في الوقت الذي تتزايد فيه التهديدات الأمنية المحيطة بدولة الاحتلال، فإن وتيرة النشاط العملياتي الأمني والعسكري في مختلف الساحات تنامت بشكل كبير؛ حيث تزعم الأوساط الإسرائيلية أنه في المتوسط ، كل أسبوع ونصف، يقوم جيش الاحتلال بعمليات سرية وخاصة في جميع أنحاء المنطقة.
يأتي ذلك وسط مباحثات يشهدها مكتب رئيس الوزراء، ورؤساء المؤسسة العسكرية، ومجلس الوزراء الأمني، لمتابعة الأحداث في غزة وبيروت ودمشق وبغداد، وهي الساحات التي يعرفها مجتمع المخابرات بالسعي للاحتكاك مع إسرائيل، بعيدًا عن حدودها، مما يدفع الاستخبارات للقيام بمزيد من العمليات السرية.
الجنرال عاميت ساعر، 43 عامًا، المعروف باسم "المقدر الوطني لإسرائيل"، رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية- أمان، كشف في حوار مطول مع موقع "ويللا" أنه "يتعامل مع التحذيرات الأمنية كل يوم، خاصة مع تحولها لتصبح أكثر تعقيدًا، لاسيما المقاومة في قطاع غزة، التي تحولت إلى تحدي مزمن، وليس لها حل في الوضع الحالي، لأن حماس تسيطر هناك، ولا يوجد حل سياسي معها، أما من يريدون دخول غزة واحتلالها، فلا أحد يريد البقاء فيها، الكل تعلم أنه من الأفضل عدم ذلك، لذلك فإن الأفضل أن نحافظ على هدوءها قدر الإمكان".
وأضاف أن "هناك محاولات إسرائيلية لإطالة الفترات الفاصلة بين الاشتباكات، فغزة مرض مزمن تتحكم فيه بأقراص كبيرة، ولكن "إذا تفشى المرض فعليك التعامل معه"، مع العلم أن الجيش في حرب 2014، واجه صعوبة في تحديد الأنفاق، وإلحاق الضرر بها، مما اضطره للمناورة في عمق الأراضي الفلسطينية، والنتيجة أننا نحتاج إلى الهدوء في غزة، لأنه يخدمنا، أما عن السؤال حول أننا بعيدون أم قريبون من المعركة في غزة، فلا أحد يريد حربًا في غزة، لكن الحروب تبدأ من تسلسل ديناميكيات التصعيد غير المتعمد، ومن الصعب جدًا إيقافها".
بالنسبة للوضع السوري، قال ساعر: "إن جيش النظام ضعيف جدا في الوقت الحالي، وأشك في عودة الجيش السوري بالدبابات وحلقات الدفاع حول دمشق، لكن الإيرانيين سيعيدون تأهيله، أما عن التهديد الكيميائي والبيولوجي من سوريا، فنحن نراقبها باستمرار، في الماضي كان الوضع في سوريا يشكل تهديدًا كبيرًا من الساحة الشمالية، لكن اليوم الأمر ليس كذلك، وعلينا أن نستمر في القلق أنه لن يكون كذلك، حتى القدرات النووية السورية باتت اليوم أكثر صعوبة، أنهم لا يملكون الموارد اللازمة".
فيما يتعلق بالقدرات النووية في الشرق الأوسط، أشار ساعر أن " الإسرائيليون قلقون للغاية بشأن القضية الإيرانية، وانعكاساتها على المنطقة، يزعجني أن الدول التي تعتقد أن إيران تتجه لبرنامج نووي عسكري ستذهب خلفها، والمرشحون هم الدول الكبرى: السعودية وتركيا ومصر".
وحين سئل عن جهود إيران لترسيخ تواجدها في سوريا، أوضح ساعر أن "قاسم سليماني كان لديه رؤية بحديثه بالفعل عن جبهة ثانية على غرار تأسيس حزب الله 2 في سوريا، وبدأ يفعل ذلك بنقل الناس هناك، الإيرانيون يريدون الحفاظ على وجودهم في سوريا، والسماح بنقل الأسلحة إلى لبنان، لبناء قدرات معينة، لكن اليوم لأن سوريا تريد التعافي من سنوات الحرب، فإن هناك توترا بينها وبين إيران، بدليل أن إسرائيل لا تتلقى ردودا رغم عشرات الهجمات ضدها".
وحول مدى قرب الاحتلال أم بعده عن الحرب مع حزب الله، أكد ساعر أنه "بشكل عام منذ 2006، هناك شروط تسمح بعدم الدخول في معركة مع الحزب، لكن لبنان لا يريدها كثيرًا، أما نصر الله والحزب فيزيدان التكثيف العسكري، فهم يحافظون على المعادلات، ويديرون منظومة معادلات هدفها الحفاظ على التوازن، ولا يريدون تغيير الوضع، مع العلم أن لبنان بلد مختل، ونتيجة لذلك تتطور ظاهرة أعداد كبيرة من اللاجئين والباحثين عن عمل، وعلى هذه الخلفية يحاول داعش ونشطاء آخرون التسلل لإسرائيل".
كما تحدث ساعر عن تهديدات الصواريخ والطائرات بدون طيار من العراق، بقوله أننا "أنشأنا أقسامًا تتعامل مع العراق، وأقوم بإجراء حالة تأهب فيه، كانت هناك بالفعل محاولات إطلاق طائرات بدون طيار من العراق، وأفترض أنه سيكون هناك المزيد من المحاولات الواردة منه، وفي أي حملة مستقبلية في غزة، يمكننا توقع أنه قد تستيقظ ميليشيا في العراق، فما يحدث فيه شيء خطير، الميليشيات الأصغر تحصل على أسلحة أكثر تقدمًا من الإيرانيين، ومنها الطائرات بدون طيار، وبالتالي فإن إرسال طائرة بدون طيار تشغلها إيران من العراق إلى إسرائيل غداً احتمالية عالية".
وكشف أن "هناك ظاهرتان مقلقتان لإسرائيل تحدثان بالتوازي أسلحة متطورة بشكل متزايد تذهب لأماكن أصغر، مثل الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، وحقيقة أن الحوثيين في اليمن قادرون على تنفيذ هجوم لأكثر من ألف كيلومتر على البنى التحتية الوطنية لدولة متقدمة تحميها الأسلحة الغربية ليس بالأمر الهين، الظاهرة الثانية هي الوحدة 340 للبحث والتطوير للتقنيات السرية التابعة لفيلق القدس الإيراني".
عند الحديث عن أوضاع الضفة الغربية، يرى ساعر أن "هذه الجبهة واحدة من أكثر لتحديات تعقيدًا في التعامل معها، حيث تؤثر التغييرات فيها على إسرائيل فورا، رغم أن قضية المسجد الأقصى طالما بقي مشكلة حساسة ومتفجرة، بشكل يومي، وليس فقط خلال شهر رمضان".
عن مستقبل العلاقة مع الأردن ومصر، قال ساعر إن "هناك تقدما كبيرا معهما على المستويين الأمني والسياسي، حتى أننا رأينا زيارات لم نرها منذ فترة طويلة، رغم أننا نستمع خطابًا عدوانيًا من عمان تجاه إسرائيل، لكن لديهم مصلحة في هذه العلاقة ليس أقل مما نفعل، وكذلك مع مصر، حيث التقدم الكبير والملموس في العلاقة معها في السنوات الأخيرة، ووصل العام الماضي ذروته، حيث اكتشف الجانبان أصول بعضهما، ولذلك زاد الحديث على مستوى المخابرات والأمن".
عربي 21