قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، بان اتفاقيات "اوسلو" التي مر على ثلاثون عاما على توقيعها، انما تطويها موجات متعاقبة من عمليات البناء والمخططات الاستيطانية الهدامة التي تستهدف ما تبقى للفلسطينيين من أرض، لافتا ان عدد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية قد تضاعف سبع مرات منذ التوقيع على تلك الاتفاقيات.
ففي الثالث عشر من أيلول 1993 تم التوقيع في حديقة البيت الأبيض في واشنطن على ما سمى في حينه اتفاق اوسلو الأول(اتفاق إعلان المبادئ). وفي الثامن والعشرين من أيلول عام 1995 تم التوقيع في طابا المصرية على ما سمي بالاتفاق المرحلي الفلسطيني– الاسرائيلي، الذي قسم الضفة الغربية الى ما بات يعرف بمناطق (أ) وهي المدن والبلدات الفلسطينية الكبيرة، و(ب) التي تضم القرى والبلدات الصغيرة، و (ج) وهي المساحة الاوسع وتساوي نحو 62 % من مساحة الضفة الغربية وتخضع إداريا وأمنيا للسيطرة الاسرائيلية الكاملة. لم يكن هذا التقسيم للضفة الغربية اعتباطيا او صدفة او غير ذي مغزى، بقدر ما كان مدروسا ويؤشر على أهداف مضمرة؛ جاءت السنوات اللاحقة تبين مدى خطورتها. هذه المنطقة المسماة (ج) وفقا للاتفاق المرحلي كانت محط اطماع دولة الاحتلال باعتبارها المجال الحيوي لمشروعها الاستيطاني. 99% من هذه المنطقة مستبعدة تماما من الاستخدام الفلسطيني ولا تسمح سلطات الاحتلال للفلسطينيين بالبناء فيها لأغراض السكن أو لأغراض تجارية أو صناعية وفيها معظم الموارد الطبيعية في الضفة الغربية، وفيها أحواض المياه الرئيسية باستثناء الحوض الشمالي الشرقي في محافظة جنين، وفيها المساحات المفتوحة، التي كانت مصدر دخل المزارعين الفلسطينيين، و70% من أراضيها محددة على انها داخل الحدود البلدية للمستوطنات والمستوطنين.
الموجة الاستيطانية الاولى
هذه المنطقة كانت المستهدفة بالاستيطان منذ البداية، هذا الاستيطان الذي مر بموجات ثلاث، ويبدو اننا على موعد مع مرحلتها الرابعة والأخيرة. كانت الموجة الاولى هي فترة حكم حزب العمل بين 1967 – 1977 حيث تم بناء عدد من المستوطنات بلغ نحو 31 مستوطنة أهمها في منطقة القدس الكبرى وفي غوش عتصيون في محافظة بيت لحم وفي غور الأردن، فضلا عن المستوطنة التي اقامتها على اراضي القرى المدمرة (يالو، بيت نوبا، اللطرون). أما عدد المستوطنين فقد ارتفع إلى 2876 مستوطنا، كان التركيز في ذلك الوقت على غوش عتصيون وغور الأردن ومنطقة القدس الكبرى، أما في بقية انحاء الضفة الغربية فبنت اسرائيل فيها مستوطنة واحدة فقط.
الموجة الثانية
الموجة الثانية جاءت مع التحول الكبير في سياسة اسرائيل الاستيطانية بعد صعود اليمين المتطرف بقيادة مناحيم بيغن الى السلطة وبعد التوقيع على اتفاق السلام مع مصر، حيث أقامت اسرائيل نهاية السبعينات مطلع الثمانينات 35 مستوطنة تلاها 43 مستوطنة جديدة حتى نهاية الثمانيات. وتصاعدت النشاطات الاستيطانية في الفترة التي رافقت مفاوضات مدريد وواشنطن بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بعد حرب الخليج الاولى عام 1991 فأقامت حكومة اسحق شامير سبع مستوطنات جديدة، وارتفع عدد المستوطنين إلى107 آلاف مستوطن، لترتفع نسبتهم الى 5,3% من المجموع العام لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة.
الموجة الثالثة
اما الموجة الثالثة، فكانت بعد التوقيع على اتفاقيات اوسلو اذ تواصلت النشاطات الاستيطانية حيث جرى التوسع في الاستيطان وفي فتح الشوارع الالتفافية وإصدار الأوامر العسكرية القاضية بوضع اليد على الأراضي الفلسطينية، خلافا لما تضمنته اتفاقية "أوسلو" التي نصت على أنه لا يجوز لأي من الطرفين البدء أو اتخاذ أي خطوة من شأنها تغيير الوضع بالضفة وقطاع غزة لحين انتظار نتائج مفاوضات الوضع النهائي، وكأن اسرائيل في سباق مع الزمن لفرض المزيد من الحقائق الجديدة على الارض. وقد استخدمت حكومات اسرائيل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع الجانب الفلسطيني، مثلما استخدمت المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية غطاء سياسيا لنشاطاتها الاستيطانية حتى وصلنا الى قبيل الانتخابات الأخيرة للكنيست الاسرائيلي عام 2022 الى 158 مستوطنة في اراضي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية يسكنها نحو 700 – 750 ألف مستوطن، هذا الى جانب 15- 20 ألف مستوطن يسكنون في أكثر من 200 بؤرة استيطانية أخذت تتحول مع مرور الوقت الى حاضنة للمنظمات الارهابية اليهودية، كمنظمات "شبيبة التلال" و"دفع الثمن" ومنظمات أخرى تطلق على نفسها اسم "تمرد" ومع هذا التوسع والتمدد الاستيطاني لم يعد يجري الحديث عن مستوطنات سياسية (يمكن تفكيكها) وأخرى أمنية حسب تعبير اسحق رابين بل عن بنية استعمارية استيطانية على مساحة 600 ألف دونم، تشكل نحو 12% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إليها نحو مليوني دونم، هي مساحة مناطق نفوذ المجالس الإقليمية للمستوطنات، لتبلغ مساحة الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت السيطرة المباشرة للمستوطنات بما فيها البؤر الاستيطانية وما يسمى بالمزارع الرعوية نحو 40% من مجمل مساحة الضفة.
