نشرت مجلة “تايم” الأمريكية مقالاً لياسمين سرحان قالت فيه إن الحكومة البريطانية الجديدة تتعرّض لضغوط من أجل تغيير موقفها من الحرب في غزة، فهل ستفعل؟
وقالت إن حكومة “العمال” وصلت إلى الحكم بعد انتخابات 4 تموز/يوليو بوعد تفكيك ما فعلته 14 سنة من حكم المحافظين، وفي الوقت الذي ركزت سياساتهم على الموضوعات المحلية إلا أنها امتدت للسياسة الخارجية، وخاصة الموقف من حرب غزة.
ولم تضيع الحكومة العمالية الجديدة وقتاً، فبعد أسبوعين من دخول 10 دوانينغ ستريت، أعلن وزير الخارجية ديفيد لامي استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، حيث قررت بريطانيا تعليق الدعم لها إلى جانب الولايات المتحدة وعدد من الدول، بعد مزاعم إسرائيلية بأن موظفين في الوكالة شاركوا في هجمات “حماس” على إسرائيل، في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وبعد عدة تحقيقات قررت عدة دول استئناف التمويل، ومنها بريطانيا.
وبعد أسبوع، أعلنت الحكومة أنها لن تتابع اعتراضها القانوني على طلب مدعي عام “المحكمة الجنائية الدولية” من قضاتها إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وثلاثة من قادة “حماس” بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
ورحب الناشطون المؤيدون لفلسطين ومنظمات حقوق الإنسان بهذه التحولات في السياسة الخارجية، إلا أنهم كانوا يتطلعون لتغيير جوهري وبموضوع مهم هو: تعليق تصدير السلاح إلى إسرائيل.
ويعتبر هذا موضوعاً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لبريطانيا، لدرجة أن دبلوماسياً في وزارة الخارجية استقال، قبل فترة، وحذر من أن تقاعس الحكومة في هذا الموضوع ربما جعلها متورطة في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بغزة.
وأخبر مارك سميث، مسؤول مكافحة الإرهاب بسفارة بريطانيا في دبلن، زملاءه: “نشهد في كل يوم أمثلة واضحة ولا جدال فيها على جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي الإنساني ترتكبها إسرائيل بشكل متكرر”، وأضاف: “لا يوجد مبرر لاستمرار مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل، ومع ذلك فهي مستمرة بطريقة أو بأخرى. لقد أثرت هذه المسألة على كل المستويات في المنظمة… بصفتي مسؤولاً حاصلاً على تصريح كامل وأثرت مخاوف جدية بشأن عدم الشرعية في هذه الوزارة، فإن تجاهل الأمر بهذه الطريقة أمرٌ مزعج للغاية. ومن واجبي كموظف عام أن أثير هذه المسألة”.
ومع أن هذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها موظف مدني عن قلقه بشأن احتمال التورط بجرائم الحرب في غزة، إلا أنها أول استقالة معلنة حصلت نتيجة لها، تماماً مثل الموجة في الولايات المتحدة، حيث استقال في الأشهر الأخيرة عددٌ من المسؤولين احتجاجاً على سياسات واشنطن من الحرب. وجاءت استقالة سميث تعبيراً عن المشاعر العامة في بريطانيا، حيث تطالب نسبة 58%من البريطانيين وقف صفقات السلاح إلى إسرائيل وخلال فترة الحرب في غزة، وحسب استطلاع نظم في تموز/يوليو، وأجرته منظمة “يوغوف”، مقارنة مع 18% عارضت الحظر. كما طالبت نسبة 78% من المشاركين في الاستطلاع بوقف فوري للنار.
ووصلت الدعوات المطالبة بوقف تصدير الأسلحة ذروتها، عندما كشف عن نصيحة قدمها مستشارو الحكومة القانونيون حذروا فيها بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي الإنساني في غزة، وهو ما يجبر بريطانيا على وقف تصدير المزيد من الأسلحة.
وفي ذلك الوقت، طالب لامي، الذي كان وزير ظل في حكومة “العمال” المعارضة، حكومة المحافظين بنشر النصيحة القانونية، وهو ما رفضت عمله.
