وجهت إسرائيل اتهامات إلى ألمانيا، في أعقاب عملية ميونيخ خلال الألعاب الأولمبية، عام 1972، بأنها أهملت حماية الرياضيين الإسرائيلية الذين قُتل غالبيتهم بنيران قوات الأمن الألمانية، بعد أن احتجزتهم كرهائن مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين، وطالبت بالإفراج عن أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلي مقابل إخلاء سبيل الرياضيين الإسرائيليين.
وألمحت الحكومة الألمانية، نهاية الشهر الماضي، أنها ستكشف عن عشرات آلاف الوثائق المتعلقة بعملية ميونيخ، المحفوظة في أرشيفات، وتتناول أحداثا سبقت وتلت العملية وتخضع منذئذ لسرية مطلقة.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الجمعة، أن هذه الوثائق بدأت تتكشف الآن وأنها تكشف عن فحواها لأول مرة. ويذكر أن قوات الأمن الألمانية قتلت فدائيين فلسطيين أيضا شاركوا في العملية، واعتقلت ثلاثة منهم بقوا على قيد الحياة.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن الوثائق الألمانية التي سُمح بنشرها الأسبوع الحالي، تفيد بأنه بعد عملية ميونيخ بحوالي شهر ونصف الشهر، أي في تشرين الأول/أكتوبر، جرى اختطاف طائرة تابعة لشركة لوفتهانزا الألمانية. وفي إطار تحرير الرهائن، حررت الحكومة الألمانية الفدائيين الثلاثة الذين اعتقلوا في عملية ميونيخ.
وادعت الصحيفة أنه "من الوثائق والمقابلات، يتعاظم الاشتباه بأن اختطاف الطائرة جرى تدبيره مسبقا، بالتنسيق بين المنظمات الإرهابية (أي الفلسطينية) والسلطات الألمانية، وهذه الحدث كله جرى كتمثيلية وتمت فبركته وإخراجه إلى حيز التنفيذ من أجل التأكد من ألا يضطر الألمان إلى محاكمة القتلة في أراضيهم".
وأضافت الصحيفة أن قائد شرطة ميونيخ، مانفرد شرايبر، بعث برقية سرية إلى وزارة الداخلية في بافاريا، قبل عشرة أيام من اختطاف طائرة لوفتهانزا، وكان عنوانها "الترحيل المخطط له للعرب الثلاثة المعتقلين"، وأن مساعديه أجروا محادثات مسبقة مع السجون التي يقبع فيها الفدائيون الثلاثة ومع النيابة العامة في ميونيخ ومع سلطة الهجرة والأجانب. وادعت الصحيفة أن "مكتب النظام العام لمدينة ميونيخ" أعد مسبقا نماذج ترحيل الفدائيين، بحيث يكون "بالإمكان تسريع الأمور الرسمية المتعلقة بالترحيل".
وادعت الصحيفة أن خاطفي طائرة لوفتهانزا لم يكونوا يعلمون أين ستهبط الطائرة، "لكن السلطات الألمانية فعلت أي شيء كيف يصلوا إلى ميونيخ. فإنهاء المسألة هناك أسهل. وخلال ساعات معدودة، من دون مفاوضات، ومن دون أن يعلم العالم، وإسرائيل بالتأكيد، شيئا، فعل الألمان كل شيء من أجل إنهاء الصفقة سريعا".
ورجحت الصحيفة أن السلطات الألمانية لا تزال تخفي عددا كبيرا من الوثائق حول هذا الموضوع وتفرض السرية عليها، "والتي تعكس حجم الفشل وحجم الإخفاء" حول ما حدث في عملية ميونيخ وملابساتها.
وتابعت الصحيفة أنه في بداية تموز/يوليو 1972، بدأت منظمة "أيلول الأسود" التابعة لحركة فتح الاستعدادات لتنفيذ عملية ميونيخ، بإشراف القيادي في فتح، صلاح خلف (أبو إياد)، ومحمد عودة (أبو داود). وكان ينبغي أن تكون هذه الاستعدادات وخطة العملية سرية، لكنها تسربت لاحقا إلى علم أجهزة استخبارات.
واحتوت الوثائق، بحسب الصحيفة، على 17 تحذيرا على الأقل. وجاء في وثيقة ألمانية كُشف عنها مؤخرا، أن برقية حولتها شرطة دورتموند إلى ميونيخ حول نازي جديد ألماني، يدعى فيلي فوهل، وأن أبو داود طلب منه تزويده بسيارات ألمانية ومساعدته في الحصول وتصوير وثائق. واستجاب فوهل للطلب. إلا أن فوهل كان يخضع لمراقبة المخابرات الداخلية الألمانية، التي حذرت من علاقات فوهل مع مجموعة فلسطينيين قبل الألعاب الأولومبية بوقت قصير. وحسب الصحيفة، فإن الشرطة الألمانية اعتقلت فوهل بعد عملية ميونيخ.
وأضافت الصحيفة أنه تم الإفراج عن فوهل بعد فترة قصيرة، وسافر إلى بيروت حيث يتواجد أصدقاؤه من منظمة التحرير الفلسطينية. وأشارت الصحيفة إلى أنه "بموجب دليل واحد على الأقل، فوهل كان عميلا للمخابرات الأميركية. وليس واضحا مما حذر، إذا كان قد حذر، وذلك لأن أجهزة الاستخبارات الأميركية ترفض بشدة تحرير المواد بحوزتها حول عملية ميونيخ".
إلا أن معلومات حول عملية محتملة لم تكن لدى الاستخبارات الألمانية والأميركية فقط. ففي مطلع تموز/يوليو 1972، بعث عميل للموساد تقريرا قال فيه إن "جبهة حبش (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش) تخطط لعملية في ألمانيا"، وحذر في 7 تموز/يوليو من "نوايا لتنفيذ عملية في ألمانيا – الهدف ليس معروفا".
وكرر عميل الموساد نفسه التحذير في 10 تموز/يوليو من وجود خطر كبير جدا في الأراضي الألمانية، وبعث في 19 تموز/يوليو أن منظمات فلسطينية أقامت "وحدات مشتركة لجميع المنظمات، لتنفيذ عمليات ضد أشخاص ومنشآت إسرائيلية في أوروبا". وقال في رسالة أخرى في اليوم التالي إن "خليتين مؤلفة كل واحدة من ثلاثة أشخاص ذهبت إلى أثينا ومنها إلى أوروبا لتنفيذ عمليات".
وبعد ثلاثة أيام، بحسب الصحيفة، علم الموساد بأن عملية ستنفذ في ألمانيا ضد جالية إسرائيلية ومندوبين إسرائيليين. واستمر ورود معلومات مشابهة إلى الموساد خلال آب/أغسطس. وفي الخامس من هذا الشهر وصلت معلومة للموساد إن "أيلول الأسود يجهز لعملية ذات طابع دولي". وبعد ذلك بعث عملاء الموساد رسائل حول "مجموعة الجبهة الشعبية خرجت إلى ألمانيا وستتلقى مساعدات من محليين" وأن قياديين فلسطينيين "تواجدا في ألمانيا من أجل التخطيط لعملية وسيعودان إلى هناك في بداية أو منتصف أيلول/سبتمبر 72". وبحسب الصحيفة، فإن أحد القياديين هو أبو داود.