قال اللواء الإسرائيلي في الاحتياط عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية سابقاً، وباحث في مركز بلفور في جامعة هارفارد، إن هذه هي اللحظة التي يتعين فيها على نتنياهو أن يقرّر ماذا يريد من الفلسطينيين، معتبراً أن الجبهة الفلسطينية هي الأخطر. وقدم له ولحكومته سبع نصائح كي يتحاشى الانفجار الكبير.
في مقابلة قصيرة نشرها موقع القناة العبرية “12”، سئل يادلين إنه لو طُلب منه أن يوصي أمام المجلس الوزاري المصغر الآن بما يجب أن يفعله في جميع الجبهات، بماذا سيجيب، فقال: “قبل كل شيء، يجب وضع سلّم الأولويات في ما يتعلق بالجبهات. لقد حدّدها رئيس الحكومة نتنياهو في خطابه أمام الكنيست: كبح إيران، إقامة علاقات مع السعودية، إنشاء قطار من الضواحي إلى المركز. لكن ما نراه اليوم هو سيطرة الجبهة الفلسطينية على جدول الأعمال، واستحواذها على كل الاهتمام. عندما التقى نتنياهو وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، للتحضير للاجتماع مع الرئيس جو بايدن، بدلاً من التحدث عن إيران أو السعودية، سيتحدث عن “الإرهاب” الفلسطيني”.
وبرأي يادلين، يجب على حكومة نتنياهو أن تقرّر الآن ماذا تريد أن تفعل في الساحة الفلسطينية: إذا كانت تريد الضم والوصول إلى دولة واحدة بين البحر ونهر الأردن، فإن ما يجري في القدس الآن هو بروفة، ومشاهد من الفيلم القادم لوضعنا المستقبلي مع الجماهير الفلسطينية- العربية، الذين لا يُعتبرون اليوم مواطنين، لكنهم سيصبحون كذلك بعد الضمّ. ولذا يقول يادلين أيضاً إنه يتعين على نتنياهو أن يختار أي عملية يريد أن يقودها حيال الفلسطينيين: استئناف العملية السياسية، أو القيام بخطوات أحادية الجانب. حالياً، يبدو أنها وُضعت جانباً”.
واقع ثنائي القومية
يادلين، المنتمي لمجموعة كبيرة من خريجي المؤسسة الأمنية سابقاً، والناشطة اليوم في مجال الدراسات الإستراتيجية، وتخشى من توّرط إسرائيل بواقع ثنائي القومية، وفقدان الهوية اليهودية للدولة، يلقي هو الآخر بالكرة في الملعب الفلسطيني بزعمه عدم وجود مَن نتحدث معه في الجانب الثاني. وهذا يذكّر بمقولة أطلقها رئيس حكومة الاحتلال ووزير أمنها الأسبق إيهود براك حول عدم وجود شريك فلسطيني.
يحاول يادلين تعليل مزاعمه بالقول إن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” تسيطر على غزة، والسلطة الفلسطينية ضعيفة جداً على الأرض، وتعاني جرّاء فقدان الشرعية.
ومع ذلك يدعو للمبادرة: “لكن في الموضوع الفلسطيني، يجب أن نقرر، نحن الإسرائيليين، ماذا نريد، وليس أن يُملي علينا الطرف الثاني ما يريده. يجب أن نفهم في أي دولة نريد أن يعيش أولادنا بعد 20 عاماً؟ وهل نريد أن يعيشوا في دولة يهودية وديمقراطية؟ يتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كنا نريد الربط بين كل الساحات. زعيم “حماس” يحيى السنوار يريد الربط بين كل الساحات بشدة. هو يريد البقاء في غزة، حيث يسود الهدوء، وتجري أعمال إعادة البناء، والعمال يذهبون في كل صباح للعمل في إسرائيل. في المقابل، هو يؤجج الوضع، والتحريض لا يأتي من جهته فقط، بل من بيروت، ومن تركيا، ومن “حماس” الموجودة خارج القطاع. يجب على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستتعامل مع كل الساحات، أم فقط مع ساحة القدس، أو في أفضل الأحوال، مع الضفة الغربية فقط.
حوكمة فلسطينية
الأمر الثاني الذي يتعين على إسرائيل أن تقرره، برأي يادلين، هو ما إذا كانت ترغب في استعادة السلطة الفلسطينية الحوكمة والعودة إلى التنسيق الأمني، أم أننا نفكر، ومع الأسف، هذا ما أفكر فيه أنا أيضاً، في أن السلطة ليست قادرة على ذلك، حتى لو رغبت فيه. ويضيف: “منحتها إسرائيل فرصة في جنين، وهي لم تنجح في القضاء على العمليات ‘الإرهابية”.
ما هي الخطوات التي يجب القيام بها على الأرض؟
“أولا تكثيف القوات وإعادة الأمن إلى الشوارع. ثانياً معالجة الحدود المخترَقة: من الأردن يدخل السلاح والمال، وأيضاً من منطقة التماس. يجب تعزيز منطقة التماس والحدود مع الأردن. ثالثاً يجب التمييز بين الجمهور الفلسطيني وبين “الإرهاب”، فالجمهور نفسه ليس متورطاً فيه، هو يريد أن يعمل في إسرائيل: 160 ألف شخص يعملون في إسرائيل من الضفة الغربية، و20 ألفاً من قطاع غزة. رابعاً التعامل مع “حماس”، إذا قررنـا الربــط بيـن الجبهات، لكـن ليـس بالضــرورة تلـك الموجــودة في غزة. فـ “الحمساويون” الأكثر سـوءاً موجودون في بيروت، وفـي تركيـا وقطــر. خامساً يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي: نحن نعرف بالتأكيد ماذا يجري في وسائل التواصل، على صعيد استخباراتي، أو على صعيد العمليات المضادة التي يمكن القيام بها هناك. الآن، هذا ما يحرّك المهاجمين الأفراد. هذه ليست فترة الانتفاضة الثانية التي كان فيها تنظيمـات وبنى تحتيـة. الآن، ما يحرك هـو التحريض وتوفّـر السـلاح. سادساً، التعامل بصورة تفاضلية مع المدن الفلسطينية، بما يتلاءم مع نسبة خطورتها وسيطرة السلطة. سابعاً، منع أي تحرك يمكن أن يُشعل مواجهة في الحرم القدسي”.