ومنذ وصوله إلى الخارجية، لم ينشر لامي نفسه النصيحة، ولكنه لجأ إلى ما أسماه “مراجعة شاملة” وتقييم إن ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة. والمراجعة مستمرة.
ويعتقد جوزيف ويليتس، رئيس الشؤون البرلمانية بمجلس التفاهم العربي- البريطاني، أن “مستويات السخط واسعة”، حسب قوله للكاتبة. مضيفاً أن هناك عدداً من المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع يفكرون بمتابعة طريق سميث، و”هم يريدون رؤية النصيحة القانونية”.
وتأخر الإعلان عن نتائج المراجعة عدة أسابيع بسبب النقاش حول الأسلحة البريطانية وما يمكن أن تستخدمه إسرائيل منها للقتال في غزة أو للدفاع عن نفسها.
وتقدم بريطانيا، مثلاً، 15% من مكونات أف-35، والتي استخدمها الجيش الإسرائيلي للدفاع والهجوم.
ونقلت المجلة عن ياسمين أحمد، مديرة “هيومان رايتس ووتش” في بريطانيا، أن الحكومة البريطانية ربما كانت مترددة في الحد من هذه الأنواع من الأسلحة، والتي يمكن استخدامها لأغراض دفاعية، إلا أن القانون واضح. وتعلق قائلة: “لا توجد تحذيرات أو دفاعات أو استثناءات لمتطلب التعليق عندما يكون هناك خطر واضح من استخدام المعدات العسكرية البريطانية لتسهيل أو تنفيذ انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”، مضيفةً: “وإذا تحقق هذا الشرط، فيجب وقفها، بغض النظر عما إذا كانت نفس المعدات ستستخدم بشكل محتمل لأغراض دفاعية أم لا”.
ولو اتخذت الحكومة البريطانية قراراً بهذا الشأن فلن يكون سابقة، ففي عام 2014 هددت الحكومة البريطانية بتعليق 12 رخصة تصدير سلاح إلى إسرائيل بسبب القلق من استخدام الجيش الإسرائيلي المكونات في اتتهاكات حقوق إنسان محتملة بغزة.
وبعد اجتياح إسرائيل لبنان في عام 1982، علقت الحكومة البريطانية مبيعات السلاح إلى إسرائيل، وإنْ لفترة وجيزة. واتخذت تحركاً مشابهاً في عام 2009.
وتعلق أحمد بأن حجم الموت والدمار اليوم في غزة يتضاءل مع الظروف التي أدت إلى حظر الأسلحة في العقود السابقة، فقد قتل أكثر من 40,000 شخص، حسب أرقام وزارة الصحة التي تديرها “حماس”، وتعتبر أرقامها موثوقة لدى الحكومة الأمريكية والأمم المتحدة. وعلى الأقل يجب على الحكومة الحالية تتبع خطوات حكومة كاميرون، كما تقول أحمد، مضيفة إلى أن “خطورة الانتهاكات التي حدثت في سياق هذه الأعمال العدائية تتفوق على ما حدث في 2014”.
وتواجه نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، والمرشحة الديمقراطية لانتخابات 2024، دعوات لحظر الأسلحة إلى إسرائيل، وهو أمر استبعده مستشارها للأمن القومي.
ولا تقارن مبيعات السلاح البريطاني بما تقدمه الولايات المتحدة إلى إسرائيل. ولكن قرار الحكومة تعليق تصدير الأسلحة سيكون تعبيراً عن عدم رضا بريطانيا من إدارة الحرب في غزة، وقد تدفع كبار مصدّري السلاح إلى إسرائيل مثل ألمانيا وأمريكا لاتخاذ نفس الخطوة.
وتقول أحمد: “من السهل عليك توضيح التزاماتك تجاه القانون الدولي في المواقف التي لا تثير الكثير من الخلافات والتي قد تتعرض فيها لانتقادات شديدة”. مضيفة: “في الحقيقة، فإن التزامك بالقانون الدولي يظهر في المواقف، وخاصة في مواقف كهذه، حيث ستكون هناك ضغوط، وحيث تكون العواقب لعدم القيام بذلك كبيرة للغاية”.