نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالاً لدانا سترول، الزميلة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ومساعدة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط (2020- 2024)، قالت فيه إن “حزب الله” وإسرائيل يصعّدان الحرب باتجاه الكارثة.
وبدأت مقالها بالنظر إلى رد “حزب الله” على هجمات “حماس”، التي نفذتها داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وكيف اختار زعيم الحزب، حسن نصر الله، دعم “حماس”، التي واجهت حرباً إسرائيلية على غزة، من خلال التصعيد المتدرّج والحذر، حيث لم يستجب لما كان يأمله زعيم “حماس”، يحيى السنوار بإحاطة إسرائيل بـ “حزام النار” بل اختيار أهداف عسكرية وضربها، إلى جانب زيادة الضغط على شمال إسرائيل، بشكل أدى لتهجير أكثر من 80,000 شخص يقيمون في مستوطنات الشمال قريباً من الحدود مع لبنان.
وكان جواب إسرائيل على هجمات “حزب الله”، التي تجنّبَ فيها الأهداف المدنية، هو الرد وقتل وتدمير أرصدة للحزب في جنوب لبنان. ورغم ما حمله تبادلُ إطلاق النار من مخاطر من سوء تقدير إلا أن الطرفين التزما بإبقاء الحرب تحت عتبة التصعيد الشامل.
وبدأت هذه الإستراتيجية بالتغيّر نوعا ما عندما سقط صاروخ على الجولان، في تموز/يوليو، وقتل 12 شاباً درزياً كانوا يلعبون بملعب في بلدة مجدل شمس، حيث ردّت إسرائيل بعملية قتل مستهدف بالضاحية الجنوبية في بيروت، واغتالت القيادي العسكري للحزب، فؤاد شكر.
إلا أن الدينامية لم تتغير كثيراً، حيث أظهر نصرالله استعداداً محدوداً للتصعيد، وعبّر عن رغبة بالعودة إلى التدرّج والحفاظ على الوضع الراهن.
وفي الأسابيع الأخيرة، كانت الضربات التي يشنّها الجيش الإسرائيلي، والاغتيالات المستهدفة، تحدث بوتيرة وعلى نطاق يشير إلى قدر أكبر من المخاطرة، والاستعداد للدخول في مرحلة جديدة من الصراع مع “حزب الله”.
وبحلول 17 و 18 أيلول/سبتمبر، أصبحت الهجمات الإسرائيلية متكررة، وخاصة بعد ضرب أجهزة بيجر وتوكي ووكي، التي قالت إسرائيل إنها استهدفت فيها مقاتلي “حماس”، إلا إن حقيقة اندماج الحزب في النسيج الاجتماعي اللبناني عنى أن كل التفجيرات حدثت بمناطق مدنية، وقتلت العملية أكثر من 30 مدنياً، ثم تبع هذا عملية الضاحية الجنوبية التي قتلت فيها إسرائيل القيادي إبراهيم عقيل، إلى جانب العشرات من المدنيين. وعليه، دخل الجانبان، على ما يبدو، دوامة عسكرية تصاعدية، سيخسر كلاهما أكثر مما قد يكسب من حرب شاملة في الوقت الحالي.
وأضافت سترول أن تجربة حرب 2006 ، وواقع أن الحرب اليوم ستكون أكثر تدميراً، من حيث الخسائر في الأرواح والأضرار الجانبية وخطر التوسع الإقليمي، تقدم أسباباً إضافية لكلا الجانبين للتراجع.
وهذا هو السبب أيضاً وراء استقبال المفاوضين الأمريكيين، بمن فيهم مبعوث البيت الأبيض عاموس هوكشتاين، على مستوى عال في كل من إسرائيل ولبنان وهم يحاولون منع توسع الأعمال العدائية.
وتقول سترول إن المشكلة هي ربط نصرالله المواجهات مع وقف إطلاق النار في غزة. إلا أن “حزب الله” سيخسر أكثر مما يربح من حرب شاملة مع إسرائيل، فبعد حرب الـ34 يوماً عام 2006 قيل إن نصر الله عبّر عن ندم لاستفزاز الحرب من خلال اختطاف جنديين إسرائيليين والرد الإسرائيلي الذي قتل أكثر من 1,000 لبناني.
ويدرك حسن نصر الله أن أي حملة جوية، أو توغّل بري إسرائيلي، في عام 2024، سيكون أكثر تدميراً للبنان، ما يؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين وأضرار جانبية، ويعرّض الدعم الضعيف بالفعل لـ “حزب الله” في المجتمع اللبناني للخطر.