الموجة الرابعة الحالية
الموجة الرابعة من النشاط الاستيطاني غير المسبوق والمخططات الاسرائيلية الهدامة فقد بدأت مع صعود اليمين الفاشي والنيونازي الى الحكم في اسرائيل بعد الانتخابات الأخيرة للكنيست، التي جرت في تشرين الثاني من العام الماضي، والتي تستهدف رفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية الى نحو مليون مستوطن خلال العامين المقبلين. "بتسلئيل سموتوتريتش" وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة الجيش أعد من جانبه خطة استيطانية تنطوي على عشرات المشاريع الاستيطانية بين بناء جديد، بما في ذلك مدن استيطانية جديدة وإضفاء الشرعية على نحو 155 بؤرة استيطانية ومزرعة رعوية، (وهما وجهان لعملة واحدة ومأوى لمنظمات ارهابية يهودية)، ولهذا طلب قبل اسبوعين تأجيل مناقشة إضفاء "الشرعية" على عدد من البؤر الاستيطانية في الكنيست الاسرائيلي في انتظار بلورة مشروعه الاستيطاني الهدام. "سموتريتش" في هذا يتقاطع مع كل من "بن غفير" و"نتنياهو". في القدس مدن استيطانية جديدة مثل "تلبيوت الجديدة" و "كدمات تسيون" وطرق التفافية وقطار خفيف وفي باقي محافظات الضفة الغربية عودة الى الاستيطان في المستوطنات، التي اخلتها حكومة شارون عام 2005 في محافظة جنين، وتكثيف الاستيطان الرعوي وتطويره في مناطق شفا الأغوار بدءا بالمناطق الواقعة الى الشرق من بلدتي بيت دجن وبين فوريك، صعودا الى الشمال في مناطق بيتا وقصره ومجدل بني فاضل ودوما وجالود وقريوت في محافظة نابلس. وفي مناطق ترمسعيا وبني فلاح والمغير وكفر مالك ومعرجات الطيبة في محافظة رام الله والبيرة، وصولا الى صحراء القدس في اتجاه الأغوار ومدينة اريحا. ولهذا الغرض رصدت حكومة الاحتلال نحو 3.5 مليارد شيقل لتهيئة البنية التحتية الضرورية لمثل هذه المشاريع بما في ذلك التسريع في انجاز عدد من الطرق الالتفافية الجديدة، التي تعفي المستوطنين من السفر في مناطق مأهولة بالسكان الفلسطينيين. بنيامين نتنياهو غير بعيد عن مخططات ومشاريع سموتريتش الاستيطانية، فهو يشجعها في سياق مشروع طويل المدى يتحدث عن نقل الاستيطان الى مرحلة نوعية جديدة.
بالارقام
وإذا ما حاولنا تقريب الصورة بالأرقام، فسوف ندرك حجم ومدى التطور الخطير، الذي طرأ على المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. فوفق الاحصائيات السكانية للمستوطنات، التي يصدرها جهاز الاحصاء المركزي الاسرائيلي، ويصدرها كذلك مجلس المستوطنات في ما يسمى "يهودا والسامرة" فقد كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية دون القدس الشرقية عند التوقيع على اتفاقية اوسلو الاولى عام 1993 نحو 115,000 ليرتفع عام 1999 الى نحو 177,411، وعام 2005 الى 249,901، وعام 2010 الى 313,928، وعام 2015 الى 388,285، وعام 2018 الى 430,147، ليصل نهاية العام 2022 الى أكثر من 500,000 مستوطن، يسكنون في 158 مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك 24 في القدس الشرقية. بالإضافة ما يقارب 200 بؤرة استيطانية ومزرعة رعوية إسرائيلية غير قانونية يسكنها نحو 25 الف مستوطن اغلبيتهم الساحقة من زعران "شبية التلال" و"تدفيع الثمن" الارهابيتين. وفي المجموع، يعيش الآن أكثر من 500 الف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية بالإضافة إلى 250,000 يقيمون في القدس الشرقية، أي أن المجموع تجاوز 750000 الف مستوطن، ما يشكل سبعة أضعاف العدد الذي كان عليه الحال في العام 1993 .