خبر : الكل يبكي فمن سرق المصحف ..م. عماد عبد الحميد الفالوجي

الثلاثاء 23 فبراير 2010 02:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
الكل يبكي فمن سرق المصحف ..م. عماد عبد الحميد الفالوجي



يروى عن قصة وقعت فى سنوات خلت عن شيخ كان يعلم تلاميذه القرآن الكريم , ولم يملكوا فى تلك القرية سوى مصحف الشيخ , وفى أحد الأيام ترك الشيخ المصحف داخل الصف وخرج لقضاء حاجة له , وعندما عاد لم يجد المصحف فى مكانه وبحث عنه فلم يجده , فقال للطلاب لم يكن فى الفصل سوى أنتم والمصحف فمن سرق المصحف , وتقدم من الطالب الأول وسأله : أنت سرقت المصحف . فبكى الطالب من التهمة , وتوجه الى طالب آخر وسأله : أنت سرقت المصحف , فبكى الطالب من السؤال ولم يتمكن من الإجابة , وهكذا توجه الى كافة الطلاب وجميعهم بكوا من مجرد فكرة الشيخ باتهامهم فتأثر الشيخ من بكاء الأطفال ونحيبهم المتواصل على ضياع المصحف , ولكنه وقف وصرخ بأعلى صوته : كلكم يبكي على ضياع المصحف فمن سرق المصحف .   واليوم تطالعنا الصحف العبرية داخل الكيان الإسرائيلي بخبر مفاده أن حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو أصدرت قرار اعتبار الحرم الإبراهيمي الشريف فى الخليل  ومسجد بلال بن رباح فى بيت لحم جزء لا يتجزأ من التراث اليهودي فى خطوة ليست جديدة بل استكمال لمخطط معروف ومدبر بمهارة لهذين المكانين المقدسين لنا معشر المسلمين , أما الحرم الإبراهيمي فإن الإجراءات الإسرائيلية المتواصلة منذ سنين بحق الحرم واضحة للعيان وعلى مرأى ومسمع من الأمة العربية والإسلامية , ولم تحرك كل تلك الممارسات مشاعر المسلمين ليكون لها موقف لنصرة تلك المقدسات , وأنا أذكر قبل سنوات ليست بعيدة لم يكن لليهود داخل الحرم الإبراهيمي سوى غرفة صغيرة فى ركن الحرم يؤدون فيها بعض طقوسهم الدينية فى المناسبات اليهودية , ثم تطور الأمر الى توسيع تلك الغرفة ثم ضم ساحة صغيرة لها ثم التوسع التدريجي ثم تحريض اليهود للتوجه للتعبد داخل ساحات الحرم لفرض واقع جديد , ثم التناوب على الصلاة فيه خلال الأعياد ومنع المسلمين من دخوله فى الأعياد اليهودية , ثم ارتكب اليهودي المتطرف المجرم غولدشتاين مجزرة داخل الحرم خلال تأدية المسلمين صلاة التراويح فى شهر رمضان وقتل وجرح العشرات بهدف بث الرعب والخوف داخل قلوب المسلمين وعدم التوجه للصلاة داخل الحرم الإبراهيمي , وبدلا من معاقبة الكيان الإسرائيلي على تلك المجزرة كان القرار بأنه لابد من حماية المصلين اليهود خشية قيام المسلمين بالانتقام لما حدث وهذا استدعى إجراءات أمنية خاصة لدخول اليهود وخروجهم بأمان , ثم كان التحكم بالمداخل والمخارج وتضييق الخناق على منطقة الحرم الإبراهيمي واستفزاز المصلين المسلمين , كل هذا حدث ولازال يحدث أمام مرأى ومسمع العالم الإسلامي , فهل تحرك أحد لفعل شيء ؟ وهل سمعنا عن تحرك أو اجتماع على مستوى عال لأمتنا العربية والإسلامية لوضع خطة للتحرك لإنقاذ الحرم الإبراهيمي من مخططات اليهود للاستيلاء عليه ؟ , أما فلسطينيا فقد تحرك أبناء الخليل الكرام بما يملكون من إمكانيات للحفاظ على مسجدهم وتاريخهم ولكنهم هل يملكون مواجهة إمكانيات اليهود ومن يقف خلفهم من المنظمات العالمية النشيطة المخلصة لأفكارهم الباطلة ؟ ولم نتمكن سوى تشكيل لجنة للإعمار تهتم باحتياجات البلدة القديمة المحاذية للحرم ولم يبخل الرئيس الشهيد ياسر عرفات بتوفير كل الإمكانيات لتلك اللجنة ونجحت فى تحقيق بعض الانجازات ولكن ليس فقط هذا المطلوب لوقف المخطط الصهيوني اليهودي الكبير تجاه مقدساتنا وتاريخنا وثقافتنا وحضارتنا , فلقد أعلنها أحد قادتهم فى يوم من الأيام عندما زار الحرم الإبراهيمي " إن هذا المكان عندنا أقدس من القدس لأنه يضم ضريح أبينا إبراهيم ولن ينازعنا فيه أحد " , وتظاهر الجميع بأنهم لا يسمعون تلك التصريحات , وكان العجز العربي