نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول الموقف الأمريكي من استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. وتساءلت “هل يمكن لأمريكا سحب الفيشة عن الغزو الإسرائيلي لغزة؟”.
وتقول إن إسرائيل تسابق الوقت لتدمير حماس وسط تصاعد ردود الأفعال العالمية ضد الحرب. وأشارت إلى الجولة المكوكية الثانية لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن الذي سمع خلال اجتماعه مع نظرائه في الشرق الأوسط كلاما قاسيا. وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي “أوقف هذا الجنون”، لكن بلينكن سمع لغة أشد من هذه في محادثاته الخاصة، ولم يستمر لقاؤه مع زعيم السلطة الوطنية محمود عباس حتى ساعة، ولم يهتم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمقابلته.
وتضيف المجلة أن الاستقبال البارد لبلينكن هو واحدة من الإشارات على الغضب المتزايد من حرب إسرائيل في غزة التي دخلت شهرها الثاني، وقتل فيها أكثر من 10.000 فلسطيني وأضرت ودمرت 11% من مباني القطاع، وأغضبت العالم العربي وأشعلت العواصم الغربية وشجبها عدد من قادة العالم.
ويتحدث القادة الإسرائيليون عن شن حرب طويلة قد تستغرق عاما، وأخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شبكة “إي بي سي نيوز” الأمريكية أن إسرائيل ستتولى الأمن وبشكل كامل في غزة “ولفترة غير محدودة”، ومن ناحية عملية فما يطلق عليه الجنرالات الإسرائيليون “نافذة الشرعية” هي في الحقيقة أقصر. ولكن سرعة إغلاق النافذة هذه تعتمد في النهاية على الولايات المتحدة التي تزود إسرائيل بالذخيرة والغطاء الدبلوماسي وحزم من المساعدات العسكرية بقيمة 14 مليار دولار.
ولو أراد بايدن إنهاء الحرب فمن الصعب على إسرائيل تجاهله. وفي الوقت الحالي، لا يريد بايدن وقف الحرب. فمع أنه يدعم “توقفا إنسانيا” كي تصل المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلا أن الرئيس الأمريكي يرفض الدعوة لوقف إطلاق النار. وفي سلسلة من التسريبات قام بها مسؤولو الإدارة الأمريكية، عبروا عن شكهم في وجود خطة خروج لدى إسرائيل من غزة. ويشتكون من أن نتنياهو لا يرغب بمناقشة الموضوع ويقولون إنهم يريدون التعبير عن قلقهم بوضوح لو انحرف مسار الحرب للأسوأ.
لكن الدعم لا يمكن الحفاظ عليه، وبخاصة عندما يوافق الناخبون الأمريكيون على أن الحرب تحولت إلى مستنقع. وبحسب استطلاع لمجلة إيكونوميست ويوغف فإن نسبة 41% من الأمريكيين يعتقدون أن بايدن يدير الحرب بطريقة سيئة. وفي دراسة مسحية لكوينيبياك، وجدت أن 51% من المستقلين و66% من الأشخاص ما بين 18- 34 عاما لا يوافقون على سياسته.
وتراجعت شعبيته وسط العرب الأمريكيين، مما قد يضر بموقفه في الولايات المتأرجحة مثل ميتشغان في انتخابات العام المقبل. وتقول دراسة مسحية في واشنطن إن بايدن لن يدعو إلى هدنة قبل عدة أسابيع ولكنها لا تشك في أنه سيغير موقفه. وتأمل الدول العربية بأن يفعل، فمخاوف حرب على جبهات متعددة والتي كانت حادة بعد هجوم حماس، تراجعت، ولا يزال حزب الله يطلق الصواريخ تجاه إسرائيل، لكن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله أشار في خطاب ألقاه يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر إلى أنه لا يريد حربا شاملة. وأطلق الحوثيون عددا من الصواريخ باتجاه إسرائيل لكن اليمن بعيد لكي يمثل تهديدا عليها.
