قالت مصادر مصرية مطلعة على الوساطة التي تشارك فيها القاهرة بشأن إبرام صفقة تبادل أسرى بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، وإرساء هدنة غزة إنه حتى بعد ظهر أمس الثلاثاء، كان هناك توافق بشأن خطوط عامة، وهي خطوة كانت غائبة طوال الفترة الماضية، مرجعة حالة التفاؤل التي يتم الترويج لها إعلامياً إلى هذه الخطوة.
رفض إسرائيلي للتجاوب مع مقترحات هدنة غزة
وأوضح مصدر مصري لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من الاتفاق على خطوط عامة مثل المساعدات الإغاثية، فإن "التفاصيل لا تزال عائقاً"، إذ إن الجانب الإسرائيلي يرفض حتى الآن التجاوب بشكل واسع مع المقترحات التفصيلية المطروحة للخطوط العامة.
وأضاف أنه جرى التوافق على سبيل المثال على إدخال المساكن الجاهزة، حيث ستلتزم تركيا ضمن الاتفاق بتوريدها وإدخالها، لكن في المقابل، يرفض الجانب الإسرائيلي حتى الآن الحديث عن الأعداد التي سيتم السماح بإدخالها من تلك المساكن، وكذلك الأماكن التي سيتم الدخول إليها وإقامتها بها.
وأكد المصدر المصري أن ما يتعلق بحجم المساعدات والتفاصيل المرتبطة بها لا يزال محل خلاف بين الطرفين، إذ يتهرب الجانب الإسرائيلي من أي نصوص ملزمة بإدخال كميات محددة من المساعدات يومياً وطوال مدة الهدنة، لافتاً إلى أن الجانب الإسرائيلي يرى أنه حال الاتفاق سيعلن قبوله بالسماح بتمرير أعداد الشاحنات المتفق عليه لكنه سيكون غير ملتزم بتحقيق هذا العدد من حيث النواحي اللوجستية.
ولفت إلى أن إحدى نقاط الخلاف الحالية، ما يتعلق بعودة المواطنين إلى شمال القطاع ومدينة غزة، قائلاً إن الجانب الإسرائيلي أبدى خلال اجتماع باريس الأخير استعداده للسماح بعودة المواطنين جزئياً في عدة مناطق يحددها هو، لكن في أحاديث التفاصيل الجارية في الدوحة، يرفض الجانب الإسرائيلي السماح بعودة الأسر المهجرة بكامل أفرادها، ضمن المناطق التي سيعلن عن استعداده لإعادة السكان بها، إذ يتمسك الجانب الإسرائيلي بعودة النساء والأطفال فقط، ومن هم دون سن الخدمة العسكرية، بينما تتمسك المقاومة بعودة الأسرى كاملة. وأكد المصدر أن "حماس" بريئة من المماطلة بشأن التوصل إلى اتفاق، لافتاً إلى أنها أبدت خلال المشاورات مع الوسطاء في مصر وقطر تجاوباً مع الأطروحات الحالية.
من جهته، أكد مصدر قيادي في "حماس"، لـ"العربي الجديد"، أن كل ما يثار بشأن الانتهاء من الاتفاق غير دقيق أو بمعنى أكثر دقة غير صحيح، مشدداً على أن ما يجري في الوقت الراهن لا يختلف كثيراً عن جولات سابقة من التفاوض غير المباشر مع المسؤولين في حكومة الاحتلال، الذين دائماً ما يوظفون جولات التفاوض في أزماتهم الداخلية.
وأوضح المصدر أن الاتفاق الراهن لا يعد تراجعاً عن التمسك بوقف دائم لإطلاق النار، مشيراً إلى أنه يمكن وصف ما يجري بتعديل الآليات فقط، قائلاً "إن ما يتم الحديث بشأنه هو مرحلة من مراحل التفاوض وليس اتفاقاً نهائياً منفصلاً". وأشار إلى أن إخراج الأسرى العسكريين للاحتلال من معادلة الاتفاق الحالي نهائياً يجعل موقف المقاومة بشأن التمسك بوقف دائم وشامل لإطلاق النار أمراً لا رجعة عنه.
من جهة أخرى، كشف مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" أن هناك توافقاً مبدئياً على عقد اجتماع في القاهرة الأحد المقبل، لإعلان الهدنة في حال تم التوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أنه يجري حالياً التوافق بشأن مستوى التمثيل وما إذا كان على مستوى وزراء الخارجية، أم أنه سيكون امتداداً لاجتماعات رؤساء الأجهزة الأمنية فقط.
ضغوط على "حماس"
وتعليقاً على هذه التطورات، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أحمد رخا حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذا التضارب بين التفاؤل الأميركي وعدم تفاؤل الجانب الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية يدل على أن واشنطن قد ضاقت ذرعاً بتعنّت إسرائيل، وأن الرئيس الأميركي جو بايدن يرسل إشارة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن واشنطن قد تمارس ضغطاً قوياً على إسرائيل للتوصل إلى وقف إطلاق النار قبل شهر رمضان.
وأضاف أن الموقف الأميركي يتخوف من أن استمرار الحرب خلال رمضان ستنتج عنه تداعيات خطيرة حذرت منها أجهزة الأمن الإسرائيلية ذاتها، مشيرا إلى أن الوسطاء يتطلعون إلى أن يصدق بايدن هذه المرة فيما أعلنه عن الأمل في وقف القتال يوم الاثنين المقبل.
أما أستاذ العلوم السياسية عمار فايد، فقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه كالعادة يخرج الأميركيون بتصريحات إيجابية حتى قبل أن تصل المقترحات لـ"حماس" التي لم تكون موجودة في مشاورات فرنسا. وأضاف أن الأميركيين قالوا إن الأجواء إيجابية على الرغم من أن الطرف نفسه المعني بالرد (حماس) غير موجود، وهذا نوع من الاستباق والضغط ليظهر وكأن التفاوض يسير بشكل إيجابي و"حماس" تعطله، لتصبح الحركة المسؤولة أمام الرأي العام في غزة والعالم العربي والدولي، وهذه استراتيجية مقصودة حتى تكون "حماس" تحت الضغط.
من جهته، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عبد الله الأشعل، لـ"العربي الجديد"، إنه يبدو واضحاً أن المفاوضات متعثرة ومتعسرة وهذا الذي يدفع إلى تغيير عواصم التفاوض ما بين مصر وقطر وفرنسا، ونظراً إلى أن إسرائيل تريد الضغط على المقاومة للتخلي عن شروطها في ملف تبادل الأسرى وكذلك عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة.
ولفت إلى أن إسرائيل ترغب في بقاء أعداد الأسرى الذين ستفرج عنهم قليلة، وكذلك لا تريد عودة النازحين إلى الشمال، وإنما تريد إجبارهم على الذهاب باتجاه الحدود المصرية في حال اجتياح رفح، وبالتالي الضغط كبير على المقاومة الفلسطينية للتخلي عن مبادئها وشروطها في التفاوض والالتزام بما يريده الاحتلال.