نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" مقالا للأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد، رصدت فيه تغير مواقف الدول الغربية، وتجاهل صناع السياسة فيها لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ووصف الموقع البريطاني ابن سلمان بأنه "آخر الدكتاتوريين الذين دعمتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها على مدى عقود"، لافتا إلى أنهم ليسوا أهلاً للثقة، وخضوعهم لأوليائهم وداعميهم مجرد أمر عابر.
وذكرت كاتبة المقال،أن شيطنة دوائر الحكم في الغرب لولي العهد السعودي ليست بسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018 على يد عناصر تابعين للنظام السعودي، بل كانت نتاجا عن الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتاليا نص المقال:
مرة أخرى، يجذب ولي عهد السعودية محمد بن سلمان انتباه وسائل الإعلام الغربية، وبشكل خاص داخل الولايات المتحدة.
لقد تبددت نشوة بعض الصحفيين الذين التقوا الأمير الصاعد في الرياض، لإجراء مقابلات معه، لتحل في أذهانهم صورة جديدة له مختلفة، فبعد أن أطلقوا عليه وصف المصلح العظيم، باتوا يتحدثون عنه بوصفه شريراً أو دكتاتوراً.
تحدى محمد بن سلمان أولياءه في واشنطن من خلال تجاهله لمطالبة الرئيس جو بايدن بزيادة إنتاج النفط، وإنقاذ الولايات المتحدة والعالم من عواقب أزمة اقتصادية وشيكة.
وبينما يستمر العالم في المعاناة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، أخفق شركاء ابن سلمان الغربيون، والذين يشار إليهم أحياناً بعبارة الحلفاء، في فهمه.
وأصدر صحفيون بارزون أكثر من ستة كتب عن ولي العهد السعودي، كما اختار صناع السياسة في الغرب تجاهل أكثر خصاله وضوحاً، ألا وهي "الغدر".
خلفية الحكاية
لا تكمن أسباب "الشيطنة الأخيرة" لمحمد بن سلمان في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018 على يد عناصر تابعين للنظام السعودي، بل في الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأكد تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في عام 2018، أن ابن سلمان هو المسؤول الكبير الذي يقف من وراء جريمة قتل خاشقجي.
ورغم ذلك، فضلت الولايات المتحدة وحلفاؤها خيار الامتناع عن فرض أي عقوبات على الملك القادم للمملكة العربية السعودية، في سعي منهم بأن يكون التواصل والتعامل مع الحاكم الصاعد أفضل من نبذه والنأي عنه.
أما الآن، فقد غدا ولي العهد السعودي شريراً، ودكتاتوراً لا يمكن الوثوق به، إذ يرفض الالتزام بالصفقة القديمة التي تحصل من خلالها المملكة على حماية الولايات المتحدة مقابل الولاء لها.
ويكمن خطأ محمد بن سلمان في أنه يسعى لتحقيق مصالحه القومية، وتحديداً إعادة ملء خزائن السعودية الخاوية بالمال من إيرادات النفط، والاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة، لكن هذا التمشي من شأنه أن يضع المملكة أمام خطر التضخم العالمي، حيث إنها تستمر في الاعتماد على استيراد تشكيلة من السلع الأساسية، التي باتت أسعارها ملتهبة.
ولا يفكر ولي العهد السعودي في إيجاد توازن بين الخسارة والمكسب، بل هو عازم على الربح بأي ثمن، ولو كان ذلك على حساب "أسياده" في واشنطن.
وصف مقال أخير نشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" ابن سلمان بـ"الصبياني"، وذلك بسبب ارتدائه بنطلونا قصيرا عند استقباله مبعوث الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، ثم صاح في وجهه عندما نطق باسم خاشقجي أثناء الاجتماع.
لكن لباس ابن سلمان حظي بالإشادة باعتباره عفوياً وعصرياً، ويعكس أجندته الإصلاحية والتزامه بثقافة الشباب، أما حاليا، فقد غدا اللباس ذاته منتقداً، باعتباره مؤشراً على انعدام الاحترام والسلوك الصبياني.
بعد تلك المقالة نشر مقال آخر في "ذي شيكاغو تريبيون"، يطالب بأن "تترك المملكة العربية السعودية للذئاب".
وأتساءل، من عساهم يكونون الذئاب!