وأي محاولة إسرائيلية لتدمير ترسانة “حزب الله” في الجنوب لن تقتصرعلى الأهداف العسكرية والمدنية التي وضع الحزب ترسانته فيها. ولأن إسرائيل لم تعد تهتم، ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، بالنقد الموجه لها، واستهدافها المناطق المدنية، فلن تتردد بضرب ترسانة الحزب من الصواريخ طويلة المدى، والتي وضع معظمها في المناطق المدنية في بيروت وسهل البقاع، حتى لو عنى هذا التسبّب بضحايا مدنيين كثر.
وأشارت الكاتبة إلى أن شعبية “حزب الله” ليست قوية بالقدر الكافي داخل لبنان، وخاصة بعد اتهامه بتخزين المواد الكيماوية في مرفأ بيروت، وانفجارها عام 2020. مع أن قاعدة الحزب القوية موجودة في الضاحية الجنوبية والجنوب. ومع ذلك فلن تقتصر خسائر الحرب الشاملة على المجتمعات الحاضنة للحزب، بل ستشمل لبنان كله، حيث سيتحمل المسؤولية عن الدمار الذي سيحدث. إضافة لهذا، فقد تكبّد الحزب، خلال الأشهر الـ 11 الماضية، خسائر فادحة في العمليات والقيادة، وهو ما يدعوه للتفكير بجدية وطرح تساؤلات حول المدة التي يستطيع فيها تحمّل آثار الهجمات الإسرائيلية، قبل أن يعاني التنظيم من التدهور المستمر. ومن المؤكد أن هذه الخسائر سوف تتزايد بشكل كبير في حالة اندلاع صراع واسع النطاق.
وزعم الجيش الإسرائيلي أنه قام بتفكيك قيادة العمليات في “حزب الله”، وكذا مراكز قيادة وتحكم ومخازن أسلحة، وأي تنظيم يتكبد مثل هذه الخسائر لا بد وأن يعاني من تراجع في المعنويات. وتزعم الكاتبة أن رفض نصرالله فك علاقة عملياته بغزة يقوده إلى الانهيار العملياتي.
والأمر يصدق على إسرائيل، فرغم ما تتمتع به من قوة جوية، إلا أن الحوافز المتوفرة لديها تدعو لعدم الدخول في حرب واسعة ضد “حزب الله”.
فبعد قرابة عام من القتال في غزة، أصبح الجيش الإسرائيلي متعباً، واستنزف مخزون الذخائر، ويواجه قادة إسرائيل ضعفاً في الدعم الشعبي، فيما تضرّرَ اقتصاد إسرائيل، وتآكلت مكانتها الدولية والإقليمية بشكل كبير.
ويدرك المخططون العسكريون في الجيش تمام الإدراك أن القدرات القتالية الأكثر تقدماً التي يمتلكها “حزب الله” وترسانة الأسلحة المتطورة التي لديه من شأنها أن تجعل الحملة على غزة تبدو وكأنها لعبة أطفال.
فترسانة “حزب الله” من الصواريخ والمسيّرات ستجهد قدرات إسرائيل، وخاصة عندما يتحوّل الاستهداف من المناطق العسكرية إلى المناطق المدنية. وفي لعبة حربية أجرتها جامعة رايخمان، قبل وقت قصير من هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، تكهّنت بأن “حزب الله” قادر على إطلاق 2,500 إلى 3,000 هجوم صاروخي ومقذوفات صاروخية على إسرائيل يومياً، وعلى مدى أسبوع.
ويشير بعض التقديرات إلى أن ترسانة “حزب الله” من الصواريخ والقذائف والمسيّرات تبلغ 150,000 على الأقل، أي عشرة أضعاف الذخائر التي كانت بحوزته خلال حرب عام 2006، وتشمل الآن ذخائر موجهة بدقة يمكن أن تهدد المواقع الإستراتيجية داخل إسرائيل.
كل هذا في وقت نفد فيه مخزون إسرائيل من الصواريخ المعترضة للقبة الحديدية ومقلاع داوود.
وتوقعت لعبةُ الحرب في جامعة رايخمان إطلاق وابل من الصواريخ الموجهة والمتسكعة، والتي تطال البنى التحتية والمراكز المدنية.
ويفترض أن المساعدات العسكرية الأمريكية لن تكون كافية، أو قد تصل في الوقت المناسب لدعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتوترة، ما سيجبر الجيش الإسرائيلي على الدفاع عن المناطق ذات الأولوية فقط. ونظراً للضغوط المتوقعة على الدفاعات الجوية الإسرائيلية، فقد قدّرَ المخططون العسكريون الإسرائيليون، ومنذ فترة طويلة، أن العمليات الهجومية والاستباقية واسعة النطاق ستكون ضرورية ضد “حزب الله”.
