلال على الحرم الابراهيمي الشريف هكذا في وضح النهار على مرأى من العرب والمسلمين تتوقع خليل الرحمن منهم ان يتحرك فيهم نبض العروبة والاسلام...! Nawafzaru@yahoo.com