من انتصر في الحرب وهل تبلغ الصفقة مرحلتها الثانية؟.. سؤال يشغل الإسرائيليين أيضاً

الأحد 19 يناير 2025 03:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
من انتصر في الحرب وهل تبلغ الصفقة مرحلتها الثانية؟.. سؤال يشغل الإسرائيليين أيضاً



القدس المحتلة/سما/

 مع دخول الاتفاق مع “حماس” حيّز التنفيذ، تشهد إسرائيل حالة من حبس الأنفاس والسجالات حول إدارة الحرب ونتائجها، وتبرز المشاعر المختلطة بين الحلو والحامض والمرّ في التعاطي مع الصفقة.

عند الرابعة، ستبدأ عملية التبادل بإطلاق سراح ثلاث إسرائيليات اليوم، وعن 30 أخرى بالتدريج طيلة المرحلة الأولى من وقف النار (42 يومًا)، مقابل الإفراج عن 1904 أسرى فلسطينيين، منهم 1167 من غزة اعتقلهم جيش الاحتلال خلال الحملة البرية، فيما سيُفرج عن 95 منهم اليوم الأحد.

وطبقًا لمصادر صحفية إسرائيلية، فإن سلطات السجون الإسرائيلية ستنقل الأسرى الفلسطينيين بشاحنات، وليس بحافلات الصليب الأحمر، ويبدو أن الهدف حرمان الأسرى من التعبير عن مشاهد الفرح ومن شارات الانتصار بأصابعهم، ضمن محاولة تخفيف وطأة ذلك داخل إسرائيل. في البداية، سيتم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الأقل محكومية، ولاحقًا سيُفرج عن “أسرى من العيار الثقيل”.

مذاقان للصفقة
بمشاعر الفرح والحزن، ينتظر سكان غزة الصفقة واستقبال الأسرى والعودة لما تبقى من ديارهم في شمال القطاع المنكوب، بعد 15 شهرًا، من الحرب المتوحشة، التي ألقيت فيها كمية كبيرة من الديناميت تعادل ثلاث قنابل نووية، وفق الخبراء.

في المقابل، تسود إسرائيل مشاعر مختلطة ومتناقضة، فالحلو بالنسبة لهم أن الصفقة تعيد المحتجزين، توقف النزيف العسكري، الاقتصادي والدبلوماسي. أما منابع المذاق الحامض والمر فهي متعددة: “حماس” باقية في القطاع، الانسحاب منه، النصر المطلق بقي شعارًا، خروج آلاف الأسرى الفلسطينيين، وموقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ينتج “تنافرًا معرفيًا”، بل صدمة في أوساط اليمين، بعدما أملى القرار بإحراز صفقة، ويضاف لذلك النزيف الدبلوماسي في العالم بعدما بلغت سمعة إسرائيل والإسرائيليين الحضيض في العالم.

“حماس” انتصرت
وتجسد الشعور المختلط والمزاج العام المتكدر في إسرائيل بكثير من التجليات، اليوم الأحد أيضًا، كما حصل منذ الإعلان عن إبرام صفقة وكشف ملامحها، منها اتهامات المعارضة للحكومة بإدارة فاشلة للحرب على غزة، وكذلك اتهامات الوزير المستقيل إيتمار بن غفير ونواب ووزراء حزبه ممن يبكون بقاء “حماس” في الحكم.

ويرى عاميت ياغور، جنرال في الاحتياط، في مقال تنشره صحيفة “معاريف” اليوم، أن إسرائيل أخطأت في قراءة العدو، “حماس”، وفوتت فرصة حيوية لدحرها، ويعلل رؤيته بالقول إن قدرات “حماس” العسكرية قابلة للترميم، بعكس قدرتها السلطوية السيادية.

ويتابع: “إسرائيل أخطأت لعدم تحركها ضد هذه القدرة، ولكن ليس متأخرًا أن تصحح غلطتها”.

