تتمسّك أسرة فلسطينية مكونة من 6 أفراد بالبقاء في منزلها الكائن في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، رغم تحوله إلى ركام بفعل القصف الإسرائيلي خلال الحرب على القطاع، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتواصل العائلة حياتها بصعوبة بعد أن دمّرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلها المكون من طابقين، الشهر الماضي، حيث تسببت في إصابة الأب خالد ناجي (51 عاماً) بجروح بليغة.
وعلى أنقاض المنزل المدمر، تقوم زوجته سهام ناجي (48 عاماً) بتقطيع حبات الطماطم والفلفل استعداداً لتحضير طعام الإفطار لعائلتها بمعاونة زوجها وطفلها الصغير.
وعلى الرغم من ذلك تتمسك تلك العائلة وأفرادها بالبقاء في منزلهم حتى بعد دماره، حيث تعمل بتفان لتوفير الاحتياجات الأساسية وتأمين لقمة العيش، في ظل ما تعيشه من ظروف مأساوية بسبب الحرب.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، يكافح الزوج خالد، برفقة زوجته، من خلال البحث بين الركام عن بعض قطع الخشب من الأثاث المدمر بفعل القصف.
ويعمل الأب بجهد لرفع الأنقاض لإيجاد القليل من الخشب لإشعاله وتحضير طعام الإفطار، المعروف باسم "قلاية بندورة" مكونة من الطماطم والفلفل والثوم، ويتم تقليبها على النار حتى تنضج.
وبالرغم من الدمار والآلام التي أصابت تلك العائلة، تحاول السيدة سهام مداعبة حفيدها على فراش وضعته فوق الركام. وتحتمي تلك العائلة في غرفة متصدعة، وهي ما تبقى من المنزل، للنوم بها وقضاء أوقاتهم داخلها.
وقال خالد ناجي: "فوجئنا في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بقصف المنزل المجاور لنا ومنزلنا، بالرغم من عدم وجود أي أهداف عسكرية" بالقرب منهما. ما دفع ناجي لنقل عائلته إلى بيت أخيه، بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى، في مدينة دير البلح، وسط القطاع.
لكن الإقامة في بيت أخيه لم تطل، حيث ذهب مع زوجته وابنه الصغير لإعداد الخبز في منزله، وما إن جلس خالد وزوجته وابنه حتى فوجئ بصواريخ إسرائيل تقصف منزله ومنزل جيرانه وتحولهما لركام.
وقال خالد: "القصف تسبب بجروح عميقة في يدي وحروق في جسمي بعد أن خرجت من تحت الأنقاض، حيث كانوا يطلبون مني أن أقول الشهادتين، نظرًا للخطورة التي كانت تهدد حياتي".
وأضاف: "بعد قصف منزلي والمعافاة من إصابتي قليلا، عدت إليه لأجد البيت مدمرًا، وكان هذا هو المكان الذي كنت أجهز فيه شقة لابني الأكبر ليتمكن من الاستعداد لزواجه من ابنة أخي".
وذكر خالد أن "الاكتظاظ السكاني دفعني للعودة للبقاء في منزلي، بعد أن شاهدت السكان يقيمون خيمًا من الملابس الممزقة والنايلون والصفيح".
وأوضح أنه يقيم في جزء من غرفة متهالكة يسكن فيها مع عائلته، على الرغم من دمار المنزل بشكل كامل. وقال خالد، "نقوم بإعداد الطعام والخبز فوق الأنقاض".
وأضاف: "رغم الدمار، سنظل صامدين، لا يمكننا ترك بيوتنا. يريدون (الجيش الإسرائيلي) أن يجبرونا على ترك وطننا، ولن نقبل ذلك بأرواحنا".
وتابع: "نحن أصحاب قضية وأصحاب الأرض، الاحتلال جاء من دول عديدة، كلهم مرتزقة وليس لهم وطن، قالوا فلسطين وطننا، وأبداً ما كانت وطناً لهم. ولا يوجد أي احتمال لنا أن نتخلى عن أرضنا رغم الدمار".
وبين الحجارة المترامية هنا وهناك، يجمع الطفل يوسف، الابن الأصغر لخالد، بعضاً من سعف النخيل ليضعه في قفص أعده بنفسه ليصطاد عصفوراً فوق ركام منزله.
ويقول يوسف: "الاحتلال دمر بيتنا، وأتمنى أن تنتهي الحرب. كل ألعابي راحت".
بدورها، قالت الزوجة سهام: "نعيش في جزء صغير من الغرفة المتبقية من المنزل، نطهي الطعام على النار". وأضافت "لا يوجد مياه ولا بيوت نقيم فيها، وفصل الشتاء قادم، لا نعلم كيف سنتكيف ونعيش". وتابعت "لا يوجد أثاث ولا فراش للنوم عليه، وقبل بضعة أيام، ضرب القطاع منخفض جوي، وكانت الأجواء باردة جداً".
وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تسببت مياه الأمطار بإغراق أمتعة وفراش النازحين الذين يقطنون الخيام في مستشفيات ومدارس مناطق جنوب قطاع غزة. كما انهارت بعض الخيام بسبب الرياح الشديدة، التي صاحبت بداية دخول المنخفض الجوي إلى قطاع غزة، قبل أن يسارع النازحون لإعادة بنائها، وفق مراسل "الأناضول".
والخيام في المستشفيات والمدارس والساحات العامة مصنوعة من النايلون والألواح الخشبية الرقيقة وأكياس الدقيق والأقمشة.
وتعبر الفلسطينية سهام عن أمنيتها إنهاء الحرب، وتقول بصوت حزين "الهدنة الإنسانية لا تكفي لتخفيف معاناة الناس، نتمنى أن يعود السلام والاستقرار إلى حياتنا".
والجمعة، دخلت الهدنة الإنسانية المحددة مبدئياً بـ 4 أيام بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية حيز التنفيذ عند الساعة 07:00 بالتوقيت المحلي (05:00 ت.غ).
ويتضمن اتفاق الهدنة الإنسانية إطلاق سراح 50 أسيراً إسرائيلياً من غزة جرى إطلاق 13 منهم، مقابل الإفراج عن 150 فلسطينياً من السجون الإسرائيلية جرى إطلاق 39 منهم، وإدخال مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود إلى كل مناطق القطاع.