تسارع تحرك الإدارة الأميركية في الأيام الأخيرة باتجاه صفقة رهائن مع هدنة في قطاع غزة، بدأ ذلك بزيارة منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض، بريت ماكغورك، إلى المنطقة في مهمة خاصة حول هذا الموضوع. ويبدو أنه تمكن من وضع اللبنات الأولى لهذه العملية وترك إزالة العقبات الرئيسية إلى مدير الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وليام بيرنز، الذي غادر ليل الجمعة السبت (على الأرجح) إلى فرنسا لعقد اجتماع رباعي، غدا الأحد، مع نظيريه المصري والإسرائيلي، وبمشاركة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني.
والمعروف أن بيرنز هو رجل المهمات الصعبة في الإدارة الأميركية، وتحظى مقارباته للمشكلات وحلولها "بإصغاء البيت الأبيض"، بينما يعطي حضور رئيس الحكومة القطرية لهذا اللقاء طابع الجدية، بحيث بدا وكأن في الأمر عملية إنضاج طبخة ولو أنها "قد لا تكون وشيكة"، على حد تعبير جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
المتداول من تسريبات وتكهنات عن عناصر الصفقة يتناول مسائل اللحظة الراهنة وما بعد الحرب، فالشق الأول يبدأ في تبادل الأسرى والإفراج عنهم على دفعات، إضافة إلى المدة الزمنية وتمرير المساعدات الإنسانية الكافية إلى داخل قطاع غزة، مع المراهنة على أن ترجمة هذه الخطوات بالتدريج لا بد أن تؤدي إلى تجديد الهدنة اكثر من مرة، "بحيث تتحول بالنهاية إلى شيء من وقف النار المفتوح على إنهاء الحرب". يشجع على ذلك وبما يؤدي إلى تجاوز اعتراضات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن ضغوط عائلات الأسرى تتزايد عليه، وأن الخلافات داخل حكومته تتفاقم وكذلك دعوات خصومه للانتقال من الخيار العسكري إلى الدبلوماسي لاستعادة الأسرى، وصبّ في هذا المجرى القرار الذي صدر أمس الجمعة، عن محكمة العدل الدولية، ووصفه المراقبون بأنه "تحذير شديد اللهجة " بخصوص أوضاع المدنيين، ومطالبة لإسرائيل بعمل المزيد لمنع تدهور الوضع إلى الأسوأ في غزة، فيما تواصل المحكمة النظر في دعوى الإبادة التي رفعتها جنوب أفريقيا، مع ما ينطوي عليه ذلك من احتمال صدور قرار أشد وطأة يؤدي إلى تدخل مجلس الأمن الدولي لتنفيذه.
الإدارة الأميركية تزمع توظيف هذه الأوراق لانتزاع الهدنة وفتح الطريق أمام حلحلة تتطلع إلى ترسيخها كمدخل إلى مرحلة ما بعد الحرب للتعامل مع جذور المشكلة، كما تزعم.
لكن طروحاتها غير متماسكة وضبابية، فـ حلّ الدولتين تبين أنه في تصورها لا يزيد عن "صيغة كيان شبيه بدول جزر الباسيفيك المنقوصة سيادتها، مثل ميكرونيزيا المفروض قيود على شؤونها الدفاعية وأمور حساسة أخرى"، وفق ما نقله المعلّق في صحيفة "واشنطن بوست"، دافيد إغناسيوس، عن مسؤولين في الإدارة. وحتى مثل هذه الصيغة التي تراها إدارة الرئيس جو يايدن ممراً لإسرائيل "نحو التكامل مع العالم العربي"، غير مقبولة من نتنياهو الذي "لا يتعامل مع بايدن كشريك" في هذه الحرب، كما يقول الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس، الذي يستغرب كيف أن الرئيس بايدن "لم ينفد صبره بعد من نتنياهو".
بايدن في عجلة من أمره، إذ يريد التفرغ بسرعة لحملة انتخابات الرئاسة التي بدأت مبكراً بعد أن انتهت عمليا انتخابات التصفية الحزبية قبل أوانها، والمعطيات المحلية خاصة الاقتصادية التي تشكل البوصلة الرئيسية لخيارات الناخب، تتراكم لصالحه. فضلا عن مشاكل منافسه دونالد ترامب الذي تعرض أمس الجمعة لأول إصابة قضائية، إذ قضت المحكمة بتغريمه 83 مليون دولار في قضية أخلاقية. أما العدوان على غزة فقد تسبب له بمتاعب في صفوف شريحة هامة من قواعد حزبه وبات يهدد مكاسبه، ومع أنه وعد وحذر ولوّح بالردع لمنع توسيع الحرب، لكنها توسعت ولو بصورة متقطعة، وتنذر بالمزيد. وهذا ما لا يقوى على تحمله "لسنة أخرى"، كما قال امس، فقد بات يدرك بعد 3 أشهر من تعثر المساعي وفظائع العمليات العسكرية الإسرائيلية، أنه إن لم يكن وقف النار، فإن الهدنة على الأقل باتت ملحّة. ومن هذه البوابة، يبدأ وقف التوسيع الذي يمسك نتنياهو بمفتاحه. ومن هنا تأتي أهمية اجتماع باريس وتكليف بيرنز بالمشاركة فيه، مما عزز الأمل بصفقة ما.