تشير الوقائع على الأرض، إلى أن العلاقات الفلسطينية- الأمريكية عادت إلى مرحلة “التوتر” من جديد، وأن الخلاف مرشح للزيارة، بعد طرح الخطة السياسية الفلسطينية الجديدة، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي رفض الجانب الفلسطيني تجميدها في هذا الوقت، بناء على طلب من البيت الأبيض، وهو ما كان سببا في إلغاء اللقاء الذي كان مقررا بين الرئيس محمود عباس ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي، بربارة ليف خلال زيارتها الأخيرة للمنطقة.
وتعود بداية الخلاف إلى عدم اقتناع الجانب الفلسطيني بوجهة النظر الأمريكية التي تطلب من الفلسطينيين تجميد أي نشاط أو تحرك سياسي في المرحلة الحالية، إلى ما بعد انتهاء انتخابات “الكنيست” الإسرائيلي، بزعم أن أي تحرك حالي من شأنه أن يؤثر على نتائج الانتخابات، وهو أمر يرفضه الجانب الفلسطيني بشدة، مرتكزا إلى الفترة الماضية التي سبقت الدعوة الإسرائيلية للانتخابات المبكرة، والتي لم تتحرك فيها أمريكا لطرح أي مبادرة سياسية، في وقت واصلت حكومة تل أبيب خططها الاستيطانية، إلى جانب التهرب من تنفيذ بنود الاتفاقيات الموقّعة سابقا.
توتر العلاقات
وبالعودة إلى التوتر الحاصل في العلاقات الأمريكية الفلسطينية، فقد تجلى الأمر بشكل أكبر خلال الزيارة الأخيرة لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي بربارة ليف إلى المنطقة قبل عشرة أيام، حين أبلغت مساعدي الرئيس عباس خلال لقائها بهم في مدينة رام الله، اعتراض واشنطن على خطة التحرك السياسية التي ينوي الفلسطينيون طرحها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ في العشرين من الشهر الجاري، وتشمل طلب الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بدل صفة “مراقب”.
وخلال اللقاء الذي جمع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، ومدير المخابرات الفلسطينية، اللواء ماجد فرج مع المسؤولة الأمريكية، والتي قدمت على عجل بعد فشل جولة لهادي عمرو المبعوث الأمريكي للمنطقة، في إقناع الجانب الفلسطيني بعدم طرح تلك الخطة، أكد المسؤولان المقربان من الرئيس عباس، على المضي قدما في الخطة السياسية، وأن موعد التنفيذ العملي سيكون خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولم تفلح تحذيرات المسؤولة الأمريكية في دفع الجانب الفلسطيني إلى التراجع. وذكرت صحيفة القدس العربي أن ليف، تعهدت بالعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية أكثر لدى السلطة الفلسطينية، من خلال قيام الجانب الإسرائيلي بتقديم المزيد من التسهيلات في المرحلة القادمة، على أن يؤجل فتح الملف السياسي إلى ما بعد انتخابات “الكنيست”، وهي أمور نقلتها بعد لقاءات عقدتها مع المسؤولين الإسرائيليين، بينهم مسؤولون أمنيون وعسكريون.
وبحسب الصحيفة أنه تبع ذلك اللقاء اتصالات أجراها مسؤولون أمريكيون أبرزهم هادي عمرو، مع آخرين فلسطينيين، جرى خلالها تكرار المطالب بوقف طرح خطة الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بالتزامن مع اتصالات أجريت باتجاه عواصم عربية، للتدخل والطلب من الرئيس عباس وقف خطته، دون أن تؤدي إلى نتائج.
وفي دلالة على فشل المطالب الأمريكية، أعلن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أن الخطاب القادم للرئيس عباس في الأمم المتحدة “سيحدد معالم المرحلة المقبلة، بما يحمي مصالح شعبنا الفلسطيني وحقوقه”.
ومن المقرر أن يعلن خلال الخطاب عن الخطة السياسية الجديدة، في ظل الوضع القائم، وتهرب إسرائيل من استحقاقات السلام، واستمرارها في عمليات التوسع الاستيطاني، والتي سترتكز على تقديم طلب عضوية كاملة في الأمم المتحدة بدلا من صفقة “عضو مراقب”، دون أن يحدد الجانب الفلسطيني، قراره بأن الخطة ستشمل أيضا عن وقف التعامل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وسحب الاعتراف بها، أو تأجيل هذا الأمر لمرحلة لاحقة.
كما جرى خلال اللقاء، الذي جمع المسؤولين الفلسطينيين مع مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، التأكيد على أن الذهاب لطرح الخطة السياسية، جاء بسبب غياب المبادرات الخاصة بالسلام، لا سيما من الجانب الأمريكي، الذي لم يحرك شيئا منذ وصول جو بايدن للحكم، وعدم تنفيذ وعوده التي قطعها بخصوص القضية الفلسطينية، للحفاظ على حل الدولتين، وفي ظل تصعيد الاستيطان الإسرائيلي بشكل خطير في الضفة الغربية.
ويتردد أن النقاش بين الشيخ وفرج مع بربارة ليف، امتزج بعبارات متوترة من الجانبين، خاصة بعد الرفض الفلسطيني بشكل نهائي للطلب الأمريكي بعدم طرح ملف الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، كون الخطة ستبدأ بالتوجه إلى مجلس الأمن، وهو أمر سيحرج الإدارة الأمريكية حين تستخدم “الفيتو” لمنع تمرير القرار.
أمريكا تهدد بإفشال المخطط
ووفق الصحيفة، فإن ليف قالت للجانب الفلسطيني بلغة مبطنة تنذر بتغيير إدارة بايدن سياستها تجاه الفلسطينيين، إن الاستمرار في طرح الخطة، سيذهب بالأمور إلى “مواجهة سياسية” يكون لها تأثيرات كبيرة على الأرض. وقالت أيضا إن الخطة التي ينوي الرئيس عباس طرحها “لا فائدة منها”، وهو ما فهم فلسطينيا، بأن الإدارة الأمريكية ستتحرك لمنع طرح الملف على مجلس الأمن، من خلال عدم قدرة الفلسطينيين في تأمين الحصول على تأييد تسعة من أعضاء المجلس، أو ما سيتلوه من “فيتو” أمريكي.
وبسبب حالة التوتر والرفض الأمريكي للخطة الفلسطينية، ألغي اللقاء الذي كان مقررا بين ليف وعباس. وجاء الرفض بلغة دبلوماسية، وذلك بعد أن طلبت مساعدة وزير الخارجية خلال اللقاء مع الشيخ وفرج، عقد اجتماع مع الرئيس عباس، ليصلها الرد بعد ساعات بأن الأمر صعب بسبب ارتباط عباس بلقاءات ومواعيد أخرى.