وتقول المجلة إن الكثير من الدول في الشرق الأوسط ستكون سعيدة لو حطمت إسرائيل حماس، لكنها تشعر بالعصبية من تعبئة الحرب للسكان فيه، وبخاصة أن معظهم يشعرون بالسخط بسبب الظروف الاقتصادية. وهو ما يزيد من الضغوط على أمريكا التي استمعت للمخاوف ولعدة أسابيع. وكذا إسرائيل الحريصة على بقاء علاقاتها مع الدول العربية. وحتى الآن، فقد قامت معظم الدول التي تقيم علاقات معها بتحركات رمزية وتوبيخ، ففي 2 تشرين الثاني/نوفمبر أعلنت الغرفة الدنيا في البرلمان البحريني عن استدعاء السفير من إسرائيل، ولدى الغرفة سلطات قليلة واستدعاء السفير ليست واحدة منها. فقد غادر سفيرا البلدين قبل عدة أسابيع. وفي نوبة شعبوية بدا وكأن البرلمان هو الذي استدعى السفير. ويقول المسؤولون في البحرين وإسرائيل إن العلاقات لم تتأثر.
وبعد أربعة أيام أعلن الملك الأردني، عبد الله الثاني أن قواته الجوية أنزلت شحنات من المساعدات الطبية إلى غزة. ولم يكن الأردن قادرا على تحرك كهذا بدون موافقة إسرائيلية، وهو ما أكده الجيش الإسرائيلي لاحقا. ومن خلال حذف التفاصيل هذه، فملك الأردن كان قادرا على الزعم أنه تحدى إسرائيل.
إلا أن اللفتات هذه لا تنطلي على السكان، وحتى الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر أقرب الحلفاء العرب إلى إسرائيل أعربت عن نقد متزايد (على الأقل في الخطابات العامة)، وقال أنور قرقاش، مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الخارجية بمؤتمر في 4 تشرين الثاني/نوفمبر إن هناك حاجة لوقف إطلاق النار “وكلما كان أسرع كان ذلك أفضل”. ورغم النقاش حول استعداد الإسرائيليين لقبول ضحايا أكبر من المعتاد (34 جنديا قتلوا حتى الآن)، إلا أن الرأي العام غاضب على بنيامين نتنياهو القلق على مسيرته السياسية، حيث طالب متظاهرون باستقالته عندما احتجوا أمام بيته.
وتشير المجلة إلى عامل آخر، وهو الاقتصاد، فحرب عام 2006 مع حزب الله كلفت الخزينة 9.5 مليار شيقل، أما الحرب في غزة عام 2014 فكلفت 7 مليارات شيقل. ويتوقع بنك إسرائيل أن يصل العجز بالناتج المحلي العام في السنة القادمة إلى 3% مع أن محللين يرون أن النسبة قد تكون أعلى. كما أن تعبئة 360.000 جندي احتياطي تركت قطاعات واسعة من الأعمال بعدد قليل من العمال، مع أن بعضهم أرسل لأعماله.
ويأمل القادة الإسرائيليون أن الحملة الجوية المدمرة قد تتحول الآن للحملة البرية حيث سيركز الجيش جهوده على مقرات حماس ووحدات المقاتلين فيها ويستهدف عددا من قادتها، وعندما يتم عمل هذا، ربما تحولت الحرب إلى حملة غارات محدودة، بعد حرمان حماس من قدرتها على الإدارة، وهو ما تهدف إليه العملية. كل هذا سيخفف من الضغط الدولي الذي يرتفع في كل مرة تضرب فيها مخيما، وكذا يخفف الضغط على الاقتصاد، حيث يتم تسريح جنود الاحتياط، وكذا الأزمة الإنسانية، بشكل يعطيها الوقت. وأعلنت الإمارات أنها ستقيم مستشفى ميدانيا من 150 سريرا في غزة، حيث سيتم نقاشه مع إسرائيل.
وتعلق المجلة أن التحدي الأكبر لشرعية إسرائيل الدولية هي نتنياهو وحكومته، وهي محشوة بعدد من المتطرفين، فقد دعا وزير التراث أميخاي إلياهو إلى ضرب غزة بالقنبلة النووية، كما أن تسيفي سوكوت، رئيس لجنة برلمانية في الكنيست، هو متطرف حقق معه الأمن الداخلي، شين بيت.
وعند لقائه مع بلينكن أخبره عباس أن السلطة الوطنية التي تسيطر على أجزاء من الضفة الغربية قد تعود إلى غزة وإدارتها، وهو ما سيفرح أمريكا وإسرائيل. لكن عباس اشترط العودة بإطار من الحل السياسي الشامل. بعبارة أخرى، حل الدولتين الذي قضى نتنياهو مسيرته السياسية لقتله، ولو ظل في السلطة فلا حديث عن نهاية في غزة، وعندها سينفد صبر أمريكا ولن يكون لدى إسرائيل سوى مساحة ضيقة للمناورة، حسب قول المجلة.