يبدو أنَّ تعهد بايدن العلني بمعارضة التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة المحاصر يزداد هشاشة وسط الأزمة الإنسانية التي تتقد في رفح، أقصى جنوب غزة، حيث صرح مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون، لموقع Middle East Eye البريطاني يوم الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 بأنَّ التحذيرات الصارخة من انهيار النظام الاجتماعي في جنوب غزة، مع احتمال إرسال مئات الآلاف من الفلسطينيين عبر الحدود إلى مصر، تختبر أحد أوضح الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة.
قال ويليام آشر، وهو محلل كبير سابق لشؤون الشرق الأوسط في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لموقع Middle East Eye: "يبدو أننا نسير على طريق الانزلاق إلى النزوح بسبب اليأس. سيكون ذلك محرجاً لإدارة بايدن، التي من الواضح أنَّ شعورها بالإحباط تجاه إسرائيل يتزايد".
تشريد مئات الآلاف في غزة
إنَّ ما يقرب من 90% من سكان غزة –1.9 مليون فلسطيني– قد شُرِّدوا داخلياً نتيجة للهجوم الإسرائيلي، ونحو مليون منهم محاصرون الآن في رفح الصغيرة، حيث يعيشون في ظروف مزرية تحت القصف الإسرائيلي.
واضطر الفلسطينيون في رفح إلى النوم في الشوارع وفي خيام مؤقتة. وقد وثّقت الأمم المتحدة تفشي أمراض الجديري المائي والتهاب السحايا واليرقان والتهابات الجهاز التنفسي بسبب الاكتظاظ الشديد، وتقول إنَّ الفلسطينيين يتبرزون الآن في العراء بسبب نقص المراحيض. ويصيبهم سوء الصرف الصحي بالإسهال.
ويوم الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول 2023 حذر المفوض العام للأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) فيليب لازاريني من أنَّ "النظام المدني ينهار" في رفح.
وقال: "من غير الواقعي الاعتقاد بأنَّ الناس سيظلون صامدين في مواجهة مثل هذا القدر من الظروف غير الصالحة للعيش، خاصة عندما تكون الحدود قريبة جداً".
وتأتي تصريحاته بعد تحذير من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يوم الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول، من وجود "ضغوط متزايدة من أجل النزوح الجماعي إلى مصر".
إجبار أهالي غزة على عبور حدود مصر!
في سياق متصل، صرح خالد الجندي، مدير برنامج معهد الشرق الأوسط للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية، لموقع Middle east Eye: "عندما تجمع أجزاء الصورة معاً، تجد أنَّ لا شيء منها عشوائي أو عرضي. من المستحيل ألا تستنج أنَّ الهدف النهائي لإسرائيل هو إجبار الناس على عبور الحدود".
وتأتي تحذيرات الأمم المتحدة في الوقت الذي تزيد فيه الولايات المتحدة انتقاداتها العلنية لإسرائيل، مما يكشف عن عدم ارتياح جديد تجاه هجوم حليفتها.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء، 12 ديسمبر/كانون الأول، إنَّ إسرائيل تفقد الدعم العالمي؛ لأنها تنفذ "قصفاً عشوائياً" على غزة. وأشار في وقت لاحق إلى أنَّ إسرائيل يجب أن تركز على إنقاذ أرواح المدنيين.
أما يوم الخميس 14 ديسمبر/كانون الأول، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل التحول إلى مرحلة "منخفضة الشدة" من الحرب.
غزة ذا ويكند الاحتلال
قصف الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة / الأناضول
ودعت إدارة بايدن إسرائيل إلى السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن الخوف من التهجير القسري يتداخل مع مخاوف واشنطن الإنسانية والمخاوف السياسية والأمنية الأوسع.
فقد أدى الضغط الإسرائيلي من أجل التهجير القسري للفلسطينيين في الأيام الأولى للصراع إلى تأجيج الدول المجاورة مثل مصر والأردن. وانتقدت القاهرة الولايات المتحدة بسبب المناورات الإسرائيلية للتهجير القسري، حسبما أفاد موقع Middle East Eye سابقاً.
المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة
انضمت الأردن ومصر إلى دول عربية أخرى تطالب بوقف إطلاق النار في الحرب. وفي حين فشل إصرار عمان والقاهرة في وقف القتال، إلا أنه نجح في الخروج بتعهد علني من بايدن بمعارضة طرد الفلسطينيين من غزة.
وقال مسؤول أمريكي حالي ومسؤول سابق مطلعان على تفكير الإدارة لموقع Middle East Eye، إنَّ إدارة بايدن تأمل في أن يسهم هجوم إسرائيلي أكثر توجيهاً في معالجة مخاوف حلفائها العرب، فضلاً عن تسهيل وصول المزيد من المساعدات إلى القطاع والحدّ من الخسائر في صفوف المدنيين.
من جانبه، حذر عباس دهوك، المستشار العسكري الكبير السابق في وزارة الخارجية، لموقع Middle East Eye: "لا يوجد مكان آمن للمدنيين في غزة في الوقت الحالي".
وأضاف: "ما ترغب الإدارة في رؤيته هو عمليات مكافحة التمرد التي نفذتها الولايات المتحدة في الأيام الأولى من حربها في أفغانستان، حيث تستهدف وحدات النخبة حماس مع الحد الأدنى من تهجير المدنيين. لكن من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل لديها القدرة أو الرغبة في تغيير التكتيكات العسكرية".
ويقول الخبراء إنَّ مزيجاً من المرونة الفلسطينية وتعزيز الأمن المصري هو الذي يحول حتى الآن دون وضع تعهد إدارة بايدن بمعارضة التهجير القسري أمام الاختبار.
ويقول الفلسطينيون إنهم لا يعتزمون الفرار من قطاع غزة. والعديد من أولئك الذين يتحدون الأزمة الإنسانية اليوم هم من نسل الفلسطينيين الذين هُجِّروا قسراً من منازلهم في عام 1948 بعد إنشاء دولة إسرائيل في ما يُعرَف بـ"النكبة". وكان اللاجئون يُشكِّلون حوالي 70% من سكان غزة قبل بدء الحرب الحالية.
في سياق متصل، قال مدير برنامج معهد الشرق الأوسط للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية خالد الجندي، لموقع Middle East Eye: "الفلسطينيون يفضلون الموت في غزة على الفرار، لكن ماذا سيفعل الناس الذين يتضورون جوعاً ويحاولون إنقاذ أطفالهم؟". وأضاف: "هذه نقطة تحول حاسمة".