هذا هو الحل المطلوب لخفض الهجمات في القدس
وفي ذات السياق قدّم المحلل السياسي الإسرائيلي أفرايم غانور أيضاً مواصفات الحل المطلوب كي لا تنفجر الأوضاع المحتقنة في القدس المحتلة، إذ قال إن الهجومين الأخيرين في المدينة قوّضا بصورة كبيرة الحياة الآمنة في “عاصمة إسرائيل”، وطرحا أسئلة كثيرة عن التعايش في “العاصمة الموحدة” التي تحوّلت، عملياً، إلى قنبلة ديموغرافية موقوتة، بالأساس بسبب القرى، ومخيم اللاجئين شعفاط، التي جرى ضمّها إلى الدولة بعد حرب 1967.
ويقول غانور أيضاً إن في هذه القرى، التي تشمل جبل المكبر وبيت حنينا وصور باهر وكفر عقب وقلنديا والطور، يسكن اليوم قرابة 350 ألف فلسطيني، يشكلون نحو 45% من سكان القدس. والمقصود أكبر تجمُّع سكاني فلسطيني مديني في أراضي الضفة الغربية، بينما هؤلاء السكان، في أغلبيتهم، معادون لدولة إسرائيل، وأغلبية المهاجمين أتت من هذه القرى.
ويتابع غانور: “على الرغم من ضمّ هذه القرى، فإن ثمة صعوبة كبيرة في السيطرة على ما يجري فيها بسبب الكثافة السكانية، بالإضافة إلى الصعوبة في إيجاد حاجز بين هذه القرى وبين الأحياء اليهودية. وفي الوقت الذي نجح فيه الشاباك والجيش الإسرائيلي في تقديم ردّ شامل على “الإرهاب” في نابلس وجنين وضواحيها، فإن المشكلة الأصعب التي تواجهها المؤسسة الأمنية هي كيفية مواجهة “إرهاب” الأفراد، من الذين يحملون الهوية الإسرائيلية، والذين يأتون من هذه القرى، ويمكنهم التنقل بحُرية في القدس، والوصول إلى أي مكان في وسط البلاد.
خطر أمني وديموغرافي
ويعتقد غانور أنه مما لا شك فيه أن المقصود هنا ارتباط غير طبيعي وغير صحيح بين “العاصمة” القدس وبين هذه القرى، وخلال أعوام عديدة، لم يستوعب العديد من الحكومات أن هذا الارتباط، بالإضافة إلى المشكلات الأمنية الصعبة التي يخلقها، يشكل أيضاً خطراً ديموغرافياً على القدس، وعلى الهوية اليهودية لـ “عاصمة إسرائيل الأبدية”.
ويستذكر أنه في سنة 2017، قدّم عضو الكنيست يوئيل حسون، من قائمة المعسكر الصهيوني، اقتراح قانون لإنقاذ القدس كعاصمة يهودية وديمقراطية، طلب فيه من الحكومة الموافقة خلال نصف عام على إخراج القرى الفلسطينية ومخيم شعفاط من الأراضي التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، ونقلهم إلى المنطقة ب وج، أي إلغاء إعطاء سكان هذه القرى الإقامة الدائمة وتم رفض الاقتراح بالقراءة الأولى.
حلول أمنية فقط
ويخلص غانور للقول إنه في الوقت الذي يغيّر “الإرهاب” الفلسطيني في الأعوام الأخيرة في شكله وطرق عمله، فإن هناك المزيد من الهجمات التي يقوم بها أفراد مجهولون، في أغلبيتهم، ومن الصعب كشفهم، لم يبقَ هناك حلّ صحيح وناجع لمواجهة هذا الوضع سوى الانفصال عن هذه القرى، وعن مخيم شعفاط في القدس. ويمضي في مزاعمه ونصائحه، التي تتجاهل حقيقة كون القدس محتلة، وأن الاحتلال مصدر كل الشرور: “مثل هذا الانفصال سيجعل عاصمة إسرائيل أكثر أمناً. ومن أجل هذه الغاية، المطلوب زعامة قوية وبراغماتية قادرة على اتخاذ قرارات شُجاعة ترى المستقبل، وقادرة على استشراف ما سيجري في الأعوام المقبلة. لقد جرت تجربة جميع الحلول لمواجهة هذا النوع من “الإرهاب”، وتبين أنها كلها غير ناجعة”.
يشار هنا إلى أن الأغلبية الساحقة من الحلول الإسرائيلية المقترحة لتحاشي الانفجار في الأراضي الفلسطينية هي مقترحات أمنية تغفل الاحتلال وحقوق الشعب الفلسطيني المنتهكة، عدا بعض الأصوات غير الرسمية التي ما زالت صوتاً في البرية، وترى بضرورة تطبيق تسوية الدولتين فعلاً. مثل هذا الواقع الإسرائيلي المعوج يذكّر بما كان يقوله القيادي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي الكاتب الراحل علي عاشور، ابن غزة الذي أقام عقوداً في حيفا: “باسم الأمن فقدنا الأمن، وصار الأمن عدو الأمن”.