وهذه هي خلفية مظاهرة صاخبة شهدتها القدس المحتلة، في الليلة الفائتة، اعتبرت الصفقة خطأً فادحًا، وخلفية موقف مستشار الأمن القومي الأسبق غيورا آيلاند، الذي قال للقناة 12 العبرية، ليلة أمس، إن “حماس” انتصرت لأنها بقيت تحكم قطاع غزة، بعدما أدارت إسرائيل الحرب بشكل خاطئ.

آيلاند، الذي كان يدعو مرارًا وتكرارًا لتجويع الغزيين دون رحمة وتمييز بين العسكريين والمدنيين، واعتبار غزة دولة معادية يرى أن إسرائيل راهنت على القوة العسكرية فقط، ولم تعمل ما يجب لإسقاط “حماس”: تضييق الخناق حتى يثور الغزيون الجائعون المحبطون ضدها، تحديد بديل سلطوي لها واقتطاع أرض، كالتمسك بمحور نيتساريم الأهم من محور فيلادلفيا.

في المقابل، رد عليه، في تصريح للقناة ذاتها، مستشار سابق آخر للأمن القومي، يعقوب عامي درور، بقوله إن تعقيب آيلاند انفعالي، وإن الصفقة موجعة، لكن لا بد منها. وهكذا في الرأي العام، ولدى المحللين الإسرائيليين، إذ يرى محلل الشؤون الشرق أوسطية في صحيفة “هآرتس” تسفي بار إيل، اليوم، أن معنى الصفقة هو أن “حماس” ستواصل إدارة القطاع، والآن مع شرعية دولية.

وعبّر مراقبون إسرائيليون كثر عن الوجع والحرج الكامنين في الاتفاق مع “حماس”، فيقول المعلق البارز بن كاسبيت، في مقال تنشره صحيفة “معاريف”، إننا سنكون اليوم شعبًا واحدًا دون انقسامات، سنتقاسم معًا الفرحة، ومعًا نذرف دمعة”.

وقال المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، في مقال بعنوان “بحر من الدموع”، إنه من الصعب تجاهل ادعاءات المعارضين للصفقة، ولكنها مع ذلك محقة: بخلاف كل الصفقات السابقة إسرائيل موجودة في حرب صعبة تؤدي لتآكل الطاقات”.

وجهان للتحرير
ويتحدث المعلق السياسي الإسرائيلي الأبرز ناحوم بارنياع، في مقال بعنوان “وجهان للتحرير”، تنشره صحيفته “يديعوت أحرونوت”، عن بطولة المخطوفين ومأساتهم بعد إهمالهم من قبل دولتهم. إذ يقول: “سيُفرج عن آلاف الأسرى، منهم قتلة كبار، أحدهم قاتل ابني في عملية تفجير باص في القدس، عام 1996، ومع كل الوجع المنوط بذلك، كنت أرسل منفذ العملية للحرية، مقابل ولو عودة مخطوف واحد”.

ويرى زميله المعلق نداف أيال بإطلاق من وصفهم بـ “القتلة الكبار” من السجن أمرًا موجعًا وخطيرًا، معتبرًا أن الأشد خطورة أن تقول للإسرائيليين وجيشها: “كل واحد ومصيره”، أما من دعا لرفض الصفقة فلم يقل الحقيقة لعائلات المخطوفين: “بناتنا وأبناؤنا يموتون على مذبح اللاخطة في غزة”.

هل تتجدد الحرب؟
سؤال متداول في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وفي مناطق أخرى في العالم، والكثير من الكذب وعدم الدقة يعتريان الأجوبة عليه، فالجانبان الإسرائيلي والفلسطيني تعرّضا لخسائر كبيرة جدًا، منها تشظي وعي الإسرائيليين، وإصابتهم بنزيف بمستويات مختلفة، واضطرارهم للإفراج عن عدد كبير من الأسرى، وإنهاء الحرب وفق ترجيحات كثيرة دون “نصر مطلق” وبقاء “حماس”.

في المقابل؛ لم يبق حجر على حجر داخل القطاع الذي شهد نكبة، حرب إبادة قتلت عشرات آلاف الفلسطينيين، في حدث جلل لا يقلّ عن “طوفان الأقصى” بالنسبة للإسرائيليين.