ومن الممكن أن تؤدي حملة جوية ضخمة إلى تدمير منصات الصواريخ والذخائر الموجهة بدقة، ولكن حتى هذا الجهد سيتعقد بسبب شبكة “حزب الله” من الأنفاق تحت الأرض، والتي، وفقاً لتقرير صادر عن مركز ألما للأبحاث، هي أكثر تطوراً من شبكة أنفاق “حماس” في غزة. وفي هذه الحالة، قد تضطر إسرائيل لاستخدام ذخيرة ثقيلة، بشكل يزيد من حجم الخسائر في كل أنحاء لبنان، وفي نهاية المطاف، ستضطر إسرائيل لشن حملة برية لملاحقة كل من المقاتلين، ومخابئ الأسلحة، ومواقع الإطلاق، قرية بعد قرية، ونفقاً بعد نفق، وهو ما يشكّل تحولاً عن النهج الأخير، المتمثّل في استخدام القوة الجوية والمدفعية فقط.
وترى سترول أن الطرفين عالقان في دوامة تصعيد، فمن جهة تعاني إسرائيل من قلة في الدبابات، التي دمر عدد كبير منها في غزة، وكذا نقص في الذخيرة والجنود، وهناك تقارير عن نقص في قطع الغيار، والتي لن تعوّض بشكل سريع مع توسّع الحرب إلى لبنان.
ولن تكون هذه الحرب محدودة بنطاق، أو وقت، أو جغرافيا، ولا جيش يعاني من هذه المشاكل يريد فتح جبهة جديدة. والجيش الإسرائيلي قلق من نقص الجنود، فقد ذكرت منظمة توفر الدعم لجنود الاحتياط أن 10,000 جندي بحاجة لعلاج نفسي، وتم طرد الآلاف من وظائفهم المدنية، وأغلقت 1,000 مؤسسة تجارية يديرها جنود الاحتياط أبوابها. وهناك عدد كبير منهم لم يستجيبوا لدعوات الجيش للعودة إلى الجبهة.
وفي تموز/يوليو، التقى قادة الجيش مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وحذّروه من وضع قواتهم، فانخفاض الروح المعنوية، والإرهاق المتزايد، في صفوف القوة المقاتلة، من شأنه أن يدفع صنّاع القرار في إسرائيل إلى التفكير مليّا وهم يخططون لتوسيع الحرب إلى الشمال.
كما تكبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر كبيرة، ومن الممكن أن تتفاقم هذه الخسائر إذا تورطت إسرائيل بحرب جديدة في لبنان.
ورغم المحفّزات للطرفين من أجل خفض التوتر إلا أن كليهما عالق في دوامة من التصعيد المستمر. وقد أظهر الطرفان استعداداً لتوسيع الأهداف، والتي قد تخلّف خسائر جانبية.
وتزعم الكاتبة أن نصر الله ورّطَ “حزب الله”، عندما ربط حربه مع إسرائيل بغزة، ذلك أن مطالب السنوار عالية، ولا توجد أدلة عن خروج إسرائيل من غزة قريباً، نظراً لرفضها الموافقة على إدارة مدنية فيها، أو حتى قوة دولية بمشاركة عربية. فالظروف في غزة مهيأة لوجود مستمر للجيش الإسرائيلي، ما من شأنه منع “حزب الله” من التراجع، وفقاً لمنطق نصر الله.
وبنفس السياق، إسرائيل متورطة. فعملية بيجر وتوكي ووكي قد تكون عملية قصد منها توجيه ضربة كبيرة للحزب، مع وجود كبير للقوات الأمريكية بالمنطقة. وستقدم هذه الدعم لإسرائيل عندما يتعلق الأمر بـ “حزب الله” وإيران. مع أن الحكومة الإسرائيلية لم تحدد للجيش الإسرائيلي أهدافاً عسكرية قابلة للتحقيق، ولم ترسم نهاية واقعية لـ “حزب الله”، الأمر الذي يفتح المجال أمام هجوم موسع بأهداف غير محددة المعالم، وعرضة للتوسع. وهدف إعادة سكان الشمال، ليس هدفاً عسكرياً بعد كل هذا.
وفي النهاية؛ ترى سترول أن المخرج من التصعيد هو خفض التوتر، وهنا يأتي دور الولايات المتحدة من خلال التفاوض على إطار دبلوماسي تنسحب في إطاره قوات “حزب الله” مسافة أربعة أميال عن الحدود.
وتقول الكاتبة إن هناك حاجة لممارسة الضغط على “حزب الله” من أطراف إقليمية. وفي الوقت الذي تركز فيه واشنطن على خفض التوتر عليها التأكيد على التزامها بالدفاع عن إسرائيل، وأن “حزب الله” لن يكون قادراً على دق إسفين بين أمريكا وإسرائيل.