والإسلامي هو سيد الموقف . أما مسجد بلال بن رباح التاريخي فهو يعود الى مئات السنين , وقالوا أنه أقيم عندما قدم الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - لاستلام مفاتيح القدس وصلى فى هذا المكان , وكان يقام مسجد فى كل مكان يصلي فيه الخليفة عمر بين الخطاب خلال طريقه الى القدس , وأراد الكيان الإسرائيلي شطب هذا المكان لأنه يقع فى منطقة إستراتيجية بالنسبة لمخططات الاستيطان الإسرائيلي فهو بوابة بيت لحم جهة القدس , فأقامت إسرائيل ما يسمى " قبة راحيل " وأخذوا يتعبدون فيها واعتبارها مكانا يهوديا مقدسا , ومع مرور الوقت صدقوا كذبتهم وفرضوها واقعا , وأيضا كل ذلك لك يكن سرا بل كانت خطوات علنية تأخذ أشكال مختلفة , وحدثت صدامات ومواجهات فى ذات المكان , ولكنها أصبحت فيما بعد منطقة عسكرية مغلقة على المسلمين ومفتوحة وآمنة للمتطرفين اليهود , حتى وصل الأمر الى ما نحن عليه اليوم , وإعلان المكان جزءا من التراث اليهودي الخالص , والمعركة القادمة والدائرة حاليا على موقف قبر يوسف فى نابلس والإدعاء بأنه مكان مقدس لليهود وعشرات المواقع الأخرى المنتشرة داخل أرضنا .   واليوم وبعد القرار الإسرائيلي يتباكى البعض من المسلمين متظاهرا الغضب ورفض القرار واتخاذ المواقف الرسمية لذر الرماد فى العيون , أو مجرد تسجيل موقف أنه يرفض القرار ولكنه لا يملك أكثر من ذلك , ولكن الوقاحة هو مطالبة هذا البعض المجتمع الدولي للتحرك الجاد لوقف سياسة إسرائيل نجاه مقدساتنا , هل المطلوب أن يكون المجتمع الدولي مسلما أكثر من المسلمين , أليس هذا من أغرب الأشياء وأكثرها وقاحة ؟ , ما هو رد الفعل العربي والإسلامي الشعبي قبل الرسمي على القرار الإسرائيلي حتى يتحرك المجتمع الدولي ؟! أإلى هذا الحد وصلت الإتكالية العربية والإسلامية على مواقف الآخرين من غير المسلمين ؟! ألا يفرض المنطق أولا أن نتحرك نحن المسلمين أولا ثم نفرض أو نطالب الآخرين بالتحرك ؟! لم نسمع عن مظاهرة واحدة مستنكرة القرار فى أي عاصمة عربية أو إسلامية , بل الأغرب أن دعوة الإضراب الشامل الفلسطيني لم تتعدى مدينة الخليل فقط وكأن الأمر لا يعني سوى أهلنا فى الخليل ؟ أما بقية المدن الفلسطينية فسمعت الخبر عبر وسائل الإعلام وعبرت عن رفضها الدبلوماسي الإعلامي فقط ؟ وهناك من لا يريد سماع ما حدث حتى لا يطالبه أحد بفعل شيء لأنه مشغول بما هو أهم من المقدسات والأرض والوطن وهو الحفاظ على الإنجازات العظيمة التى يحققها حزبه فقط .   وتتقزم كل تلك الأمور والقضايا الخاصة بالمقدسات  أمام الجهود العظيمة التى نبذلها ليس لوضع خطط لمواجهة مخططات أعداءنا بل لوضع خطط لتجاوز ملاحظاتنا على الورقة المصرية للمصالحة , والأهم من كل ذلك الآن هو تركيبة الوفد الفلسطيني الرسمي لحضور القمة العربية المنوي عقدها فى طرابلس الشهر المقبل , وسبحان مغير الأحوال أصبح مجرد المشاركة فى أعمال القمة العربية إنجاز يستحق الاهتمام ودفع ثمنه , ولم تعد القمم العربية خائنة كما كان البعض يعتقد طوال سنوات الماضي وأصبح الحكام العرب خير من نلجأ إليهم اليوم ولم يعودوا كما كنا نعتقدهم فى الماضي القريب , وأصبح رضاهم مطلب وطني مهم .   أمام كل ذلك نقول لهؤلاء وأمثالهم وفروا دموعكم الكاذبة على مقدساتنا , ولا تتعبوا أنفسكم فى خداع ذاتكم لأنكم من أسباب ضياع المقدسات , كلكم يبكي علي ضياع الحقوق , وكلكم حريص على المقدسات , وكلكم يريد الحفاظ على الحقوق , وكلكم يريد تحرير القدس , وكلكم يريد الانتصار , وإذا كنتم كلكم كذلك فكيف ضاعت البلاد والمقدسات وكيف فقد الشعب قدرته على التحرك ومن السبب فى كل هذا الإحباط واليأس الذي أصاب الناس , ولماذا لم تحرك فيكم كل تلك المصائب ضمائركم وتعودوا الى شعبكم وينتهي هذا الانقسام البغيض ؟ كلكم يبكي فمن سرق المصحف ؟ .              رئيس مركز آدم لحوار الحضارات www.imadfalouji.ps