لماذا يحمي الغرب إسرائيل؟ محمد ياغي

الجمعة 05 مايو 2023 08:00 م / بتوقيت القدس +2GMT




في ذكرى النكبة الفلسطينية التي تم خلالها طرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من أرضهم للاستيلاء عليها وإعلان قيامة دولة إسرائيل، نتساءل عن مغزى قيام الغرب بعد أكثر من سبعة عقود عليها بالاستمرار في دعمه غير المشروط واللامحدود لدولة الاحتلال.
إذا قلنا بأن الهولوكوست الذي تعرض له اليهود في ألمانيا قد خلق تعاطفاً «غربياً» أدى الى تأييد قيام دولة إسرائيل، فإن ذلك وحده لا يكفي لتبرير قيام الغرب بالتنكر لحقوق أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني في وطنه وعدم مساعدتهم على العودة لبلدهم.
وإذا قلنا بأن الحرب الباردة التي اصطفت فيها إسرائيل الى جانب الغرب، وتحالفها مع فرنسا وبريطانيا في حرب العام 1956 على مصر قد أظهر بأن إسرائيل حليف حقيقي للغرب، وهي بذلك قد «استحقت» دعمه للحفاظ على مصالحه، فإن نهاية الحرب الباردة منذ أكثر من ثلاثة عقود لا تبرر استمرار الغرب في دعم دولة مارقة لا تحترم القانون الدولي.
وإذا قلنا بأن إسرائيل هي دولة ديمقراطية وأنها بالتالي منسجمة مع الغرب «الديمقراطي» وتحصل على دعمه لما بين الطرفين من تشابه في النظام السياسي، فإن هذا أيضا لا يكفي لفهم قيام الغرب «بخيانة» المبادئ التي يدعي الدفاع عنها وأهمها احترام حقوق الإنسان، وعدم جواز الاستيلاء على أرض شعب آخر بالقوة، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
باختصار، لا توجد «ديمقراطية» في الغرب تقوم بخيانة كل هذه القيم دفعة واحدة، ويتم الدفاع عنها مما تبقى من الدول الغربية.
جميع ما تم ذكره أعلاه لا يكفي لقيام الغرب بدعم دولة الاحتلال بهذه الطريقة الصريحة اللاأخلاقية والتي تظهر ازدواجية المعايير في الغرب وتفضح نفاقه السياسي.
كيف إذاً علينا أن نفهم الأسباب التي تدفع الغرب للدفاع عن إسرائيل وحمايتها؟
هنالك بلا شك عدة نظريات يمكن استعراضها واستخدامها لفهم ما يقوم به الغرب.
النظرية الثقافية مثلاً والتي تقول بأن الغرب يرى نفسه منسجماً مع إسرائيل لثلاثة أسباب:
أولهما ديني يقول بأن الغرب يؤمن بأن فلسطين التاريخية هي لليهود وأن «الرب» منحهم هذه الأرض... في النهاية الغالبية في الغرب تعتقد بأن الله «منح» هذه الأرض لليهود وأن موافقة «اليهود» على «منح» الفلسطينيين بعضاً من حقوقهم هو «مكرمة» منهم وليس «شرطاً» عليهم.
ثانيهما تاريخي-ثقافي أيضاً، وهو أنه لا فرق بين الدول الغربية مثل بريطانيا واسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا وبين دولة إسرائيل. جميع هذه الدولة قامت وبلا شفقة أو وازع أخلاقي بتطهير عرقي لشعوب كامله.
البريطانيون قاموا بإبادة ملايين البشر في أميركا الشمالية ونيوزيلندا وأستراليا واستولوا على أراضي سكانها الأصليين. الاسبان فعلوا الشيء نفسه في أميركا اللاتينية. والولايات المتحدة وكندا أكملوا المهمة التي بدأتها بريطانيا في أميركا الشمالية بتصفية ما تبقى من سكان أصليين في فيها. وفرنسا لم تدخر جهدا في تصفيتها لمئات الآلاف من الجزائريين وإحضار فرنسيين للعيش في الجزائر.
إحلال شعب مكان شعب آخر هو إذاً قاسم مشترك بين إسرائيل وعدد من الدول الغربية، وهذا يُمكنه أن يكون أحد الأسباب التي تُفسر الدعم الغربي لإسرائيل.  
الثالث هو كراهية العرب والمسلمين عموماً ولأسباب تاريخية أيضاً. علينا ألا ننسى مثلاً أن أجزاء شاسعة من العالم العربي والإسلامي أيضا اليوم كانت خاضعة قبل خمسة عشر قرنا للإمبراطوريتين البيزنطية والرومانية، وأن الكراهية ربما تكون موجودة خصوصاً وأن الحملات الصليبية في القرنين الحادي والثاني عشر قد فشلتا في استعادة هذه الأراضي أو أجزاء منها.
بالرغم من ذلك علينا أن نلاحظ التفسير الثقافي لا يأخذ بعين الاعتبار أن ثقافات البشر ورؤاهم لأنفسهم وللعالم تتغير.
أي لو قلنا بأن كراهية العرب والمسلمين هي سبب مقنع وكاف لتفسير تأييد الغرب لإسرائيل، ألا يتعارض هذا التفسير مثلاً مع قبول المانيا لما يقارب المليون سوري على أرضها؟ أو لا يتعارض مع حقيقة أن جزءاً كبيراً مما نُسميه الشعوب الغربية هي حقيقةً شعوب غير متدينة؟
لذلك النظرية الثقافية ربما تخدمنا قليلاً في تفسير ظاهرة دعم إسرائيل للغرب.
هنالك نظرية مجموعات الضغط والتي تقول بأن لإسرائيل جماعات ضغط كبيرة في أميركا الشمالية وفي أوروبا، وأن جماعات الضغط هذه لها حضور كبير في المؤسسات الاعلامية والمالية والقانونية، وأن كل ذلك يستخدم للضغط أو لشراء «ذمم» السياسيين الغربيين من أجل دفعهم لتأييد إسرائيل.
من يؤيدهم يحصل على المال والاعلام والمساعدة القانونية (الجزرة)، ومن يعارضهم يتم حرمانه من المال خلال الحملات الانتخابية ويتم تشويه صورته في الاعلام واستحضار قضايا قانونية بحقه (العصا).
هذا تفسير معقول لكن لا يمكن تعميمه في جميع الدول الغربية لأن الجاليات اليهودية المؤيدة لإسرائيل ليست قوية في جميع دول أوروبا وأميركا الشمالية. هي قوية في أميركا وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا، لكنها ليست قوية في إيطاليا وإسبانيا وعدد آخر كبير من دول أوروبا.
هنالك أيضا النظرية الواقعية في العلاقات الدولية والتي تقول بأن مصالح الدول لها أولويتها وهي تأتي فوق القيم التي تؤمن بها.
كان هذا على الأقل شديد الوضوح خلال الحرب الباردة عندما اصطفت إسرائيل مع الغرب، لكن أي شخص عاقل يمكنه اليوم أن يدرك أن إسرائيل عبء على الغرب وان الاستمرار في دعمها يدفع الشعوب العربية لكراهية الغرب ولمعاداته.
لا يمكن إذا الاعتماد على نظرية واحدة، والأفضل القول ربما بأن هذه النظريات مجتمعة يمكنها تقديم إجابة كافية للأسباب التي تبرر استمرار الدعم الغربي لدولة مارقة مثل إسرائيل طيلة سبعة عقود.