من جهته، وأمام الانتقادات أعلاه، وبعد عزم بن غفير على الاستقالة، وتهديد سموتريتش بالانسحاب، تحدث رئيس حكومة الاحتلال، للمرة الأولى منذ إعلان الاتفاق في الدوحة، فقال إننا “مصممون على إتمام أهداف الحرب، وسنعود للقتال إذا تطلب الأمر ذلك”.

وتبعه، صباح اليوم الأحد، الوزير المستوطن سموتريتش، الذي أكد بشكل جازم أن إسرائيل ستعود، بعد المرحلة الثانية من الاتفاق، للحرب، وأن “حماس” لن تبقى بعد ذلك في القطاع. ورغم أنه قال عن نتنياهو قبل عام “كاذب ابن كاذب”، فإنه يعزو ثقته بالعودة للحرب بوعد نتنياهو له وللحكومة.

غير أن مراقبين إسرائيليين يرون أيضًا أن نتنياهو سيضطر، في لحظة الحقيقة، أن يختار بين سموتريتش وترامب. عن ذلك يقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل متسائلًا إن نتنياهو أعطى وعدين متناقضين لسموتريتش ولترامب، فعلى من يضحك ويكذب؟


ما لم يقله نتنياهو
ويقول المعلق ناحوم بارنياع، في مقاله المذكور: “حتى عندما يتمم صفقة جيدة، فهو يغلفها بالكذب، يرفض فهم الثمن الباهظ للصفقة ومواجهته. من أجل ذلك، لا يكفي أن تكون تشرتشل، بل النظر للكاميرا وقول الحقيقة. ليس الآن هو الوقت لاستذكار الفرص التي فوتت. لكن علينا رؤية المستقبل بعيون مفتوحة، فقد عاد نتنياهو، ووعد أن الحرب على غزة ستتجدد. بكلمات أخرى، لن تكون مرحلة ثانية من الصفقة”.

ولا يستبعد زميله المعلق آفي سخاروف أن تنتهي الصفقة عند المرحلة الأولى فحسب، بقوله، في ذات الصحيفة، لا توجد رغبة حقيقية لدى الطرفين للتوصل للمرحلة الثانية. الحقيقة صعبة: من أجل أن يحدث ذلك، بحاجة لعجيبة. نحن متعلقون بالعجائب وبترامب”.

ومن غير المستبعد أن يواصل ترامب إصراره على موقفه بوقف الحرب، بعدما كانت له الكلمة الأخيرة في إنجاز الصفقة، كما تكشف صحيفة “نيويورك تايمز” عن وراء كواليس الاتفاق.

على خلفية سيادة هذا المزاج المختلط والمتعكر في إسرائيل، كتب المحرر الاقتصادي في “يديعوت أحرونوت”، يوم الجمعة الماضي، مقالًا حاول فيه رفع معنويات الإسرائيليين، إذ يخاطبهم بالقول: “لا تخطئوا، إسرائيل هي التي انتصرت”.

كذلك، وعلى خلفية ذلك، من المرجح أن تشمل نتائج هذه الحرب البربرية على غزة سقوط ائتلاف نتنياهو، فاستقالة بن غفير، وإن كانت مؤقتة ربما، فهي بداية انهيار السد، فالسدود تنفجر من ثقب صغير بحجم ثقب الإبرة، وأزمة الثقة بين مكونات الائتلاف تتعمق نتيجة ما جرى ويجري، وإطلاق المئات من الأسرى الفلسطينيين ومشاهد الفرح في الجانب الفلسطيني من شأنه أن يصب الزيت على هذه التوترات الداخلية.

من جهته، سيحاول نتنياهو، المجرب في السياسة، الحفاظ على ائتلافه حتى يعود بإنجاز يلوح به للإسرائيليين كي يبقى في الحكم والتاريخ، وبالتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة في قضية توسيع التطبيع مع السعودية، أو ضرب إيران، أو كليهما.