ومن بين الذين نظروا لفكرة التخلي عن ولي العهد وتركه يواجه مستقبلاً غامضاً، الدبلوماسية السابقة والزميلة في أحد مراكز البحث والتفكير، إليزابيث شاكلفورد، حيث ذكّرت صناع السياسة في الولايات المتحدة بالماضي المظلم للمملكة العربية السعودية، فبدءاً بالتطرف الديني وانتهاء بالتمييز ضد النساء، شجعت الدبلوماسية السابقة حكومة بلادها على نبذ محمد بن سلمان.
خطيئة محمد بن سلمان الرئيسية هي تجاهل المصالح الأمريكية، والامتناع عن إصدار إدانة علنية لغزو بوتين لأوكرانيا، فولي العهد السعودي يحترم ويقتدي بالرئيس الروسي فلادمير بوتين، ويجتهد لإعادة تشكيل نفسه على صورته، وهذا طبعا بعد الرئيس السابق دونالد ترامب.
التاريخ المنسي
دعونا لا ننسى أن تجاوزات المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الآن غير مقبولة في دوائر وسائل الإعلام ومراكز البحث والتفكير الأمريكية، لم يتم تجاهلها فحسب، بل كانت تلقى دعما وتشجيعا من قبل السياسة الخارجية الأمريكية.
وفي صدارة تلك التجاوزات، التطرف الديني الذي كانت الولايات المتحدة تعتبره مكسباً وتسمح باستمراره وازدهاره، حيث تستخدمه في مقاومة شر أكبر، ألا وهو الاتحاد السوفياتي، وكذلك مشاعر العداء للإمبريالية الأمريكية في أرجاء العالم الإسلامي.
هذا تاريخ يطيب للبعض تناسيه، بينما اختار الصحفيون تجاهله عندما ناشدوا زعماءهم تغيير المسار، وعدم الاكتفاء بالتنديد بابن سلمان، بل طالبوا بالتخلي عنه إلى الأبد.
وحتى عهد قريب، كانت الولايات المتحدة تعتنق فكرة استخدام الحكام السلطويين من أجل التغلب على الدكتاتوريين، حيث يعتبر محمد بن سلمان حاكماً سلطوياً، لكن لم يكتفوا بغض الطرف عنه، بل أشادوا بما يسمى إصلاحاته الليبرالية، فيما كان الصحفيون الذين التقوا به يذكروننا بأنه ينبغي ألّا يحكم عليه من خلال معايير الديمقراطيين أو الديمقراطية.
كان بحاجة لأن يُفهم كإصلاحي شاب يسعى لتحديث بلد محافظ وراديكالي، وذلك على الرغم من اعتقاله للمئات من النشطاء وإعدامه لكثيرين آخرين، حيث نفذت آخر الإعدامات الجماعية بينما كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في زيارة إلى المملكة.
الأمير الماكيافيلي
كثيراً ما تلتبس الخطوط الفاصلة بين الحكام السلطويين والدكتاتوريين ولا تكاد تظهر، فبعد مرور ستة أعوام على بلوغه هرم السلطة في المملكة العربية السعودية، غدا محمد بن سلمان عرضة للتنديد باعتباره دكتاتوراً يطعن الولايات المتحدة في الظهر، ويخفق في الوفاء بمتطلبات الصفقة القديمة، التي تضمن تدفق النفط بكميات غير محدودة مقابل الأمن.
والتاريخ يعيد نفسه، فطالما ظل الدكتاتوريون خاضعين للولايات المتحدة لخدمة مصالحها، فلا يغض الطرف عنهم فحسب، بل يمكنون ويزودون بالأسلحة التي يستخدمونها ضد شعوبهم وضد الشعوب المجاورة.
وابن سلمان هو آخر إضافة إلى قائمة طويلة من الدكتاتوريين الذين دعمتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها على مدى عقود، ويستمرون في دعمهم حتى اليوم.
ولكن من طبيعة الدكتاتوريين أنهم ليسوا أهلاً للثقة، وخضوعهم لأوليائهم وداعميهم مجرد أمر عابر، ولا يمكن الاعتماد على ولائهم؛ لأن ولاءهم أولاً وأخيراً هو لذاتهم.
يا ترى، هل أخفقت الولايات المتحدة بشكل بائس في التعرف على ملامح ماكيافيلي في شخص محمد بن سلمان؟